تويت
بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ۚ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ ۖ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.[1]
المسّ اللصوق ووصف الأيام بالمعدودة، اشعار بقلّتها وأخلاف العهد نقضه وكسبه جرّه اليه، والإحاطة الاستيعاب والسيّئة الخطيئة واستعمالهما معا في موضوع واحد، تفنّن في التعبير والخلود الدوام.
﴿وَقَالُوا﴾: أي اليهود حال كونهم راضين عن أنفسهم مدلّين بأنسابهم للأنبياء مستصغرين للسيئة، تكون منهم مسيئنا حتى لو دخل النار لا تمسّه الاّ اوقاتا قصيرة ثم يمضي للنعيم الخالد. فاستفهمهم الله تعالى استفهام هزء؛ بأنكم اتخذتم من الله عهدا بذلك فالله لن يخلف عهده، لكن الله لم يعهد إليكم ولا الى غيركم به، ولا فرق عنده بين مسيء ومسيء، بل أنتم في قولكم هذا تقولون على الله بالتشهي والافتراض لا عن علم واطلاع، ففي الآية التالية يقول تعالى: ﴿بَلَىٰ﴾: اثبات أن النار تمس كل مسيء: ﴿مَن كَسَبَ سَيِّئَةً﴾، والمراد بها الجنس: ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ فلم تدع للخير منفذا الى عمله ﴿فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ وملازموها ولازم ذلك فيهم خلودهم فيها لأنهم باستيعاب الخطايا لهم لا يملكون ما يمونهم من النعمة قليلا او كثيرا، وبحكم المقابلة يكون المؤمنون العاملون للصالحات من ملازمي الجنّة إذ لا صارف لهم عنها من سيئة وخطيئة، وملازمة الجنّة معنى آخر للخلود فيها. قال بعض المفسرين قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدينة واليهود تزعم ان مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وانّما نعذب مكان كل ألف سنة يوما واحدا ثم ينقطع العذاب فأنزل الله هذه الآية.
فقولهم ﴿لَن تَمَسَّنَا النَّارُ﴾ يتضمّن على قائليه الإقرار بالذنب إلاّ أنّهم اعتقدوا عناية الله الخاصّة بهم حتّى سمّوا أنفسهم أبناء الله قالوا: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾[2]، ولهذا استصغروا النّار، كأنّ من عذّب ابنه لا يهلكه ولا يشدّد عليه. وأمّا الأيام المعدودة عندهم أيّام معاصيهم الكبار فقط أو أيام بعدد أيام الأسبوع أو بعدد الأربعين وهذا أوفق لقوله تعالى: ﴿قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ﴾ اتخاذ العهد عند الله بمعنى تعهّد الله لهم بأن لا يعذّبهم بعد الأيّام المعدودة ومقتضى الآية استمرار عذاب من عمل مثل سيّئاتهم إلاّ من استثنى بعهد الله. والله لا يخلف عهده لأنّ التخلّف عن العهد إما للجهل بالمعهود، أو للضعف وعدم القدرة على الوفاء، أو لعدم الاهتمام بانتظار المعهود له ورجائه والله سبحانه منزه عن جميعه، على أنّه لا يحسن لمن أمر بالشيء التخلّف عن المأمور به لأنّه ينافى غرضه والله تعالى أمر بالوفاء في قوله: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾[3]، فكيف لا يفي هو بعهده. ﴿أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾، وهذا بنفسه من أعظم الذنوب وهو الافتراء على الله (نعوذ بالله منها) وفيه تحذير للعلماء والباحثين في معالم الدين عن إسناد ما يستظهرونه من مطاوي الآيات والروايات إلى الله والرسول وأوصيائه صلوات الله عليهم اجمعين جزما وإن كانت حجّة لديهم بحسب حجية الظواهر.
قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (ره) في تفسيره: (اعتقاد اليهود بأنّهم شعب الله المختار، وأن عنصرهم متفوق على سائر الأجناس البشرية، وأن مذنبيهم لن يدخلوا جهنم سوى أيّام قليلة ليتنعموا بعدها بالجنّة، من مظاهر أنانية هؤلاء واستفحال ذاتياتهم. ادعاء اليهود المذكور في الآية الكريمة لا ينسجم مع أي منطق، إذ لا يمكن أن يكون بين أفراد البشر أي تفاوت في نيل الثواب والعقاب أمام الله سبحانه وتعالى.
بم استحق اليهود أن يكونوا مستثنين من القانون العام للعقاب الإلهي؟! الآية الكريمة تدحض مزاعمهم بدليل منطقي، وتفهمهم أن مزاعمهم هذه إمّا أن تكون قائمة على أساس عهد لهم اتخذوه عند الله، ولا يوجد مثل هذا العهد، أو أن تكون من افترائهم الكذب على الله).[4]
[1]سورة البقرة، الآية: 80.
[2] سورة المائدة، الآية: 18.
[3] سورة الإسراء، الآية: 34.
[4]الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 1، ص 279.
تعليق