بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾.[1]
قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (ره) في تفسيره: (الأميّون جمع أمّيّ، والأمّيّ غير الدارس. وسمّوا بذلك لأنهم في معلوماتهم كما ولدتهم أمهاتهم، أو لشدّة تعلق امّهاتهم بهم، صعب عليهنّ فراقهم جهلا، ومنعنهم من الذهاب إلى المدرسة).[2]
وهم فرقة ثالثة إسرائيلية، جاهلة قاحلة مستضعفة، بعد الأولى العالمة المعاندة المستكبرة المحرفة، والثانية المتعلمة المنافقة غير المتطرفة، والويل كل الويل على الأوّلين، ثم الآخرين حسب دركات في تقصيراتهم، ثم المستضعفون القحّ غير المعاندين قد تدركهم رحمة من الله.
ف «أميون» هنا يعني عن معرفة الكتاب، سواء هؤلاء الذين لم يدرسوا قط أي كتاب، ولم يسمعوا سمع المعرفة لعلم الكتاب، أم الذين هم دارسون علوما غير علم الكتاب، أو الذين درسوا ألفاظه وهم عن معانيه غافلون، وعن مغازيه جاهلون، ومهما اختلفت دركات ثالوث الأمية، ولكنهم كلهم قد يعتبرون هنا من الأميين.
والأمّيّ في اصطلاح اهل اللغة: هو الإنسان الضعيف المعرفة لعدم دريته في المعارف وكل ما يملك منها ما يطرق سمعه من العوام وأشباههم والأماني جمع امنية والظن هو ترجيح احد جانبي الأمر المتصور والمعنى ان من اليهود أناسا وإن ادّعوا المعرفة بالدين لأنفسهم لا يعلمون من كتاب ديانتهم الاّ ما توحيه مشتهياتهم ونوع عقائد العوام كذلك والأماني هي نزعات النفس ومشتهياتها فأذن هؤلاء يأخذون دينهم بالظنون لا باليقين ومن يكن كذلك في دينه و عقليته فليس هو بمطمع لكم حتى تحوزوه الى حوزتكم فإن الإيمان الصحيح لا يركن اليه الاّ العاقل الفطن الذي يتحرى الحق ليأخذ به وهؤلاء عائشون على تقاليد أسلافهم وتمنّيات أنفسهم.
وحصيلة البحث ان السعادة العامّة واقرار النظام بين المجتمعات واحراز كيان البشرية انما يكون بعاملين قويّين (الأوّل) العلم بالحقائق من طريق المنطق (الثاني) الأيمان الراسخ به ونتيجة العاملين اندفاع الجوارح لتحقيق ذلك العلم وما يثمره من ايمان وإذا اندفعت الجوارح نحو ذلك سعدت الحياة والإحياء وجاز ان يقال لهذه المجتمعات انّها مجتمعات بشر والاّ فلا حكومة الاّ للجهل والعامية والجهل والعامية لا ينتجان سوى التبلبل والانهيار كما ان ذلك شارة اغلب الأزمنة والأمكنة.
ذكر فِي اَلْإِحْتِجَاجِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْعَسْكَرِيِّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ اَلْكِتٰابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هٰذٰا مِنْ عِنْدِ اَللهِ، قَالَ: ((هَذِهِ لِقَوْمٍ مِنَ اَلْيَهُودِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَالَ رَجُلٌ لِلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، إِذَا كَانَ هَؤُلاَءِ اَلْعَوَامُّ مِنَ اَلْيَهُودِ لاَ يَعْرِفُونَ اَلْكِتَابَ إِلاَّ بِمَا يَسْمَعُونَهُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَكَيْفَ ذَمَّهُمْ بِتَقْلِيدِهِمْ وَاَلْقَبُولِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَهَلْ عَوَامُّ اَلْيَهُودِ إِلاَّ كَعَوَامِّنَا يُقَلِّدُونَ عُلَمَاءَهُمْ إِلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَيْنَ عَوَامِّنَا وَعَوَامِّ اَلْيَهُودِ فَرْقٌ مِنْ جِهَةٍ وتَسْوِيَةٌ مِنْ جِهَةٍ أَمَّا مِنْ حَيْثُ اَلاِسْتِوَاءِ فَإِنَّ اَللهَ ذَمَّ عَوَامَّنَا بِتَقْلِيدِهِمْ عُلَمَاءَهُمْ كَمَا ذَمَّ عَوَامَّهُمْ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ اِفْتَرَقُوا فَإِنَّ عَوَامَّ اَلْيَهُودِ، كَانُوا قَدْ عَرَفُوا عُلَمَاءَهُمْ بِالْكَذِبِ اَلصِّرَاحِ وَأَكْلِ اَلْحَرَامِ وَاَلرِّشَا وَتَغْيِيرِ اَلْأَحْكَامِ وَاُضْطُرُّوا بِقُلُوبِهِمْ إِلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ فَاسِقٌ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ عَلَى اَللهِ وَلاَ عَلَى اَلْوَسَائِطِ بَيْنَ اَلْخَلْقِ وَبَيْنَ اَللهِ فَلِذَلِكَ ذَمَّهُمْ وَكَذَلِكَ عَوَامُّنَا إِذَا عَرَفُوا مِنْ عُلَمَائِهِمُ اَلْفِسْقَ اَلظَّاهِرَ وَاَلْعَصَبِيَّةَ اَلشَّدِيدَةَ وَاَلتَّكَالُبَ عَلَى اَلدُّنْيَا وَحَرَامِهَا فَمَنْ قَلَّدَ مِثْلَ هَؤُلاَءِ فَهُوَ مِثْلُ اَلْيَهُودِ اَلَّذِينَ ذَمَّهُمُ اَللهُ بِالتَّقْلِيدِ لِفَسَقَةِ عُلَمَائِهِمْ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ اَلْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ حَافِظاً لِدِينِهِ مُخَالِفاً عَلَى هَوَاهُ مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلاَهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ وَذَلِكَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ اَلشِّيعَةِ لاَ كُلَّهُمْ فَإِنَّ مَنْ رَكِبَ مِنَ اَلْقَبَائِحِ وَاَلْفَوَاحِشِ مَرَاكِبَ عُلَمَاءِ اَلْعَامَّةِ، فَلاَ تَقْبَلُوا مِنْهُمْ عَنَّا شَيْئاً وَلاَ كَرَامَةَ وَإِنَّمَا كَثُرَ اَلتَّخْلِيطُ فِيمَا يُتَحَمَّلُ عَنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ لِذَلِكَ لِأَنَّ اَلْفَسَقَةَ يَتَحَمَّلُونَ عَنَّا فَيُحَرِّفُونَهُ بِأَسْرِهِ لِجَهْلِهِمْ وَيَضَعُونَ اَلْأَشْيَاءَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ وَآخَرُونَ يَتَعَمَّدُونَ اَلْكَذِبَ عَلَيْنَا اَلْحَدِيثَ)).[3]
[1] سورة البقرة، الآية: 78.
[2] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 1، ص 276.
[3] وسائل الشيعة، ج 27، ص 131.
تعليق