اللهم صل على محمد وآل محمد
المفاضَلةُ الإلهيَّةُ تربويّاً ومعنويّاً بين الأوقات – أشهرُ – رجب وشعبان ورمضان نموذجا – الأغراض الإصلاحيّة والمُعطيات القِيَمِيِّة :
1- إنَّ شهر رجب هو بدايةٌ لأشهر ثلاثة فضيلة ، ومميّزَة في الإسلام ، وهي شهورٌ خُصَّت بالعبادة ، من الصيام والقيام وذكر اللهِ كثيرا، واستغفاره، وفيها نفحات خاصّة لله سبحانه ، ومَن أدرك تلك النفحاتِ ارتقى وصَلُحَ حاله .
2- هذه الأشهر الثلاثة بمثابة فصل ربيع معنوي في مجموع السنة، كما أراد اللهُ سبحانه، فنوّعَ فصولَ السنةِ الطبيعيّة ، وميَّزَ كلّ فصلٍ في أغلب أقطار الأرض بخصوصيّاتٍ ومزايا ، كذلك فرّق بين الأوقات ، فجعل منها أوقاتٍ اعتياديّةً وأوقاتٍ فاضلةً .
3- إنَّ وقت الإنسان في الحقيقة هو رأس ماله ، ولذلك فإنَّ كلَّ آنٍ من الآناتِ هو أغلى من الدنيا وما فيها ،إذا استثمره للآخرة ،ليكون له أثرٌ خالدٌ على حياته في ما بعد هذه الحياة، والوقت أمر حسّاس بالنسبة للإنسان ، ولكن بحكم طبيعته وتثاقله، لا يمكن أن يجعل جميع أوقاته على نحو الجدّيَّة.
4- من الناحية التربوية والعمليّة فاضلَ اللهُ سبحانه بين الأوقات ، فجعلَ بعض الأوقات أفضلَ من بعضٍ، حتى يتشوّق الإنسانُ إلى العمل الصالح في هذه الأوقات الفاضلة ، ويسترسل بعض الشيء في غيرها.
5- إنَّ هذه الأشهر الثلاثة هي أشهرٌ للتزوّد المعنوي في الحياة ، قال تعالى:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (197)، البقرة.
فعلينا أن نستشعرَ النسيمَ المعنوي الّذي يهبَّ فيها، حتى تدركه القلوبُ المُستَعِدَّةُ والطالبةُ، وليساعدها على تزكية النفس والازدياد من العطايا ، والتزوّد من التقوى ،واستحضار الله سبحانه والدّارِ الآخرة .
6- ينبغي أن تكون لنا فيها لحظاتٌ من المناجاة مع الله تبارك وتعالى ، وعبادته، والالتزام بصلاة الليل ،وتلاوة القرآن الكريم بتأمّلٍ وتدبّر وخشوعٍ .
7- إنَّ أجواء الدنيا التي نعيشها زائفةٌ وزائلةٌ ، وبمجرّد أن تنتهي حياة الإنسان ، ويُحمَلُ إلى قبره ، ستختلف الأمور هناك تماماً ،ويبقى تعامل الإنسان بعد هذه الحياة في ما حصّل ، وليس المحصّل المادّي منها، وإنّما المحصّل المعنوي - في ماذا اكتسب من الخصال الفاضلة ، وماذا اكتسب من المعرفة النافعة ، وماذا اكتسب من الأعمال الصالحة ؟
فإذا مات الإنسان ، قال النّاس عنه : ما تركَ ، وقالت الملائكة : ما قدّم .
8- الإنسان بعد هذه الحياة لا يعنيه الأهل والمال والولد، وستنقضي لحظات اللّذّة والمتعة ،والأسف والحزن والهَم ، وسيقبل على ذخيرته ، وإنَّ لحظة الانتقال من هذه الحياة هي لحظة الحقيقة.
9- إذا لم نسعَ إلى أن نتّصفَ بصفاتِ المُتّقين ،كما في توصيف أمير المؤمنين(عليه السلام)، فلا أقّل مِن أن نجعلهم منظوراً ومِثالاً لنا، و الإنسان إذا كان له طموح ورؤية وتقدير مناسب في تزكية نفسه، فلابُدّ مِن أن يستثمر قابليّاته ، وإلّا فضيق الرؤية وضعف الهمّة ، هي التي تمنعه عن رؤية ما بعد هذه الحياة ، وليس من الصحيح أن لا يتجاوز أملنا ونظرنا هذه الدنيا .
----------------------
: سماحة السيِّد محمّد باقر السيستاني(دامت توفيقاته).
تعليق