بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾.[1]
ورد بخصوص هذه الآية: -
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ َقَالَ: ((كَانَتِ اَلْيَهُودُ تَجِدُ فِي كُتُبِهَا أَنَّ مُهَاجَرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مَا بَيْنَ عَيْرٍ وَأُحُدٍ فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَ اَلْمَوْضِعَ فَمَرُّوا بِجَبَلٍ يُسَمَّى حَدَاداً فَقَالُوا: حَدَادٌ وَأُحُدٌ سَوَاءٌ فَتَفَرَّقُوا عِنْدَهُ فَنَزَلَ بَعْضُهُمْ بِتَيْمَاءَ وَبَعْضُهُمْ بِفَدَكَ وَبَعْضُهُمْ بِخَيْبَرَ فَاشْتَاقَ اَلَّذِينَ بِتَيْمَاءَ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِمْ فَمَرَّ بِهِمْ أَعْرَابِيٌّ مِنْ قَيْسٍ فَتَكَارَوْا مِنْهُ وَقَالَ لَهُمْ: أَمُرُّ بِكُمْ مَا بَيْنَ عَيْرٍ وَأُحُدٍ فَقَالُوا لَهُ: إِذَا مَرَرْتَ بِهِمَا فَآذِنَّا بِهِمَا فَلَمَّا تَوَسَّطَ بِهِمْ أَرْضَ اَلْمَدِينَةِ قَالَ لَهُمْ: ذَاكَ عَيْرٌ وَهَذَا أُحُدٌ فَنَزَلُوا عَنْ ظَهْرِ إِبِلِهِ وَقَالُوا: قَدْ أَصَبْنَا بُغْيَتَنَا فَلاَ حَاجَةَ لَنَا فِي إِبِلِكَ فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ وَكَتَبُوا إِلَى إِخْوَانِهِمُ اَلَّذِينَ بِفَدَكَ وَخَيْبَرَ أَنَّا قَدْ أَصَبْنَا اَلْمَوْضِعَ فَهَلُمُّوا إِلَيْنَا فَكَتَبُوا إِلَيْهِمْ أَنَّا قَدِ اِسْتَقَرَّتْ بِنَا اَلدَّارُ وَاتَّخَذْنَا اَلْأَمْوَالَ وَمَا أَقْرَبَنَا مِنْكُمْ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَمَا أَسْرَعَنَا إِلَيْكُمْ فَاتَّخَذُوا بِأَرْضِ اَلْمَدِينَةِ اَلْأَمْوَالَ فَلَمَّا كَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ بَلَغَ تُبَّعَ[2] فَغَزَاهُمْ فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ فَحَاصَرَهُمْ وَكَانُوا يَرِقُّونَ لِضُعَفَاءِ أَصْحَابِ تُبَّعٍ فَيُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِاللَّيْلِ اَلتَّمْرَ وَاَلشَّعِيرَ فَبَلَغَ ذَلِكَ تُبَّعَ فَرَقَّ لَهُمْ وَآمَنَهُمْ فَنَزَلُوا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي قَدِ اِسْتَطَبْتُ بِلاَدَكُمْ وَلاَ أَرَانِي إِلاَّ مُقِيماً فِيكُمْ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّهُ لَيْسَ ذَاكَ لَكَ إِنَّهَا مُهَاجَرُ نَبِيٍّ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمْ مِنْ أُسْرَتِي مَنْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ سَاعَدَهُ وَنَصَرَهُ فَخَلَّفَ حَيَّيْنِ اَلْأَوْسَ وَاَلْخَزْرَجَ فَلَمَّا كَثُرُوا بِهَا كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ أَمْوَالَ اَلْيَهُودِ وَكَانَتِ اَلْيَهُودُ تَقُولُ لَهُمْ أَمَا لَوْ قَدْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ لَيُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ دِيَارِنَا وَأَمْوَالِنَا فَلَمَّا بَعَثَ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّداً صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ آمَنَتْ بِهِ اَلْأَنْصَارُ وَكَفَرَتْ بِهِ اَلْيَهُودُ وَهُوَ قَوْلُ اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَكٰانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ ..﴾)).[3]
وهكذا تستطيع الأهواء والمصالح الشخصية أن تقف بوجه طالب الحقيقة، مهما كان الفرد عاشقا لهذه الحقيقة وتوّاقا للوصول إليها فيتركها ويعرض عنها، بل تستطيع الأهواء أيضا أن تحوّل هذا الفرد إلى عدوّ لدود لهذه الحقيقة. ما أشدّ خسارة هؤلاء اليهود، تركوا أوطانهم وهاموا في الأرض بحثا عن علامات أرض الرسالة، ثم ها هم خسروا كل شيء، وباعوا أنفسهم بأسوأ ثمن.
لقد ضيعوا كل شيء وكأنهم أرادوا أن يكون النّبي الموعود من بني إسرائيل، ولهذا تألموا من نزول القرآن على غيرهم.
وروي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اَللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَكٰانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ..﴾، قَالَ: ((كَانَ قَوْمٌ فِيمَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَعِيسَى صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِمَا وَكَانُوا يَتَوَعَّدُونَ أَهْلَ اَلْأَصْنَامِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَيَقُولُونَ لَيَخْرُجَنَّ نَبِيٌّ فَلَيُكَسِّرَنَّ أَصْنَامَكُمْ وَلَيَفْعَلَنَّ بِكُمْ فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَفَرُوا بِهِ)).[4]
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ هَذِهِ اَلْآيَةِ عَنْ قَوْلِ اَللهِ ﴿فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ مٰا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾، قَالَ: ((تَفْسِيرُهَا فِي اَلْبَاطِنِ ﴿فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ مٰا عَرَفُوا﴾ فِي عَلِيٍّ ﴿كَفَرُوا بِهِ﴾ فَقَالَ اَللهُ فِيهِمْ ﴿فَلَعْنَةُ اَللهِ عَلَى اَلْكٰافِرِينَ﴾ فِي بَاطِنِ اَلْقُرْآنِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فِيهِ: يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ هُمُ اَلْكَافِرُونَ فِي بَاطِنِ اَلْقُرْآنِ)).[5]
[1] سورة البقرة، الآية: 89.
[2] كان لقبا عاما لملوك اليمن، ككسرى لسلاطين إيران، وخاقان لملوك الترك، وفرعون لملوك مصر، وقيصر لسلاطين الروم.
وكانت كلمة (تبع) تطلق على ملوك اليمن من جهة أنهم كانوا يدعون الناس إلى اتباعهم، أو لأن أحدهم كان يتبع الآخر في الحكم.
لكن يبدو أن القرآن الكريم يتحدث عن أحد ملوك اليمن خاصة - كما أن فرعون المعاصر لموسى (عليه السلام)، والذي يتحدث عنه القرآن كان معينا ومحددا - وورد في بعض الروايات أن اسمه أسعد أبا كرب.
[3] الكافي، ج 8، ص 309.
[4] الكافي، ج 8، ص 310.
[5] تفسير العياشي، ج 1، ص 50.
تعليق