بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا...﴾.[1]
خطاب بني اسرائيل ب يا موسى مشعر بسوء أدبهم وكان ينبغي ان يخاطبوا يا كليم الله، يا نبي الله، يا قائدنا، يا منجينا ونظائرها.
اذكروا نعم الله عليكم حيث استجاب لكم ما طلبتم عندما توجهتم نحو موسى وبحالة من فقدان الصبر احتجاجا على الطعام الواحد.. لَنْ نَصْبِرَ بما فيها من التحدي واليأس.. لن نصبر على طعام واحد..إنه المن والسلوى في كل وقت وإن جاء بدون كدّ أو تعب..وإن كان من عند الله وهو الذي وفّره لنا فإنا لن نصبر عليه..
فحنّوا إلى ماضيهم واستذكروه.. إن أجسامهم قد تربّت على ما تخرج الأرض ولم يتعوّدوا على ما أنعم الله به عليهم في الصحراء من المن والسلوى..توجّه يا موسى بالدعاء إلى ربك فأنت مستجاب الدعاء، وأنت كما عوّدك الله فادعوه أن يخرج لنا مما تنبت الأرض وما ذا تنبت وما هي الأمور التي حنّوا لها واشتاقوا إلى تناولها فليذكروا بعض أصنافها وشيئا من مفرداتها؟ نعم اشتاقوا إلى ما ذكروه.
﴿فَادْعُ لَنٰا رَبَّكَ﴾ في هذا الطلب أيضا إمارة ضعف الإيمان حيث لم يقولوا: «فادع لنا ربّنا» ولعل هذا سرّ جميع خطاياهم حيث لم يتّصلوا بربّهم ولم يتقرّبوا إليه ولم يسمعوا كلامه، نعم حنّوا إلى ماضيهم واستذكروه... فقالوا توجّه يا موسى بالدعاء إلى ربك فأنت مستجاب الدعاء، وأنت كما عوّدك الله فادعوه أن يخرج لنا مما تنبت الأرض وما ذا تنبت وما هي الأمور التي حنّوا لها واشتاقوا إلى تناولها فليذكروا بعض أصنافها وشيئا من مفرداتها؟ ﴿وَإِذٰا سَأَلَكَ عِبٰادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ اَلدّٰاعِ إِذٰا دَعٰان﴾ِ[2] وقد ورد عَنْ سَيْفٍ اَلتَّمَّارِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: ((عَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ فَإِنَّكُمْ لاَ تَقَرَّبُونَ بِمِثْلِهِ ولاَ تَتْرُكُوا صَغِيرَةً لِصِغَرِهَا أَنْ تَدْعُوا بِهَا إِنَّ صَاحِبَ اَلصِّغَارِ هُوَ صَاحِبُ اَلْكِبَارِ)).[3]
﴿يُخْرِجْ لَنٰا مِمّٰا تُنْبِتُ اَلْأَرْضُ﴾ في قولهم «لنا» دلالة على ظهور الكبر فيهم عقيب استغراقهم في الآيات والعنايات الإلهيّة، كأنّهم حسبوا أنفسهم أحبّاء اللّه وأنّ اللّه اختارهم على ساير خلقه وان كانوا متمرّدين غير شاكرين ولهذا عيّنوا ما اشتهته أنفسهم.
وقالوا: ﴿مِنْ بَقْلِهٰا وقِثّٰائِهٰا وفُومِهٰا وعَدَسِهٰا وبَصَلِهٰا﴾ وهذا صريح في سوء أدبهم.
إنها قائمة لم تغب عن أذهانهم قدّموا مضمونها بجملة مِمّٰا تُنْبِتُ اَلْأَرْضُ واهتموا بمصاديقها الخاصة التي هي الخضار والبقول ولو كانت من البصل والعدس...ويستمع النبي موسى هذا الطلب، وبحسرة وألم على هذه العقول الضعيفة التي لم تهتم إلا ببطونها يجيبهم بالحقيقة قال: أَتَسْتَبْدِلُونَ اَلَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ أتعتاضون البقل والقثاء والعدس والبصل الذي هو أدنى وأخسّ من المن والسلوى الذي هو أطيب وأحسن، فالخسيس بالنفيس، ذلك اختيار غير موفق ولم يدرك الصواب أو يصيب الحقيقة.
وعلى كل حال أنتم اخترتم ما تنبت الأرض وتركتم ما أنزل الله عليكم من المن والسلوى فليكن ذلك.
فقولهم: ﴿لَن نَّصْبِرَ﴾ صريح في لجاجهم مؤكّدين بلن وأنّ ما سألوا ممّا تنبت الأرض ليس مما كانوا يحتاجون إليه ضرورة وعدم صبرهم على طعام واحد لم يكن بحسب طبعهم ولا لازما لصحّتهم؛ بل إنّما طلبوا ما كانوا يعتادون أكله ويتغذّون به.
وبعبارة أخرى: أي لن نطيق حبس أنفسنا على طعام واحد وانّما قالوا طعام واحد وهما اثنان لأنّهم كانوا يأكلون أحدهما بالأخر وقيل لتكرارهما في كلّ يوم وكيف كان فقد سألوا موسى تبديل المّن والسّلوى بالبقل والقّثاء والفوم والعدس والبصل ممّا تنبته الأرض ولم يعلموا أنّ المنّ والسّلوى خير ممّا كانوا يطلبونه من موسى.
[1] سورة البقرة، الآية: 61.
[2] سورة البقرة، الآية: 186.
[3] الكافي، ج 2، ص 467.
تعليق