بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾.[1]
انفجار العيون في الصّحراء تذكير آخر بنعمة اخرى من نعم الله على بني إسرائيل: وهذا التذكير تشير إليه كلمة «إذ» المقصود منها (واذكروا إذ)، وهذه النعمة أغدقها الله عليهم، حين كان بنو إسرائيل في أمسّ الحاجة إلى الماء وهم في وسط صحراء قاحلة، فطلب موسى عليه السّلام من الله عزّ وجلّ الماء: وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ، فتقبل الله طلبه، وأمر نبيّه أن يضرب الحجر بعصاه: فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا بعدد قبائل بني إسرائيل.
وكل عين جرت نحو قبيلة بحيث أن كل قبيلة كانت تعرف العين التي تخصّها قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ.
وقد كثرت الأقوال في طبيعة الحجر الذي انفجرت منه العيون، وكيفية ضربه بالعصا، والقرآن لا يزيد على ذكر ما سبق.
قال بعض المفسرين: إن هذا الحجر كان في ثنايا الجبال المطلة على الصحراء وتدل جملة «انبجست» الواردة في سورة الأعراف، لقوله تعالى: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.[2]
ففي آيتنا أعلاه ورد الفعل «انفجر» ليعبّر عن تدفق الماء من الحجر، بينما ورد الفعل «انبجس» في الآية 160 من سورة الأعراف ليشير إلى نفس الحقيقة مع فارق هو أن الأول يفصح عن شدة تدفّق الماء، والثاني عن سيلانه بشكل هادئ.
ولعل آية سورة الأعراف تتحدث عن المرحلة الأولى من ظهور الماء، وجريانه بشكل هادئ لا يثير فزع القوم، ولا يمنعهم من السيطرة عليه، بينما تشير الآية التي نحن في صددها إلى المرحلة النهائية حيث اشتد جريان الماء.
والراغب الأصفهاني في كتابه مفردات القرآن يفسر الانبجاس والانفجار بشكل يتناسب مع ما أشرنا إليه إذ يقول: بجس الماء وانبجس: انفجر، لكن الانبجاس أكثر ما يقال فيما يخرج من شيء ضيق. والانفجار يستعمل فيه وفيما يخرج من شيء واسع.
فظاهرة انفجار المياه من الصخور طبيعية، لكن الحادثة هنا مقرونة بالإعجاز كما هو واضح.
يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي(ره) في تفسيره: (ثمة أقوال تذكر أن ذلك الحجر كان من نوع خاص حمله بنو إسرائيل معهم، ومتى احتاجوا إلى الماء ضربه موسى بعصاه فيجري من الماء. وليس في القرآن ما يثبت ذلك، وإن أشارت إليه بعض الروايات.
في الفصل السابع عشر من «سفر الخروج» تذكر التوراة: فقال الرب لموسى سر قدام الشعب وخذ معك من شيوخ إسرائيل وعصاك التي ضربت بها النهر خذها في يدك واذهب - ها أنا أقف أمامك هناك على الصخرة في حوريب[3] فتضرب الصخر فيخرج منها ماء ليشرب الشعب ففعل موسى هكذا أمام عيون شيوخ إسرائيل.
لقد من الله على بني إسرائيل بإنزال المنّ والسلوى، وفي هذه المرّة يمنّ عليهم بالماء الذي يعزّ في تلك الصحراء القاحلة، ثم يقول سبحانه لهم: كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.
وفي هذه العبارة حث لهم على ترك العناد وإيذاء الأنبياء، وأن يكون هذا أقل شكرهم لله على هذه النعم).[4]
[1] سورة البقرة، الآية: 60.
[2] سورة الأعراف، الآية: 160.
[3] ويسمى جبل موسى أو جبل سيناء أو جبل الطور ويقال: هو الجبل الذي أعطيت فيه الوصايا العشر لموسى عليه السلام من قبل الرب.
[4] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 1، ص 241.
تعليق