السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، وقد شرع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتدوينها تزامنا مع جمع القرآن، وكان تدوين السنة عملا مشتركا بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام).
إن موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الايجابي من دعوته يمر بثلاث مراحل: المرحلة الأولى: جمع القرآن
حين بدأ نزول القرآن شرع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتدوينه، حيث كان يملي الآيات النازلة على علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيكتبها بخطه:
قال الإمام علي (عليه السلام) في هذا الشأن: ” فما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي ” (١).
واستمرت عملية جمع القرآن في السطور حتى آخر آية نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبتدوين آخر آية كان القرآن مجموعا في كتاب واحد، وقد كان الصحابة يدونون بعض السور ولكنه كان تدوينا ناقصا مقارنة بهذا التدوين.
إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في قيامه بهذا العمل يكون قد وضع أول الضمانات لحفظ دعوته من الضياع والنسيان، ولكن هذا ليس كافيا ولا يستطيع الناس معرفة الإسلام من خلال القرآن وحده، لهذا قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بخطوة أخرى. المرحلة الثانية: تدوين السنة
السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، وقد شرع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتدوينها تزامنا مع جمع القرآن، وكان تدوين السنة عملا مشتركا بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، حيث كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يملي وعلي (عليه السلام) يكتب، وبوفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت السنة مجموعة في كتاب أو عدة كتب وقد أودعها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أهل بيته (عليهم السلام) فكانت عند علي بن أبي طالب (عليه السلام).
قالت أم سلمة: ” دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأديم وعلي بن أبي طالب عنده، فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يملي وعلي يكتب حتى ملأ بطن الأديم وظهره وأكارعه ” (2).
وعرف الكتاب الذي يحوي السنة بالجامعة أو صحيفة علي (عليه السلام):
قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) (3) لأحد أصحابه وهو أبو نصير: ” يا أبا محمد وإن عندنا (الجامعة) وما يدريهم ما الجامعة!
قال: قلت جعلت فداك، وما الجامعة؟
قال: صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإملائه من فلق فيه، وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شئ يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش ” (4).
وهذا الكتاب الذي عرف بالجامعة من أكبر الكتب التي كانت بحوزة آل البيت (عليهم السلام) (5).
ونقل عنها غير واحد من علماء أهل السنة أمثال:
l ابن سعد في آخر كتابه الجامع.
l البخاري، ذكرها في ثمانية مواضع من (الصحيح)، ورواها بثمان طرق.
l الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب، جمع ما نقل عنها في كتاب مستقل عنونه ب (صحيفة علي بن أبي طالب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): دراسة توثيقية فقهية ” (6).
وبالرغم من ذكر الكتب السنية لصحيفة علي (عليه السلام) إلا أنها لم تعطها حقها من البيان، بل قد يكون هذا البيان اليسير لصحيفة علي (عليه السلام) فيه ظلم وتزوير لأسباب سياسية وأخرى مذهبية، ولنأخذ هذه الرواية التي رواها البخاري ونقف عندها قليلا:
أخرج البخاري عن أبي جحيفة، قال: ” قلت لعلي (عليه السلام): هل عندكم كتاب؟
قال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل، أو ما في هذه الصحيفة.
قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟
قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر ” (7).
يفهم من هذه الرواية وروايات أخرى لم نذكرها (8) أنه كان هناك تساؤل يدور بين الناس حول أهمية وحقيقة امتلاك آل البيت (عليهم السلام) كتابا خاصا أم لا، مما دعا أبا جحيفة أن يسأل عليا (عليه السلام): ” هل عندكم كتاب؟ ” وأجابه الإمام أنه عندهم صحيفة فضلا عن كتاب الله.
وقد وصفت الرواية الصحيفة بشكل فيه امتهان وتنقيص لأمير المؤمنين (عليه السلام).
فلماذا يحمل علي (عليه السلام) صحيفة فيها هذه المسائل الثلاث؟ وما الحكمة من ذلك؟ والواقع أنه كانت عنده (عليه السلام) صحيفة كبيرة. وصف الصحيفة في أحاديث أهل البيت
وفي أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وصف دقيق لهذه الصحيفة:
روى أبو الحسن ابن بابويه، بسنده، عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)، قال: ” قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام): أكتب ما أملي عليك.
فقال: يا نبي الله، وتخاف على النسيان؟
فقال: لست أخاف عليك النسيان، وقد دعوت الله لك أن يحفظك ولا ينسيك، ولكن، أكتب لشركائك.
قال: قلت: ومن شركائي، يا نبي الله؟
قال: الأئمة من ولدك… ” (9).
وعن عذافر الصيرفي، قال: ” كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر (10) (عليه السلام) فجعل يسأله، وكان أبو جعفر (عليه السلام) له مكرما، فاختلفا في شئ.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا بني قم فأخرج كتاب علي (عليه السلام)، فأخرج كتابا مدروجا عظيما، ففتحه، وجعل ينظر حتى أخرج المسألة.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذا خط علي (عليه السلام) وإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأقبل على الحكم، وقال: يا أبا محمد اذهب أنت وسلمه وأبو المقدام حيث شئتم يمينا وشمالا فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل إليهم جبريل (عليه السلام) ” (11).
قالت أم سلمة: ” دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأديم وعلي بن أبي طالب عنده، فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يملي وعلي يكتب حتى ملأ بطن الأديم وظهره وأكارعه ” (12).
وبتدوين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لسنته يكون قد وضع الضمان الثاني لحفظ دعوته، ولكن جمع القرآن وتدوين السنة لا يكفي لحفظ الدعوة، فترك القرآن والسنة بأيدي الأمة مدعاة للاختلاف والفرقة، فالأمة لا تستطيع بيان القرآن والسنة وتوضيح دلالتهما بيانا قائما على الجزم واليقين، وحديث ” اختلاف أمتي رحمة ” الذي قد يحتج علينا البعض فيه حديث كما يقول الألباني لا أصل له، فقد قال فيه: ” لا أصل له، ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند فلم يوفقوا… “.
ونقل المناوي عن السبكي أنه قال: ” وليس بمعروف عند المحدثين، ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ” وأقره الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على تفسير البيضاوي (ق ٩٢ / ٢) ” (13)، وقال فيه ابن حزم: ” باطل مكذوب ” (14).
فكما أن حكم الله كان واحدا في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكذا يجب أن يكون فبعد مماته، وكما أن الناس كانوا يرجعون لشخص النبي لحل مشاكلهم ومسائلهم الدينية فكذا يجب أن يخلف النبي من ينوب عنه ويقوم بمهامه – ما عدا الوحي – ويرجع الناس إليه ويبقى حكم الله واحدا، ومن أجل تحقيق هذا الهدف اتخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطوة ثالثة. المرحلة الثالثة:
إعلان مرجعية آل البيت (عليهم السلام) كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشعر بدنو أجله وأحس المسلمون بذلك في حجة الوداع، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم أن الكتاب والسنة دون مبين لهما غير كافيين لمواصلة المسيرة المباركة التي ابتدأها، لذلك أعلن في حجة الوداع على مرأى ومسمع الألوف من الحجاج مرجعية أهل البيت (15) (عليهم السلام) الفكرية والسياسية (16).
وقد نقل لنا مسلم هذه الوصية التاريخية في صحيحه وبعدة طرق: قال زيد بن أرقم – أحد رواة الحديث -: ” قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال:
أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به “، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: ” وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ” (17).
وفي صحيح الترمذي ومستدرك الحاكم – وصححه -: ” إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفونني فيهما ” (18).
ولقد روى هذا الحديث عن النبي خمسة وثلاثون صحابيا (19)، وصححه كثير من علماء الحديث، منهم: الحاكم في المستدرك، الذهبي في تلخيص المستدرك، الهيثمي في مجمع الزوائد، وابن كثير في تاريخه، والسيوطي في الجامع الصغير (20)، وابن تيمية ذكره في منهاج السنة عدة مرات، وصححه من المعاصرين الألباني المحدث السلفي (21)، والمحدث الأشعري الحسن السقاف (22).
وبالرغم من أن الحديث صريح في وجوب اتباع الثقلين معا الكتاب وأهل البيت (عليهم السلام)، إلا أن البعض – كابن تيمية – شكك فيه وعندما اصطدم برواية مسلم قال:
” الحديث الذي في مسلم إذا كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قاله!! فليس فيه إلا الوصية باتباع الكتاب، وهو لم يأمر باتباع العترة، ولكن قال: ” أذكركم الله في أهل بيتي ” (23).
ومن الطبيعي إن الذي يعتصر مخيلته ليصرف أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أهل بيته (عليهم السلام) عن معانيها يقع في هذه المطبات، فإذا كان الأمر مجرد تذكير، فلماذا يقرنهم بالقرآن فيقول: ” إني تارك فيكم الثقلين ” و ” لن يفترقا ” و ” حتى يردا “.
وقد أسعفنا الألباني برواية صححها، ترد على ابن تيمية وكل من كرر كلامه، فعن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ” إني تارك فيكم الخليفتين من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ” (24).
أما حديث ” كتاب الله وسنتي ” فهو غير صحيح، فقد قال فيه أحمد سعد حمدون: ” سنده ضعيف ” فيه ” صالح بن موسى الطلحي “، قال فيه الذهبي:
ضعيف، وقال يحيى: ليس بشئ ولا يكتب حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك ” (25).
وذهب الحسن السقاف – وهو المحدث الخبير – إلى أن لفظ ” وسنتي ” موضوع (26).
أما في مصادر الحديث، فقد ورد في موطأ مالك بدون سند (27)، ورواه الحاكم في مستدركه (28) بسندين أحدهما فيه ابن أبي أويس وهو ضعيف (29) والآخر فيه صالح بن موسى الطلحي وهو مجروح (30).
ورواه البيهقي (31) بإسنادين، واحد: فيه ابن أبي أويس، والثاني: فيه صالح بن موسى الطلحي، وقد عرفت حالهما، ووصل ابن عبد البر في التمهيد (32) حديث الموطأ من حديث كثير بن عبد الله وهو مجمع على ضعفه فلا يحتج بحديثه.
وهكذا اتضح الحق مبينا لكل ذي بصيرة لم ينخرها العناد بالفساد.
إن موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الايجابي من دعوته يمر بثلاث مراحل: المرحلة الأولى: جمع القرآن
حين بدأ نزول القرآن شرع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتدوينه، حيث كان يملي الآيات النازلة على علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيكتبها بخطه:
قال الإمام علي (عليه السلام) في هذا الشأن: ” فما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي ” (١).
واستمرت عملية جمع القرآن في السطور حتى آخر آية نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبتدوين آخر آية كان القرآن مجموعا في كتاب واحد، وقد كان الصحابة يدونون بعض السور ولكنه كان تدوينا ناقصا مقارنة بهذا التدوين.
إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في قيامه بهذا العمل يكون قد وضع أول الضمانات لحفظ دعوته من الضياع والنسيان، ولكن هذا ليس كافيا ولا يستطيع الناس معرفة الإسلام من خلال القرآن وحده، لهذا قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بخطوة أخرى. المرحلة الثانية: تدوين السنة
السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، وقد شرع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتدوينها تزامنا مع جمع القرآن، وكان تدوين السنة عملا مشتركا بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، حيث كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يملي وعلي (عليه السلام) يكتب، وبوفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت السنة مجموعة في كتاب أو عدة كتب وقد أودعها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أهل بيته (عليهم السلام) فكانت عند علي بن أبي طالب (عليه السلام).
قالت أم سلمة: ” دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأديم وعلي بن أبي طالب عنده، فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يملي وعلي يكتب حتى ملأ بطن الأديم وظهره وأكارعه ” (2).
وعرف الكتاب الذي يحوي السنة بالجامعة أو صحيفة علي (عليه السلام):
قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) (3) لأحد أصحابه وهو أبو نصير: ” يا أبا محمد وإن عندنا (الجامعة) وما يدريهم ما الجامعة!
قال: قلت جعلت فداك، وما الجامعة؟
قال: صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإملائه من فلق فيه، وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شئ يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش ” (4).
وهذا الكتاب الذي عرف بالجامعة من أكبر الكتب التي كانت بحوزة آل البيت (عليهم السلام) (5).
ونقل عنها غير واحد من علماء أهل السنة أمثال:
l ابن سعد في آخر كتابه الجامع.
l البخاري، ذكرها في ثمانية مواضع من (الصحيح)، ورواها بثمان طرق.
l الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب، جمع ما نقل عنها في كتاب مستقل عنونه ب (صحيفة علي بن أبي طالب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): دراسة توثيقية فقهية ” (6).
وبالرغم من ذكر الكتب السنية لصحيفة علي (عليه السلام) إلا أنها لم تعطها حقها من البيان، بل قد يكون هذا البيان اليسير لصحيفة علي (عليه السلام) فيه ظلم وتزوير لأسباب سياسية وأخرى مذهبية، ولنأخذ هذه الرواية التي رواها البخاري ونقف عندها قليلا:
أخرج البخاري عن أبي جحيفة، قال: ” قلت لعلي (عليه السلام): هل عندكم كتاب؟
قال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل، أو ما في هذه الصحيفة.
قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟
قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر ” (7).
يفهم من هذه الرواية وروايات أخرى لم نذكرها (8) أنه كان هناك تساؤل يدور بين الناس حول أهمية وحقيقة امتلاك آل البيت (عليهم السلام) كتابا خاصا أم لا، مما دعا أبا جحيفة أن يسأل عليا (عليه السلام): ” هل عندكم كتاب؟ ” وأجابه الإمام أنه عندهم صحيفة فضلا عن كتاب الله.
وقد وصفت الرواية الصحيفة بشكل فيه امتهان وتنقيص لأمير المؤمنين (عليه السلام).
فلماذا يحمل علي (عليه السلام) صحيفة فيها هذه المسائل الثلاث؟ وما الحكمة من ذلك؟ والواقع أنه كانت عنده (عليه السلام) صحيفة كبيرة. وصف الصحيفة في أحاديث أهل البيت
وفي أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وصف دقيق لهذه الصحيفة:
روى أبو الحسن ابن بابويه، بسنده، عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)، قال: ” قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام): أكتب ما أملي عليك.
فقال: يا نبي الله، وتخاف على النسيان؟
فقال: لست أخاف عليك النسيان، وقد دعوت الله لك أن يحفظك ولا ينسيك، ولكن، أكتب لشركائك.
قال: قلت: ومن شركائي، يا نبي الله؟
قال: الأئمة من ولدك… ” (9).
وعن عذافر الصيرفي، قال: ” كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر (10) (عليه السلام) فجعل يسأله، وكان أبو جعفر (عليه السلام) له مكرما، فاختلفا في شئ.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا بني قم فأخرج كتاب علي (عليه السلام)، فأخرج كتابا مدروجا عظيما، ففتحه، وجعل ينظر حتى أخرج المسألة.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذا خط علي (عليه السلام) وإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأقبل على الحكم، وقال: يا أبا محمد اذهب أنت وسلمه وأبو المقدام حيث شئتم يمينا وشمالا فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل إليهم جبريل (عليه السلام) ” (11).
قالت أم سلمة: ” دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأديم وعلي بن أبي طالب عنده، فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يملي وعلي يكتب حتى ملأ بطن الأديم وظهره وأكارعه ” (12).
وبتدوين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لسنته يكون قد وضع الضمان الثاني لحفظ دعوته، ولكن جمع القرآن وتدوين السنة لا يكفي لحفظ الدعوة، فترك القرآن والسنة بأيدي الأمة مدعاة للاختلاف والفرقة، فالأمة لا تستطيع بيان القرآن والسنة وتوضيح دلالتهما بيانا قائما على الجزم واليقين، وحديث ” اختلاف أمتي رحمة ” الذي قد يحتج علينا البعض فيه حديث كما يقول الألباني لا أصل له، فقد قال فيه: ” لا أصل له، ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند فلم يوفقوا… “.
ونقل المناوي عن السبكي أنه قال: ” وليس بمعروف عند المحدثين، ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ” وأقره الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على تفسير البيضاوي (ق ٩٢ / ٢) ” (13)، وقال فيه ابن حزم: ” باطل مكذوب ” (14).
فكما أن حكم الله كان واحدا في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكذا يجب أن يكون فبعد مماته، وكما أن الناس كانوا يرجعون لشخص النبي لحل مشاكلهم ومسائلهم الدينية فكذا يجب أن يخلف النبي من ينوب عنه ويقوم بمهامه – ما عدا الوحي – ويرجع الناس إليه ويبقى حكم الله واحدا، ومن أجل تحقيق هذا الهدف اتخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطوة ثالثة. المرحلة الثالثة:
إعلان مرجعية آل البيت (عليهم السلام) كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشعر بدنو أجله وأحس المسلمون بذلك في حجة الوداع، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم أن الكتاب والسنة دون مبين لهما غير كافيين لمواصلة المسيرة المباركة التي ابتدأها، لذلك أعلن في حجة الوداع على مرأى ومسمع الألوف من الحجاج مرجعية أهل البيت (15) (عليهم السلام) الفكرية والسياسية (16).
وقد نقل لنا مسلم هذه الوصية التاريخية في صحيحه وبعدة طرق: قال زيد بن أرقم – أحد رواة الحديث -: ” قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال:
أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به “، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: ” وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ” (17).
وفي صحيح الترمذي ومستدرك الحاكم – وصححه -: ” إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفونني فيهما ” (18).
ولقد روى هذا الحديث عن النبي خمسة وثلاثون صحابيا (19)، وصححه كثير من علماء الحديث، منهم: الحاكم في المستدرك، الذهبي في تلخيص المستدرك، الهيثمي في مجمع الزوائد، وابن كثير في تاريخه، والسيوطي في الجامع الصغير (20)، وابن تيمية ذكره في منهاج السنة عدة مرات، وصححه من المعاصرين الألباني المحدث السلفي (21)، والمحدث الأشعري الحسن السقاف (22).
وبالرغم من أن الحديث صريح في وجوب اتباع الثقلين معا الكتاب وأهل البيت (عليهم السلام)، إلا أن البعض – كابن تيمية – شكك فيه وعندما اصطدم برواية مسلم قال:
” الحديث الذي في مسلم إذا كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قاله!! فليس فيه إلا الوصية باتباع الكتاب، وهو لم يأمر باتباع العترة، ولكن قال: ” أذكركم الله في أهل بيتي ” (23).
ومن الطبيعي إن الذي يعتصر مخيلته ليصرف أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أهل بيته (عليهم السلام) عن معانيها يقع في هذه المطبات، فإذا كان الأمر مجرد تذكير، فلماذا يقرنهم بالقرآن فيقول: ” إني تارك فيكم الثقلين ” و ” لن يفترقا ” و ” حتى يردا “.
وقد أسعفنا الألباني برواية صححها، ترد على ابن تيمية وكل من كرر كلامه، فعن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ” إني تارك فيكم الخليفتين من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ” (24).
أما حديث ” كتاب الله وسنتي ” فهو غير صحيح، فقد قال فيه أحمد سعد حمدون: ” سنده ضعيف ” فيه ” صالح بن موسى الطلحي “، قال فيه الذهبي:
ضعيف، وقال يحيى: ليس بشئ ولا يكتب حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك ” (25).
وذهب الحسن السقاف – وهو المحدث الخبير – إلى أن لفظ ” وسنتي ” موضوع (26).
أما في مصادر الحديث، فقد ورد في موطأ مالك بدون سند (27)، ورواه الحاكم في مستدركه (28) بسندين أحدهما فيه ابن أبي أويس وهو ضعيف (29) والآخر فيه صالح بن موسى الطلحي وهو مجروح (30).
ورواه البيهقي (31) بإسنادين، واحد: فيه ابن أبي أويس، والثاني: فيه صالح بن موسى الطلحي، وقد عرفت حالهما، ووصل ابن عبد البر في التمهيد (32) حديث الموطأ من حديث كثير بن عبد الله وهو مجمع على ضعفه فلا يحتج بحديثه.
وهكذا اتضح الحق مبينا لكل ذي بصيرة لم ينخرها العناد بالفساد.
تعليق