اللهم صل على محمد وآل محمد
إنَّ المتتبّع لأسرار ومناقب أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) يعجزه مقاربة حصرها أو الإلمام بها؛
- فهي كثيرة لا تُعد ولا تحصى، وما وصفته الكتب لا يعدو شربة طائر من بحر عميق، ولكن نذكر بعضاً منها في مكرسنا هذا:
1- منقبة مولده (عليه السَّلَام) في بيت الله تعالى الحرام:
فكان مولده (عليه السَّلَام) في هذا البيت المشرَّف والحرم المكّيّ المُطهَّر،
- وأَنَّه لمَّا ولد في البيت الحرام، خرَّ ساجداً ثم رفع رأسه الشَّريف فأذَّن، وأقام وشهد لله بالوحدانية وللنَّبي مُحَمَّد (صَلَّى الله عَلَيهِ وآلِهِ) بالرِّسالة ولنفسه (عليه السَّلَام) بالخلافة والولاية،
- ثم أشار بعد ذلك إلى رسول الله (صَلَّى الله عَلَيهِ وآلِهِ) فقال:
- (أقرأ يا رسول الله؟
فقال: نعم)[1]،
- فقرأ في بادئ الأمر صحف آدم (عليه السَّلَام) حتَّى لو حضر شيت لأقرَّ أَنَّه أعلم بها منه،
- ثم قرأ صحف نوح وصحف إبراهيم (عليهما السَّلَام) والتَّوراة والإنجيل،
- ثم بعد ذلك قرأ (عليه السَّلَام) الآية الأولى من سورة المؤمنين:
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾[2]،
- فردَّ عليه النَّبيّ (صَلَّى الله عَلَيهِ وآلِهِ) قائلاً له:
(نعم، قد أفلحوا إذ أنت إمامهم)[3].
ثم خاطبه بما يخاطب به الأنبياء الأوصياء، ثم سكت
- فقال له رسول الله (صَلَّى الله عَلَيهِ وآلِهِ):
(عُد إلى طفولتك فامسك)[4].
فمنقبة موُلده (عليه السَّلَام) في هذا المكان، ونطقه بالشهادتين، وقراءته للصّحف وللقرآن، من المناقب والأسرار الخاصَّة به (عليه السَّلَام) ولم يشاركه فيها أحد.
2- ومن مناقبه أيضاً التي لا تحد وأسراره وفضائله التي لا تعد أنَّه (عليه السَّلَام)
يعلم ما كان أي قبل مولده (عليه السَّلَام)،
- فكان يعلم ما يحدث وما يجري من أمور في الحياة وهو في عالم الأرحام، ومن الشواهد على ذلك:
(أَنَّ راهب اليمامة الأثرم كان يبشر أبا طالب (رحمه الله) بقدوم الإمام عَلِيّ (عَلَيْهِ السَّلَام)،
- وعند قدومه يكون سيِّد أهل زمانه، ويكون للنَبِيّ مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله) أخاً وعوناً وعضداً وناصراً وصهراً ووزيراً،
- وكان هذا الرَّاهب يوصي أبا طالب (رحمه الله) إذا وُلد الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) أن يقرِأه عنه السَّلَام،
- فلمَّا وُلد أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلَام مرَّ أبو طالب (رحمه الله) إليه ليعلّمه فوجده قد مات هذا الرَّاهب،
- فرجع إلى أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلَام) فأخذه وقبَّله فسلَّم عليه أمير المؤمنين،
- وإنَّ الإمام (عليه السَّلَام) بمكانته عند الله تعالى كان على علمٍ ودراية تامَّة بمَا حدث بين أبيه أبي طالب وبين الرَّاهب[5]،
- فقال (عليه السَّلَام):
(يا أبتِ، جئت من عند الرَّاهب الأثرم الَّذي كان يبشّرك بِيّ؟)،
- وقصَّ عليه قصَّة الرَّاهب، فقال له أبوه: صدقت يا وليّ الله)[6].
3- ومن مناقبه أيضاً (عليه السَّلَام)
علم بما يكون، فكان يعلم ما يحدث وما يحلّ بالأمَّة في حياته وبعد استشهاده (عليه السَّلَام)،
- فقوله (عليه السَّلَام) لمروان بن الحكم يوم وقعة الجمل - التي كانت فتنة عظيمة فراح ضحيّتها الآلاف القتلى من الجيشين- أكبر دليل على ذلك، إذ أخبره (عليه السَّلَام):
- (خفت يا ابن الحكم أن ترى رأسك في هذه البقعة، كلَّا لا يكون ذلك كذلك حتَّى يكون من صلبك طواغيت يملكون هذه الأمَّة)[7]،
- فكان الإمام (عليه السَّلَام) يخبره بما سيحصل للأمَّة بسبب الطواغيت من ذرية مروان.
4- ومن الدليل على علمه (عليه السَّلَام) بما يكون:
- كلامه عندما مرَّ في كربلاء وكان متوجهاً إلى صفّين فقال:
(صبراً أبا عبد الله بشاطئ الفرات)
- ثم بكى، وقال:
(هذا والله مناخ القوم ومحط رحالهم)[8]،
- فإنَّه (عليه السَّلَام) كان عالماً بما سيحدث لآل بيت الرَّسول (صلّى الله عليه وآله) من قتلٍ وإراقة دماء وسَّبي وتشريد وغيره.
منقول
_____
الهوامش:
[1] المشارق، للشَّيخ رجب البرسي الحلِّي: 115.
[2] سورة المؤمنون، الآية (1).
[3] المشارق، للشَّيخ رجب البرسي الحلِّي: 115.
[4] المصدر نفسه.
[5] ينظر: مدينة المعاجز، السَّيِّد هاشم البحراني: 2/38.
[6] المصدر نفسه.
[7]مسند الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، للقبانجي: 8/370-371.
[8] المشارق، للشَّيخ رجب البرسي الحلِّيّ: 116.
تعليق