بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ﴾.[1]
الله سبحانه وتعالى يخاطب اليهود فيقول لهم: هذه هي المخالفة الأولى التي نقضتم بها الميثاق الذي أعطيتموه لي...إنكم تقتلون أنفسكم من حيث تشنون الحروب فيما بينكم إما كحلفاء لغيركم من حيث يتحالف بعضكم مع هؤلاء وبعضكم الآخر مع أولئك ثم ينتصر كل منكم لحليفه وتدور المعارك وتقتلون بعضكم البعض، أو تدخلون الحرب بأنفسكم مستقلين عن الحلف لغيركم وعلى كل حال فأنتم مجرمون سفاكون لدماء بعضكم البعض ناقضون لميثاق الله وما أمركم به.
وأخذ الميثاق كان من إسلاف اليهود المعاصرين للنبي وبما أن هؤلاء كانوا على روية آبائهم، نسب ذلك إليهم ومعنى ﴿لاٰ تَسْفِكُونَ دِمٰاءَكُمْ﴾، لا يقتل بعض منكم بعضا تنزيلا للأسرة منزلة الشخص الواحد، أو لأن القتل يسبّب على القاتل القصاص فكأنه بقتله لغيره قاتل لنفسه.
﴿ولاٰ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ﴾، معناه لا يبغ أحدكم على الآخر لقوّة في نفسه وضعف في قبيله، فيعتزّ بقوته وينتهز ضعف اخيه فيطرده عن حقوقه كما تفعله الحيوانات الضارية القوىّ منها مع الضعيف. ﴿ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ﴾، تعقّب الاقرار انّما هو لأخذ الميثاق بمعنى، انكم مقرّون بأخذ الميثاق المذكور منكم ﴿وأَنْتُمْ تَشْهَدُون﴾، على انفسكم بإقرارها واعترافها بما أخذ منها.
وقيل معنى تشهدون انكم تحضرون سفك دمائكم وإخراج انفسكم من دياركم كما قيل ان الآية نزلت في بنى قريظة والنضير فيكون الخطاب على أصله الاّ في خطاب ميثاقكم فإنه باعتبار سلفهم.
وقال السيد عبد الأعلى السبزواري (ره) في تفسير هذه الآية: (ذكر سبحانه وتعالى في هذه الآية المباركة جملة من المنهيات التي أخذ العهد من بني إسرائيل باجتنابها، كما ذكر في سابقها مما أمروا بها. والسفك والصب والإهراق بمعنى واحد. والنفس - بالسكون - بمعنى الروح، وهما شيء واحد وإن اختلفا مفهوما، وهي اشرف ما في الإنسان وقد تحيرت العقول فيها ولم تزل مورد بحث العلماء واجتهادهم، وغاية ما وصل العلم فيها مع بذل الجهود الجبارة أنها مبدأ الحياة والحركة، ولكنهم لم يقدروا أن يتوصلوا إلى الحقيقة، بل كلما ازداد الجهد فيها في تعاقب القرون ازداد الإنسان بعدا عنها وازدادت غموضا، ولذا قالوا: إنّ قول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ))[2]، من التعليق على المحال إن لوحظ بالنسبة إلى الحقيقة، وأما إذا لوحظ باعتبار الآثار فهو متيسر بحسب مراتب الإدراكات والاستعدادات والنفس - بالفتح - الهواء الداخل في البدن والخارج منه وبه قوام الحياة وتأتي بمعنى الفرج، ومنه ما نسب إلى النبي (صلّى اللّه عليه وآله): ((إِنِّي لَأَجِدُ نَفَسَ اَلرَّحْمَنِ مِنْ جَانِبِ اَلْيَمَنِ))[3]،[4].
وإذ أخذنا منكم العهد ألا يسفك بعضكم دم بعض ولا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم بغير الحق مباشريا كان أو بالتسبيب وكل منهما من القبائح العقلية، ولذا اعترفوا وشهدوا بذلك. وإنّما عبّر سبحانه بالنفس وجعل غير الشخص كأنه نفسه مبالغة في النهي، وتأكيدا في الترك ولأنهم أمّة واحدة بينهم روابط القرابة والمصلحة والدين، فما يصيب واحدا منهم كأنما يصيب الأمة، وأراد سبحانه وتعالى بذلك تعليم حفظ الوحدة بين الأفراد مهما أمكنهم كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ﴾.[5]، قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾. الإقرار هو الإخبار الجازم بما هو لازم. والشهادة من الشهود وهو الحضور الذي لا شك فيه. والمعنى انكم أقررتم بالميثاق والعهد؛ وتشهدون بما فعلتم به من الهتك والنقض).[6]
[1] سورة البقرة الآية: 84.
[2] غرر الحكم، الحكمة، 7946.
[3] مجموعة ورّام، ج 1، ص 154.
[4] (وهي اشارة الى ايمان الصحابي الجليل أويس القرني الذي كثرت عبادته وضيّق على نفسه وفيه الفرج)
[5] سورة النور، الآية: 61.
[6] مواهب الرحمن في تفسير القرآن، ج 1، ص 312.
تعليق