بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾.[1]
تأكيد الكلام باليمين وحرف التحقيق لإزالة الشك عمّن لم يؤمن بأنّ منزل القرآن هو من أنزل التوراة على موسى عليه السلام فيلزم على من آمن بذلك الكتاب أن يؤمن بهذا الكتاب.
﴿وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ﴾، رسل على قفاء موسى زمانا ورسالة وهداية أي رسل كلّهم يدعون إلى عبادة إله موسى عليه السلام وحده وإلى العمل بما في التوراة، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾[2]، حتّى جاء زمن عيسى عليه السلام.
﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ﴾، ذكر اسم عيسى بن مريم عليهما السلام وبيّناته للتنبيه على انتهاء شريعة موسى عليه السلام بظهوره وأنّ رسالته غير رسالة الرسل المبلّغين لشريعة موسى عليه السلام، وأنّ بيّناته لم تبق عذرا للبقاء على ديانة موسى عليه السلام ولا يستلزم من الإيمان به الكفر بموسى أو الرسل من بعده عليهم السلام بل كما أنّ الإيمان بموسى يقتضى الإيمان بأنبياء بنى إسرائيل عليهم السلام من بعده، كذلك يقتضى الإيمان بعيسى بن مريم عليهما السلام وأيضا يقتضى الإيمان بمن جاء بهذا القرآن لأنّ موسى بشّر بعيسى بن مريم عليهم السلام كما أنّ عيسى عليه السلام عرّف نفسه بقوله: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾[3] صلى الله عليه وآله.
﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾، ويقال إن روح القدس هو جبرائيل عليه السلام.
وقيل إنه ملك موكّل بحراسة الأنبياء من الحوادث، وبحفظهم عن الشّبهات وتسديدهم وإلهامهم العلوم والمعارف، والإفاضة عليهم بما يليق بشؤونهم السامية آنا بعد آن اختصاصا من الله تعالى لهم، ولا يكون مع غيرهم. وقيل أيضا هو الاسم الأعظم الذي به يحيي الموتى وبه يحصل تنفيذ سائر الأمور الخارقة للعادة كالمعاجز وغيرها.
وروي عَنِ اَلْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((سَأَلْتُهُ عَنْ عِلْمِ اَلْإِمَامِ بِمَا فِي أَقْطَارِ اَلْأَرْضِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ مُرْخًى عَلَيْهِ سِتْرُهُ فَقَالَ: يَا مُفَضَّلُ إِنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ فِي اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ رُوحَ اَلْحَيَاةِ فَبِهِ دَبَّ وَدَرَجَ وَرُوحَ اَلْقُوَّةِ فَبِهِ نَهَضَ وَجَاهَدَ وَرُوحَ اَلشَّهْوَةِ فَبِهِ أَكَلَ وَشَرِبَ وَأَتَى اَلنِّسَاءَ مِنَ اَلْحَلاَلِ وَرُوحَ اَلْإِيمَانِ فَبِهِ آمَنَ وَعَدَلَ وَرُوحَ اَلْقُدُسِ فَبِهِ حَمَلَ اَلنُّبُوَّةَ فَإِذَا قُبِضَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ اِنْتَقَلَ رُوحُ اَلْقُدُسِ فَصَارَ إِلَى اَلْإِمَامِ وَرُوحُ اَلْقُدُسِ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَغْفُلُ وَلاَ يَلْهُو وَلاَ يَزْهُو وَاَلْأَرْبَعَةُ اَلْأَرْوَاحِ تَنَامُ وَتَغْفُلُ وَتَزْهُو وَتَلْهُو وَرُوحُ اَلْقُدُسِ كَانَ يَرَى بِهِ))[4]، فالتأييد بروح القدس وإن لم يختصّ بعيسى بن مريم عليه السلام إلاّ أنّ الظاهر من الآيات التي ذكرت تأييده عليه السلام بروح القدس ينبئ عن خصوصية له في تأييده به وتلك الخصوصية إما تكلّمه في المهد أو تنزّهه عمّا نسبت اليهود والنصارى إليه أو تخلّصه من أيدي من قصد قتله أو غيرها.
ومن لطائف القرآن ذكر الثلاثة الذين جعلتهم النصارى ثالوثا على مقتضى التوحيد الحقيقي في هذه الفقرة من الآية فقال تعالى: ﴿وَأَيَّدْنَاهُ﴾، أي المؤيّد لعيسى بن مريم هو الله، وهو منزّه من أن يكون أحد غيره مؤيّدا ومسدّدا لأحد، والمؤيّد هو عيسى بن مريم، تنزّه عن جعل نفسه ابنا لله أو منشعبا أو متفرعا أو متولدا عنه، والمؤيّد به هو الروح القدس المقدّس عن كونه أحد الأقانيم الثلاثة؛ فليس هناك أب و ابن و روح في عرض واحد بحيث كان كلّ واحد منهم متشخّصا بنفسه، كما قالت النصارى، بل هناك مؤيد ومؤيّد ومؤيّد به وهم: الله تعالى وعيسى بن مريم وروح القدس.
[1] سورة البقرة، الآية: 87.
[2] سورة المائدة، الآية: 44.
[3] سورة الصف، الآية: 6.
[4] الكافي، ج 1، ص 272.
تعليق