بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾.[1]
فالسؤال هنا لماذا ضرب اللّه تعالى على اليهود هذه الذلّة وابتلاهم بهذه المسكنة؟
والجواب: فذلك أنهم قوم كفرة فجرة، ليس أحد في الناس أشدّ منهم خصومة للأنبياء وعنادا لربّ السماء.. جرّعوا موسى وهارون عليهما السلام الصّبر، وقتلوا الأنبياء، وجحدوا نبوّة محمد (صلى الله عليه وآله) مع أن كتبهم نصّت عليه بالصراحة والجهر.
وهم أهل لجاج وعناد وخبث ومكر، ولذا لعنوا أكثر من مرة.
﴿وبٰاؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اَللهِ﴾ رجعوا بعد صفاتهم هذه كلّها مغضوبا عليهم ملعونين مستحقّين للغضب واللّعن، فالغَضَبٍ الأول ﴿ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كٰانُوا يَكْفُرُونَ بِآيٰاتِ اَللهِ﴾ ينكرونها، والثاني أنّهم كانوا لا يتورّعون عن الوقوف في وجه دعوة الله ويَقْتُلُونَ اَلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ كزكريّا ويحيى، وهذا عمل تقشعرّ منه الأبدان! فإن قتل كائن من كان جرم كبير، فكيف بقتل النبيّ الّذي هو من أعظم الكبائر على الأرض وأجلّها عند اللّه تعالى؟
﴿ذٰلِكَ بِمٰا عَصَوْا وكٰانُوا يَعْتَدُونَ﴾ ذلك: إشارة إلى ما ذكر من كفرهم وعصيانهم وتعدّيهم حدود الله ونيلهم من مقدّساته ونواميسه، واستهزائهم بالله وملائكته ورسله وكتبه.
وقد ورد عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: أنه تلا هذه الآية فقال: ((وَاَللهِ مَا قَتَلُوهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَلاَ ضَرَبُوهُمْ بِأَسْيَافِهِمْ وَلَكِنَّهُمْ سَمِعُوا أَحَادِيثَهُمْ فَأَذَاعُوهَا فَأُخِذُوا عَلَيْهَا فَقُتِلُوا فَصَارَ قَتْلاً وَاِعْتِدَاءً وَمَعْصِيَةً)).[2]
ذاك أن حكّام الجور - في كلّ عصر - يتحرّون المصلحين ويلاحقونهم ويحبسونهم أو يقتلونهم ليتخلّصوا من دعوة الخير التي تزلزل عرش الظّلم.
أما ما روي في بعض المصادر من أنهم كانوا يقتلون بين الطّلوعين - من الفجر إلى بزوغ الشمس - سبعين نبيّا من أنبيائهم، ثم يعودون إلى بيعهم وشرائهم وكأنهم لم يفعلوا شيئا - أما مثل هذا القول فلا قيمة له، لأن الوقت هذا لا يتسع لقتل نبيّ وإرسال غيره، فكيف بإرسال سبعين وقتل السبعين؟
نعم، إنهم بدافع أرواحهم الشريرة - كانوا لا يتأخرون عن الوشاية بالرسول، وبكل فرد آمن به، وبجميع الصّلحاء، ويوغرون صدور الحكّام على الطيّبين من المؤمنين، فيؤدي عملهم هذا إلى الأسر والسجن المؤبّد والقتل لكلّ روحانيّ يحمل شيئا من دعوة السماء.
فقتلهم الأنبياء مما لا شكّ فيه مع أنّه من أعظم الكبائر بعد الشّرك بالله وقد نقل أنّهم قتلوا في يوم واحد سبعين نبّيا ولذلك سلّط الله عليهم الملك البابلي بخت نّصر فقتل منهم ما قتل واسر منهم خلق كثير وساقهم الى العراق، كما هو مذكور في التّواريخ والسّير.
وأمّا قوله: ﴿بِغَيْرِ اَلْحَقِّ﴾ ففيه وجهان: أحدهما: أنّ القتل منهم لم يكن بشبهة حصلت لهم توجب استحقاق القتل بل كانوا قد تعمّدوا به وذلك لأنّ الآتي بالباطل قد يكون اعتقده حقّا لشبهة حصلت عنده وقد يأتي به مع علمه بكونه باطلا ولا شكّ أنّه أقبح من الأوّل.
ثانيهما: أنّ قوله: ﴿بِغَيْرِ اَلْحَقِّ﴾ للتّأكيد نحو قوله: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اَلله إِلٰهاً آخَرَ لاٰ بُرْهٰانَ لَهُ بِهِ﴾ ومحال أن يكون لمدّعي الإله الثّاني برهان فكذلك في المقام محال أن يكون قتل الأنبياء بالحقّ، قال بعض المحقّقين فأن قلت قتل الأنبياء لا يكون إلاّ بغير الحقّ فما فائدة ذكره قلت معنى أنّه قتلوهم بغير الحقّ عندهم لأنّهم لم يقتلوا ولا أفسدوا في الأرض فيقتلوا وإنّما نصحوهم ودعوهم الى ما ينفعهم فقتلوهم فلو سألوا وأنصفوا من أنفسهم لم يذكروا وجها يسّتحقون به القتل عندهم والحقّ في المقام أنّ قوله بغير الحقّ أنّما خرج مخرج الصّفة لقتلهم أنّه ظلم وليس بحقّ فكان هذا تعظيما للشنعة عليهم ومعلوم أنّه لا يقتل على الحقّ فصرّح قوله : ﴿بِغَيْرِ اَلْحَقِّ﴾ عن شنعة الذّنب ووضوحه هذا كلّه مضافا الى أنّ مفهوم الوصف ليس بحجّة على الأقوى.
[1]سورة البقرة، الآية: 61.
[2] الكافي، ج 2، ص 371.
تعليق