تويت
بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾.[1]
المعرفة تقع على شخص الشيء فيقال عرفته والعلم يقع على أحواله فيقال علمته والاعتداء هو التجاوز عن الحدّ المقرّر، واَلسَّبْتِ هو القطع ويختلف باختلاف متعلقه فأسبات اليهود قطعهم العمل في ذلك اليوم وتخصيصه بالعبادة، ونوم سبات قاطع لمواصلة الأعمال، وقيل في وجه تسمية يوم السبت بهذا الاسم أنه قطع فيه خلق كل شيء وفرغ منه.
والقردة جمع قرد والأنثى قردة، والخاسئ المطرود والنكال الإيقاع بالطرف ارهابا له وما بين يديها يعنى معاصرها وما خلفها هو الآتي بعدها الكائن ورائها والموعظة التبليغ بتخويف. والمعنى انكم يا يهود عصر النبوّة قد أحطتم من طريق كتبكم ورجال طريقتكم بأحوال اسلافكم الذين اعتدوا وتجاوزوا ما حدّ لهم من تجريد أنفسهم للعبادة يوم السبت فكان هذا اليوم يوم أمن للحيتان - تَأْتِيهِمْ حِيتٰانُهُمْ (الأسماك) يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ - فاضطربت اعصابهم لهذا النفع الفائت من أيديهم فأخذوا يفتشون عن وجه حيلة تجمع لهم امتناعهم من الصيد يوم السبت واحراز هذا الصيد لغيره فحفروا حياضا عند البحر وشرعوا إليها الجداول لتدخلها الحيتان يوم السبت ثم لا تستطيع الخروج منها فيأخذونها يوم الأحد، وهؤلاء هم اهل أيلة قرية على شاطئ البحر[2]، لا اليهود بأسرهم كما يظهر ذلك من قوله تعالى - اِعْتَدَوْا مِنْكُمْ - فعاقبهم الله على هذه المراوغة و الخديعة بأن مسخهم قرودا مطرودين عن رضاه ورحمته ولم يعيشوا بعد ذلك اكثر من ثلاثة أيام حتى هلكوا.
أوقع الله ذلك بهم ارهابا لحاضريهم ومعاصريهم وعبرة جاهرة لمن خلفهم من الأمم والأجيال وموعظة للمتحذرين حتى يتورعوا في مسيرهم مع الحياة ورعا يبعد بهم عن الفشل فيها كما فشل اهل أيلة.
فجعلهم - بالمسخ - قردة مبعدين عن رحمته في الدنيا والآخرة. فابتلوا بخزي المسخ وخزي الخسوء. وفي هذا إخبار عن سرعة فعله ذلك بهم، لا أنه أمر اصطلاحيّ بل معناه سرعة الفعل كقوله جلّ وعلا: ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ﴾[3]، حالا.
فلم يكن هناك أمر، أي قول، وإنما هو إخبار عن سهولة الفعل عليه تعالى. ولا بدّ أن نحمل الأمر - فيما نحن فيه - على الإخبار، لأن متعلّق الأمر لا بدّ وأن يكون مقدورا للمأمور، وهاهنا ليس المأمور به تحت قدرة المأمورين بمقتضى الطبيعة البشرية.
قال ابن عباس: فمسخهم الله عقوبة لهم. وبقوا ثلاثة أيام لم يأكلوا ولم يشربوا، ولم يتناسلوا فأهلكهم الله. وجاءت ريح فهبّت بهم وألقتهم في الماء. وما مسخ الله أمّة إلاّ أهلكها. والقردة والخنازير المعروفة ليست نسل هؤلاء. بل هم أنفسهم مسخوا على صورتها.
وإجماع المسلمين أنه ليس في القردة والخنازير من هو من أولاد آدم والعياذ بالله من ذلك.
وذكرت حالة مسخ اليهود الى قردة وخنازير في روايات أهل البيت عليهم السلام، ومنها صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ اَلْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((اَلْفِيلُ مَسْخٌ كَانَ مَلِكاً زَنَّاءً وَاَلذِّئْبُ مَسْخٌ كَانَ أَعْرَابِيّاً دَيُّوثاً وَاَلْأَرْنَبُ مَسْخٌ كَانَتِ اِمْرَأَةً تَخُونُ زَوْجَهَا وَلاَ تَغْتَسِلُ مِنْ حَيْضِهَا وَاَلْوَطْوَاطُ مَسْخٌ كَانَ يَسْرِقُ تُمُورَ اَلنَّاسِ وَاَلْقِرَدَةُ وَاَلْخَنَازِيرُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اِعْتَدَوْا فِي اَلسَّبْتِ وَاَلْجِرِّيثُ وَاَلضَّبُّ فِرْقَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يُؤْمِنُوا حَيْثُ نَزَلَتِ اَلْمَائِدَةُ عَلَى عِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَتَاهُوا فَوَقَعَتْ فِرْقَةٌ فِي اَلْبَحْرِ وَفِرْقَةٌ فِي اَلْبَرِّ وَاَلْفَأْرَةُ فَهِيَ اَلْفُوَيْسِقَةُ وَاَلْعَقْرَبُ كَانَ نَمَّاماً وَاَلدُّبُّ وَاَلزُّنْبُورُ كَانَتْ لَحَّاماً يَسْرِقُ فِي اَلْمِيزَانِ)).[4]
[1] سورة البقرة، الآية: 65.
[2] يحتمل أنها مدينة ايلات الحالية على شاطئ البحر الأحمر.
[3] سورة فصّلت، الآية: 11.
[4]الكافي، ج 6، ص 246.
تعليق