إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عيد الغدير الأغر( سؤال وجواب )

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عيد الغدير الأغر( سؤال وجواب )






    يوم عيد الغدير وهو عيد الله الاكبر وعيد آل محمّد (عليهم السلام)، وهو أعظم الأعياد ما بعث الله تعالى نبيّاً إلا وهو يعيد هذا اليوم ويحفظ حُرمته، واسم هذا اليوم في السّماء يوم العهد المعهود، واسمه في الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود، وروي انّه سُئِل الصّادق (عليه السلام): هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟قال: نعم أعظمها حُرمة، قال الراوي: وأيّ عيد هو؟قال: اليوم الذي نصب فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: ومن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، وهو يوم ثماني عشر من ذي الحجّة. قال الراوي: وما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟قال: الصّيام والعبادة والذّكر لمحمّد وآل محمّد (عليهم السلام) والصّلاة عليهم، وأوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتّخذ ذلك اليوم عيداً وكذلك كانت الأنبياء تفعل، كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتّخذونه عيداً، وفي حديث أبي نصر البزنطي عن الرّضا صلوات الله وسلامُه عليه انّه قال: يا ابن أبي نصر أينما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين (عليه السلام)فانّ الله تبارك وتعالى يغفر لكلّ مؤمن ومؤمنة ومسلم ومُسلمة ذنوبُ ستّين سنة، ويعتق من النّار ضعف ما اعتق في شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر، والدرهم فيه بألف درهم لإخوانك العارفين، وأفضل على إخوانك في هذا اليوم وسُرّ فيه كلّ مؤمن ومؤمنة، والله لو عرف النّاس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كلّ يوم عشر مرّات، والخلاصة انّ تعظيم هذا اليوم الشّريف لازم وأعماله عديدة:



  • #2
    دلالات واقعة الغدير الساطعة

    ​المزيد ع الرابط ادناه

    تعليق


    • #3
      من الآيات النازلة يوم الغدير في أمير المؤمنين عليه السلام

      المزيد ع الرابط ادناه



      بقلم: العلامة عبد الحسين الأميني ​قوله تعالىٰ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (۱) أصفقت الإماميّة عن بَكْرَةِ أبيهم علىٰ نزول هذه الآية الكريمة حول نصّ الغدير بعد إصحار النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بولاية مولانا أمير المؤمنين عليه السلام





      تعليق


      • #4
        ماهو حديث التهنئة؟
        أخرج الإمام الطبري محمد بن جرير في كتاب الولاية حديثاً بإسناده عن زيد بن أرقم، مرّ شطر كبير منه ص 214 ـ 216([1])، وفي آخره فقال:
        «معاشر الناس، قولوا: أعطيناك على ذلك عهداً عن أنفسنا وميثاقاً بألسنتنا وصفقةً بأيدينا نؤدِّيه إلى أولادنا وأهالينا لا نبغي بذلك بدلاً وأنت شهيدٌ علينا وكفى بالله شهيداً، قولوا ما قلت لكم، وسلِّموا على عليٍّ بإمرة المؤمنين، وقولوا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ﴾([2]) فإنَّ الله يعلم كلّ صوت وخائنة كلّ نفس، ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيم﴾([3])، قولوا ما يُرضي الله عنكم ف ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾([4])».
        قال زيد بن أرقم: فعند ذلك بادر الناس بقولهم: نعم سمعنا وأطعنا على أمر الله ورسوله بقلوبنا، وكان أوَّل من صافق النبيَّ (صلى الله عليه وآله) وعليّاً: أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وباقي المهاجرين والأنصار وباقي الناس، إلى أن صلّى الظهرين في وقت واحد، وامتد ذلك إلى أن صلَّى العشاءين في وقت واحد، وأوصلوا البيعة والمصافقة ثلاثاً([5]).
        ورواه أحمد بن محمّد الطبريُّ الشهير بالخليلي في كتاب مناقب عليّ بن أبي طالب، المؤلَّف سنة 411 بالقاهرة، من طريق شيخه محمّد بن أبي بكر بن عبد الرحمن، وفيه:
        فتبادر الناس إلى بيعته وقالوا: سمعنا وأطعنا لِما أمرنا الله ورسوله بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وجميع جوارحنا، ثمّ انكبّوا على رسول الله وعلى عليٍّ بأيديهم، وكان أوَّل من صافق رسول الله([6]) أبو بكر وعمر وطلحة والزبير ثمّ باقي المهاجرين والناس على طبقاتهم ومقدار منازلهم، إلى أن صُلّيت الظهر والعصر في وقت واحد والمغرب والعشاء الآخرة في وقت واحد، ولم يزالوا يتواصلون البيعة والمصافقة ثلاثاً، ورسول الله كلّما بايعه فوجٌ بعد فوج يقول: «الحمد لله الذي فضَّلنا على جميع العالمين»، وصارت المصافقة سنّة ورسماً، واستعملها مَن ليس له حقٌّ فيها.

        وفي كتاب النشر والطيّ([7]):
        فبادر الناس بنعم نعم سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله آمنّا به بقلوبنا، وتداكوا على رسول الله وعليّ بأيديهم، إلى أن صُلِّيت الظهر والعصر في وقت واحد وباقي ذلك اليوم إلى أن صُلّيت العشاءان في وقت واحد، ورسول الله كان يقول كلّما أتى فوجٌ: «الحمد للهِ الذي فضّلنا على العالمين»([8]).
        وقال المولوي ولي الله اللكهنوي في مرآة المؤمنين في ذكر حديث الغدير ما معرّبه:
        فلقيه عمر بعد ذلك فقال له: هنيئاً يا بن أبي طالب، أصبحت وأمسيت... إلى آخره، وكان يُهنّئ أمير المؤمنين كلُّ صحابيٍّ لاقاه([9]).
        وقال المؤرخ ابن خاوند شاه المتوفّى 903 في روضة الصفا([10]) في الجزء الثاني من 1: 173 بعد ذكر حديث الغدير ما ترجمته: ثمّ جلس رسول الله في خيمة تختصّ به، وأمر أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) أن يجلس في خيمة أُخرى، وأمر اطباق الناس بأن يهنئوا عليّاً في خيمته، ولَمّا فرغ الناس عن التهنئة له أمر رسول الله أمّهات المؤمنين بأن يسرن إليه ويهنئنه ففعلن، وممَّن هنَّأه من الصحابة عمر بن الخطاب فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى جميع المؤمنين والمؤمنات([11]).
        وقال المؤرِّخ غياث الدين المتوفى 942 في حبيب السير([12]) في الجزء الثالث من 1: 144 ما معرّبه:
        ثمّ جلس أمير المؤمنين بأمر من النبيّ (صلى الله عليه وآله) في خيمة تختصّ به يزوره الناس ويهنئونه وفيهم عمر بن الخطاب، فقال: بخٍ بخٍ يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، ثمّ أمر النبيّ أُمهات المؤمنين بالدخول على أمير المؤمنين والتهنئة له([13]).
        وخصوص حديث تهنئة الشيخين رواه من أئمّة الحديث والتفسير والتاريخ من رجال السنّة كثيرٌ لا يستهان بعدّتهم، بين راوٍ مرسلاً له إرسال المسلّم، وبين راوٍ إيّاه بمسانيد صحاح برجال ثقات تنتهي إلى غير واحد من الصحابة: كابن عباس، وأبي هريرة، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم.

        عيد الغدير في الإسلام، العلامة الأميني


        ([1]) أي: 1: 214 ـ 216 من كتابه الغدير.
        ([2]) الأعراف: 43.
        ([3]) الفتح: 10.
        ([4]) الزمر: 7.
        ([5])كتاب الولاية: نقل عنه بواسطة كتاب ضياء العالمين، وروى الفتال في روضة الواعظين: مثله عن الإمام الباقر (عليه السلام).
        ([6]) فيه سقط تعرفه برواية الطبري الأول (المؤلّف (قدس سره))
        ([7]) قال السيد ابن طاوس: فمن ذلك ما رواه عنهم مصنّف كتاب الخالص، المسمّى بالنشر والطي، وجعله حجة ظاهرة باتفاق العدوّ والوليّ، وحمل به نسخة إلى الملك شاه مازندران رستم بن عليّ لمّا حضره بالري. الإقبال 2: 240.
        ([8]) النشر والطيّ: وعنه في الإقبال لابن طاوس 2: 247، ط مكتب الاعلام الإسلامي.
        ([9]) مرآة المؤمنين: 41.
        ([10]) ينقل عنه عبد الرحمن الدهلوي في مرآة الأسرار وغيره معتمدين عليه (المؤلّف (قدس سره)).
        ([11]) تاريخ روضة الصفا 2: 541، ط انتشارات خيام.
        ([12]) في كشف الظنون 1: 419: أنه من الكتب الممتعة المعتبرة، وعدّه حسام الدين في مرافض الروافض من الكتب المعتبرة، واعتمد عليه أبو الحسنات الحنفي في الفوائد البهية وينقل عنه في: 86 و87 و90 و91 وغيرها (المؤلّف (قدس سره)). راجع: كشف الظنون 1: 629، ط وكالة المعارف الجليلة.
        ([13]) حبيب السير 1: 411.

        تعليق


        • #5
          اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	20180827033741.jpg 
مشاهدات:	707 
الحجم:	164.3 كيلوبايت 
الهوية:	1014078


          لماذا علي (عليه السلام) في غدير خم؟

          ​بدأ جهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) منذ صباه، واستمر جهاده طيلة عمره الشريف، يكافح بكل الوسائل من أجل رفع راية الإسلام، إلى أن استشهد بعد أن ضربه ابن ملجم، وهو في محراب الكوفة، حيث شعر بأن أمنيته لنيل الشهادة قد تحققت فقال كلمته الخالدة: "فزت ورب الكعبة"، إلى أن فارق الحياة التي قضاها في جهاد متواصل.

          ومن تأمل مواقف الإمام علي (عليه السلام) الجهادية، يتجلى له الفداء، والتفاني في سبيل الله تعالى، والاهتمام بنصرة الدين الحنيف، مبتعداً عما يراود غيره من مصالح دنيوية، فلا ينشغل بالسلب، وجمع الغنائم، بل ولا يؤثر في صلابته وإقدامه ما يصيبه من ألم الجراح، فنراه يمضي ببصيرة وإيمان، فيقحم نفسه في لهوات الحروب ليحرز إحدى الحسنيين: النصر، أو الشهادة.

          يشد على الكتيبة بمفرده، وكأنه يشد على رجل واحد، لا يأبه بكثرة رجالها، ويبارز من يتحاشى الأبطال مبارزته غير هياب، لم يجبن في موطن قط، ولذا تحاماه الأبطال، فكانوا يكرهون لقاءه، ويرون أن الفرار منه ليس عاراً، لأن في الثبات أمامه، ومبارزته الموت.

          لاشك أن هذا الإقدام والاستعداد للتضحية في جهاده الذي لم يعرف له التاريخ نظيراً، يستنتج منه أن الإمام علياً (عليه السلام) كان نافذ البصيرة، فهو لا يرى للحياة قيمة إلا بمقدار ما يحقق من النصر للدين الحنيف، وكان هذا هو الهدف من استعداده للتضحية والفداء وإقدامه في الحروب، وهو يدل على حقيقة ثابتة، هي أن جهاده كان في الله عز وجل، ولا يهدف إلا لرضاه، ونصرة دينه الحنيف، ولم يقتصر جهاده على ما شارك فيه من حروب، بل تعداه ليشمل شتى الميادين، وبشتى الوسائل، همه الأكبر في ذلك القضاء على الباطل، وإماتة دعوته، لا تأخذه في ذلك لومة لائم، ولا يلتفت إلى أي اعتبار يخالف الموازين الشرعية.

          وكل الذي ذكر هو غيض من فيض علي (عليه السلام) في صفاته ومناقبه. ويبقى أن الذي ذكرناه هو لمن أراد أن سر أهلية علي (عليه السلام) بحسب شخصه وصفاته، وإلا فإنه عليه السلام قد وقع الاختيار عليه من رب السماء العالم بالنفوس وبصالح العباد.


          شرح زيارة الغدير - بتصرف
          ​من شبكة المعارف الاسلامية

          تعليق


          • #6


            فيمن نزلت آية التبليغ؟











            قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾[1].

            1- تدل الآية الشريفة في نفسها على أن ما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بتبليغه أمر خطير، يعادل في أهميته وخطورته تبليغ الرسالة كلها، ولذلك وردت في صورة التهديد. وقد حاول أكثر علماء العامة أن يصرفوها عن هذه الدلالة، بدعوى أنها أمر له ببيان الأحكام المتعلقة بأهل الكتاب وحالهم، وأن الله يعصمه منهم فلن يتمكنوا من ان يقتلوه أو يؤذوه، مستفيدين لذلك من السياق حيث إن أكثر آيات سورة المائدة تتحدث عن اليهود والنصارى.

            2- إلا أن هذا المعنى لا يستقيم، لأن السورة، والآية بالخصوص، قد نزلت بعد حجة الوداع، يوم غدير خم، بعدما انكسرت شوكة أهل الكتاب، ولم يعد لهم أي خطر يخشى، وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس﴾ صريح أنه (صلى الله عليه وآله)، كان يتوجس من إبلاغ أمر يهدد حياته من قبل أناس يمكنهم أن يبطشوا به، أو يثيروا فتنة بوجهه، وهو ما لا يمكن أن يحصل من أهل الكتاب.

            3- إن الآية الشريفة، وبملاحظة مكان وزمان وسبب نزولها وما ترتب عليه، تدل على نصب علي (عليه السلام) لإمامة المسلمين بعده، حيث بادر النبي إلى إعلان ولايته وإمامته للمسلمين، قائلا: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه"، فلقيه عمر فقال له: هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة[2].

            وعن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّك﴾، يوم غدير خم في علي بن أبي طالب (عليه السلام)[3].

            4- ذهب بعض مفسري العامة إلى أن المراد أنه مأمور بإبلاغ أي حكم من الأحكام، ذلك ان الأحكام كلها متساوية الأهمية، بحيث لو كتم أي واحد منها كان بمثابة كتمان الجميع[4].
            وجوابه ظاهر، فإن ذلك وإن كان مقبولا في نفسه، من جهة أن أحكام الدين مترابطة في ما بينها ولا يمكن التفكيك بينها، ولكن قوله والله يعصمك من الناس، بمثابة التطمين له (صلى الله عليه وآله)، بمعنى أن الموضوع المأمور بإبلاغه يرتبط بالناس وعلاقاتهم، وإلا فليس لكل الأحكام أبعاداً اجتماعية أو سياسية، ربما تنعكس على جماعة الناس، فيهددوا حياة النبي (صلى الله عليه وآله) نتيجة لها.
            ولا بد من الإشارة إلى أن مثل هذا التفسير يتضمن إنكار نزولها بحق علي (عليه السلام) وولايته، حيث لم يشر صاحبه إلى هذا الأمر من قريب أو بعيد.

            5- قال الفخر الرازي: "واعلمو أن المراد من الناس هنا الكفار، بدليل قوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾[5]".

            والجواب أنه خلاف الظاهر، بملاحظة سبب نزولها وظروفها كما تقدم، حيث أن الكفار لم يكن لهم قوة تمكنهم من فعل ذلك حينها، بل المراد من الناس مطلق من اتصف بالإنسانية سواء كان مؤمنا أم كافرا، أي لم تلحظ خصوصية الإيمان أو الكفر فيهم.
            ويظهر هذا الأمر جليا بملاحظة الاستعمالات القرآنية، حيث استعمل لفظ الناس في الأعم، إلا إذا قامت قرينة خاصة على إرادة أحدهما، وهي مفقودة في المقام، فالحمل على الأعم هو المتعين.

            وأما ذيل الآية الشريفة فلا يشكل قرينة أو دليلا على ما زعمه الفخر الرازي، بل الظاهر أنه وصفهم بالكفر من جهة رفضهم لهذا المأمور به، خصوصا بعد ملاحظة أن ظروف وملابسات نزول الآية الشريفة، بعد استتباب الأمر للمسلمين، وسقوط مقالة المشركين، وإعلان الكثيرين منهم الدخول في الإسلام، والله تعالى أعلم.

            وأما مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) فهي مجمعة على أن الآية الشريفة نزلت بشأن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنها مرتبطة بحادثة غدير خم، التي رواها الشيعة والسنة متواترة بما يزيد عن مائة طريق.

            سماحة الشيخ حاتم اسماعيل (رحمه الله)

            [1] سورة المائدة، آية: 67
            [2] التفسير الكبير، الفخر الرازي، ج12، ص49
            [3] أسباب النزول، الواحدي، ص139
            [4] تفسير البيضاوي، ج1، ص444
            [5] التفسير الكبير، الفخر الرازي، ج12، ص




            تعليق


            • #7
              هل الغدير مشروع حكم؟





              عندما يكون الغدير في القلوب الناصعة، وفي العقول الناضجة، والنفوس المطمئنة، نشهد كلمات تجليات هذا الغدير الذي يُعد بحق تحفة سماوية للعالمين، أما اذا كان في أروقة السياسة والسلطة والحكم فانه يسفر عمّا نعيشه اليوم مما اتجنب عدّه من المساوئ والكوارث وكل ما يبعث في النفس على السلبية والكآبة واليأس المطبق...
              "أنا لكم وزيرا خير منى لكم أميرا".
              أمير المؤمنين، عليه السلام
              نعتقد أن هذه الجملة لم تصدر مجاملة أمام الحشود المتدافعة على داره تريد أن يمدّ يده ليبايعوه خليفة وحاكماً عليهم، فهو الإمام المعصوم، والولي بنصّ كلام رسول الله، صلى الله عليه وآله، بأمر إلهي مباشر، إنما قصد الامام بشكل واضح الإمارة السياسية، ولم يخف على القارئ الكريم اسباب هذا الرفض بعد أن كُتب وقيل في المحافل الدينية والثقافية عن تلك الحقبة، وكيف أن الايام القليلة بعد هذه البيعة كشفت خبايا النفوس وأكدت توقعات الإمام، عليه السلام.
              حاجة المسلمين في تلك الفترة الى العدل والحرية والمساواة وتحكيم القيم الدينية والاخلاقية، هي نفسها التي يظهرها مسلمو اليوم، و منهم؛ الشيعة اتباع أمير المؤمنين الذين يعتقدون أن علّة كل المآسي والانحرافات والخسائر التي منيت بها الأمة منذ عهد رسول الله الى اليوم، في عدم الالتزام ببيعة الغدير، وإبعاد الإمام عن الحكم، والاعتقاد جزماً بأن "منهج الغدير" هو الامتداد الحقيقي لرسالة النبي ولقيم السماء، بمعنى اختزال كل قيم الخير لحياة الانسان –الشيعي وكل انسان في العالم- في هذا المنهج، وفي ظل حكم أمير المؤمنين، عليه السلام.
              ولكن؛ امام هذه الأماني الجميلة ثمة حقائق انسانية لها دورها في تحقيق تلكم الأماني، فعندما نتأوه اليوم من عدم التزام المسلمين بتلك البيعة التاريخية العظيمة، وأمام أنظار النبي الأكرم، علينا الالتفات ايضاً؛ الى بيعة تاريخية اخرى بصبغة سياسية حصلت بعد مقتل عثمان، وجعلت أمير المؤمنين حاكماً سياسياً مع كونه حاكماً دينياً بالاساس بتوصية مباشرة من السماء وبنصّ القرآن الكريم، فلماذا ارتد البعض على اعقابه بعد بيعته الامام خليفة وحاكماً، كما فعل طلحة والزبير، فيما ضاق آخرون بعدل الإمام بعد أن ضاقوا ذرعاً وذاقوا هواناً من جور وظلم عثمان، علماً أن المسلمين سنة 36 للهجرة كانوا أكثر حاجة للعدل والمساواة والحرية مما كانوا عليه في عهد رسول الله، نظراً لما ارتكبه عثمان وبطانته الأموية، وأن وصول الامام على الحكم كان بإجماع المسلمين بما لم يسبقه مثيل في التاريخ، كما يشير العلماء؟
              هذا السؤال يدفعنا لسؤال آخر من واقعنا المعاصر؛ لماذا يجب أن نستسهل تحقيق العدل والحرية والمساواة والكرامة الانسانية وكل ما حمله هذا منهج أمير المؤمنين، في وقت نعلم أن مطالبين بها من الأوائل فشلوا في تفهّم المشروع، رغم حاجتهم اليه؟
              هل المسألة قائمة على قانون ميكانيكي بفعل يقابله رد فعل؟ بمعنى أن المسلمين آنذاك لو لم يبتلوا بحاكم (خليفة) مثل عثمان بن عفان، ولم يشهدوا استئثار الأمويين بأموالهم، ولم يكتووا بنار الطبقية الاجتماعية التي خلقها عثمان، وكان شخصاً آخر مكانه يسايسهم باللين والمداراة وتهدئة النفوس، هل كانوا يتوجهون الى دار أمير المؤمنين بالشكل المريع الذي وصفه، عليه السلام، في خطبته الشقشقية: "فَمَا رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. حَتَّى لَقَدْ وُطِىءَ الْحَسَنَانِ.وَشُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ"؟
              ماذا يريد منّا أمير المؤمنين

              عندما نقرأ كلمات الإمام في نهج البلاغة وتوصياته الينا بالتقوى والورع والشعور بالمسؤولية الجماعية، فهو إنما يكشف لنا منهجيته الثابتة منذ أن رافق رسول الله في حياته، مثلاً؛ وصيته الشهيرة: "أعيوني بورع واجتهاد وعفّة وسداد" التي جاءت في رسالة العتاب الى عثمان بن حنيف، واليّه على البصرة، لم تكن فكرة استحدثها الامام، او افراز لمشاعر معينة، بقدر ما هي تعبير عن منهج متكامل ومنظومة قوانين وقيم تمثل ترجمان للقرآن الكريم ولما جاء به الله –تعالى- الى البشر، وقد بيّن له رسول الله ذات مرة "بأنك تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل"، بمعنى أن مسيرة الكفاح من اجل الرسالة واحدة، وعلى الأمة أن تقلل العناء والتكاليف في مشروع التطبيق العملي للرسالة في الحياة، وأن لا يشهد أمير المؤمنين حروباً ثلاث يسقط فيها عشرات الآلاف من المسلمين صرعى بسبب أطماع جماعة من المتقمصين للدين والتديّن، ولا أن نشهد اليوم المآسي والويلات رغم احتفائنا بعيد الغدير، وأننا نحظى دون سائر الأمم في العالم بمنهج عظيم لا مثيل له يضمن السعادة والخير والحرية والكرامة و.... الى آخر القائمة.
              في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة، وفي حجة الوداع، جاء الأمر الإلهي المباشر الى النبي الأكرم بأن يعين علي بن أبي طالب خليفة من بعده، وهتف عالياً أمام حوالي مائتي ألف مسلم في تلك الظهيرة التاريخية الخالدة: "من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه، اللهم وال من والاه وعادِ من عاده وانصر من نصره واخذل من خذله"، فلما أتم الناس بيعتهم لأمير المؤمنين في الخيمة التي ضربها له رسول الله، نزلت الآية الكريمة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً}، ويعني بوضوح أن اكتمال دين الانسان المسلم مشروط بولاية أمير المؤمنين، فهذه مرحلة التأسيس التي يجب أن يكون فيها المعيار للحكم؛ الدين وليس المال و السلاح والتحالفات السياسية.
              وهذا ما لم يفهمه المسلمون آنذاك نظراً للذهنية الجاهلية المتعمّقة لدى الكثيرين، فالحاكم المطاع هو ذلك المتوفر على شروط السلطة والهيمنة كما كما كان عليه حال أبناء أمية في مكة قبل الإسلام، فقد كانوا يمثلون القوة العسكرية والمالية، كما كانوا يجسدون الغدر، والفتك، والخيانة، والفجور، بينما كان حال أبناء هاشم، الكرم، والشجاعة، والنجدة، والفضيلة، فكانوا في قلوب الناس أجمعين.
              وهذا كان جواب الأنصار للصديقة الزهراء عندما طافت بالبيوت تدعو الى ولاية أمير المؤمنين وكفن رسول الله بعدُ لم يجفّ، إذ قالوا لها: "لو جاء ابن عمّك لوقت أقرب كنا بايعناه"! مضمون الرواية التاريخية.
              ثم أصبح أمير المؤمنين حاكماً سياسياً وزعيماً للأمة، وفيما كان يسير في طرقات المدينة في احدى ليالي شهر رمضان المبارك إذ سمع أصوات الصلاة في المساجد فعرف أن البعض يصلون الصلوات المستحبة جماعة بما يطلقون عليها "التراويح"، فنهاهم عن البدعة في الدين، ولكن جاء الجواب من نفس أولئك الذين مدّوا ايديهم للبيعة في يوم الغدير، ثم البيعة الثانية، بالرفض الشديد بما يرويه هو، عليه السلام، كما جاء في "الكافي": "وَاللهِ لَقَدْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ لَا يَجْتَمِعُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَّا فِي فَرِيْضَةٍ وَأَعْلَمْتُهُمْ أَنَّ إجْتِمَاعَهُمْ فِي النَّوَافِلِ بِدْعَةٌ فَتَنَادَى بَعْضُ أَهْلِ عَسْكَرِي مِمَّنْ يُقَاتِلُ مَعِي: يَا أَهْلَ الإِسْلَامِ غُيِّرَتْ سُنَّةُ عُمَرْ يَنْهَانَا عَنِ الصَّلَاةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَطَوُّعَاً وَلَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَثُوْرُوا فِي نَاحِيَةٍ جَانِبَ عَسْكَرِي... مَا لَقِيْتُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الفُرْقَةِ وَطَاعَةِ أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ". [الكافي 8 : 63].


              التضحية من أجل الغدير لا القتال من أجل الحكم

              قبل أن تسجل ادبياتنا الشيعية هذه الجملة الرائعة؛ "انتصار الدم على السيف" استلهاماً من نهضة الامام الحسين وواقعة الطف، أرى أن نعود الى حركات إصلاحية مصغّرة انطلق بها اتباع أمير المؤمنين في أوساط الأمة قبل واقعة كربلاء، حملت نفس النسمات الإصلاحية لكن بشكل محدود، كما فعل الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري في عهد عثمان، والتابعي الجليل حجر بن عدي الكندي في عهد معاوية، مع التأكيد على أن النهضة الإصلاحية الأولى في تاريخ الاسلام كانت على يد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء في تصديها الشجاع والبطولي للانحراف الذي طرأ في الأمة بعد ساعات من وفاة النبي الأكرم، فقد أماطت اللثام، وكشفت الزيف، وحمّلت الأمة مسؤولية ما يحصل بسكوتهم على ذلك الانحراف.
              إن مشروع الإصلاح الذي ضحى من أجله الامام الحسين مع أهل بيته، أسس قاعدة مضمخة بالدماء لنشر الوعي والثقافة المستمدة هويتها من رسالة السماء، ثم نهضت العقيلة زينب مع الامام السجاد، عليهما السلام، للبناء الثقافي على هذه القاعدة، ولتستمر المسيرة بخطوات ثابتة مع حياة الأئمة المعصومين، عليهم السلام، لنشر الوعي بين افراد الامة حتى يعرفوا كيف يؤمنوا؟ وكيف يلتزموا بهذا الايمان؟ وما هي الحقوق والواجبات المترتبة ضمن هذه العلاقة.
              بهذا المستوى من التفكير حوّل الشيعة واتباع أمير المؤمنين دمائهم الى مدارس تقدم للأمة دروس الإيمان والتحدي والاستقامة، كما تعلّم طريقة مواجهة الظلم والانحراف كما علّمهم الأئمة الاطهار.
              واستمرت المسيرة بعد غياب الإمام الحجة المنتظر، عجل الله فرجه، وظهور علماء أبطال وأفذاذ في العلم والمعرفة والتضحية ايضاً في سبيل المبادئ والقيم، وممن قالوا كلمة الحق أمام سلطان جائر.
              هذه الدماء التي أريقت في ثورات، او احتجاجات، او في اقبية السجون، هي التي أرعبت الحكام رغم كونهم يحكمون الغالبية العظمى من المسلمين المسالمين لهم، فيما أتباع أمير المؤمنين ممن يٌسمون "الرافضة" أقلية على طول المسيرة إلا من بعض الفترات الزمنية، وهي التي خلقت عامل القوة والمنعة المحيّرة للعقول، فكيف تصمد طائفة دينية أمام حملات إبادة جماعية على مر التاريخ، وأعمال تنكيل واضطهاد ومختلف اشكال الضغوط والتشويه والتحريف، وما تزال شامخة أمام العالم بين عشرات الطوائف الدينية، وهو ما لفت أنتباه ابناء الطوائف غير الاسلامية ايضاً، فحدا بالمفكرين وفلاسفة الغرب لأن يفسروا جانباً من سرّ هذه القوة في تحديدهم للشعائر الحسينية والحوزة العلمية، ويبدو أن هذا التشخيص كان في محلّه، عندما شهدنا تجسيداً لجانب من المنهج الغديري في الاستجابة الجماهيرية المذهلة لفتوى الجهاد الكفائي في العراق لمواجهة المد التكفيري والارهابي، وتحقيق نصر مؤزر على عناصر مدربة ومدعومة بالمال والسلاح وحتى الإعلام من اطراف اقليمية ودولية، بفضل التقاء الروح الحسينية (التضحية) بالمسؤولية العلمائية (الدين).


              التمكين الشيعي ثقافياً

              في مثل هذه الايام المباركة، وبمناسبة الذكرى البهيجة التي يجب ان تكون في قلوبنا طوال ايام حياتنا، أرى لازماً علينا النظر فيما أراده أمير المؤمنين من ابناء الامة ليكونوا حقّاً في طريق الغدير، وما هي عناصر "التمكين الشيعي" في خطاب أمير المؤمنين من الساعات الأولى لبيعة الغدير وحتى آخر لحظة من حياته الشريفة، الأمر الأول: الايمان المطلق بالله –تعالى- والالتزام بأحكامه وبما أنزله في كتابه المجيد، ثم الالتزام بسيرة النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وما أوصى به حتى "لا تضلوا من بعدي أبدا".
              وهذا هو سرّ قوة الشيعة، وسر قوة أتباع أمير المؤمنين ممن نرجو ان يسود منهج الغدير العالم كله، فهل يكون هذا بقرار حكومي، او قانون يصوّت عليه برلمان، او حتى بدعوة من زعيم ملهم، او ثائر مُحرر؟ أم القضية بالتمنيات والآمال؟!
              نعم؛ المطلوب تحقيق عناصر القوة في الاقتصاد والتجارة أولاً، ومعالجة ظواهر مثل البطالة والفقر، ثم عناصر القوة في الثقافة، ومنها؛ الأمية والجهل والتبعية الفكرية، وتأصيل الافكار، وايجاد تطبيقات عملية لكل ما لدينا من مناهج وأنظمة وقوانين غديرية، ثم يأتي الحكم ونظرياته ليستقر على قاعدة رصينة من الولاء والالتزام ومستوى مطلوب من الفهم والاستيعاب لكل ما يتعلق بمنهج الغدير.
              عندما يكون الغدير في القلوب الناصعة، وفي العقول الناضجة، والنفوس المطمئنة، نشهد كلمات تجليات هذا الغدير الذي يُعد بحق تحفة سماوية للعالمين، أما اذا كان في أروقة السياسة والسلطة والحكم فانه يسفر عمّا نعيشه اليوم مما اتجنب عدّه من المساوئ والكوارث وكل ما يبعث في النفس على السلبية والكآبة واليأس المطبق، وطالما أكرر في كتاباتي على عدم الامعان في الواقع السلبي والتنظير له والخوض فيه مع وجود البدائل العظيمة ومنها؛ هذا الغدير العظيم، فارجو ان نصل يوماً الى ضفاف هذا الغدير.
              شبكة النبا المعلوماتية

              تعليق


              • #8
                هل نحن مكلّفون بمعرفة الإمام (ع)؟


                قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).



                والسؤال: هل نحن مكلفون بموجب هذا الحديث بمعرفة الإمام ذاتاً، بحيث لو طلب من أحدنا الإشارة إليه وتعيينه وتحديده من بين مجموعة من الناس لاستطاع، أم إنا مكلفون بمعرفة صفته؟

                أم أنه يكفينا مجرد معرفة كونه حياً وموجوداً كحجة حتّى لو كان غائباً؟

                الجواب:

                يُعد هذا الحديث متواتراً بين جميع الفرق الإسلاميّة، وقد روى الحديث أقطاب المحدّثين، فمن الشيعة: الكليني في الكافي، والصدوق في كمال الدين، والحميري في قرب الاسناد، والصفار في بصائر الدرجات، ومن أهل السنة منهم: البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأحمد بن حنبل في مسنده، وأبو داود الطيالسي والطبراني والحاكم والحسكاني وأبو نعيم والبيهقي والنووي والهيثمي وابن كثير.

                ولعل البعض يوجه الحديث إلى كل إمام بر أو فاجر، فيشمل بذلك الحاكم الظالم، والسلطان الجائر، والرئيس السفيه وغير ذلك، ولا يعني هذا مقصود الشارع من المعرفة والاتباع، فالعقل لا يحكم بوجوب معرفة الظالم والجائر والسفيه، إذ المعرفة هداية إيصالية توصل عن طريقها إلى الحق، فضلاً عن كونها هداية إرائية تُري الحق والصلاح بهدايتهم إليه، ومن كان هذا شأنه من الظلم والجور فهو غير حقيق بأن يوصل الناس إلى الصلاح لفساده، وفاقدُ الشيء لا يعطيه.

                إذن لا يمكن أن يقنعنا الآخرون باعراضهم عن أهل البيت عليهم السلام ليوصلهم الظالم إلى الحق، كما حدث في دعوى إمامة بني أمية وبني العبّاس، ومعلوم أن الذي أباح المدينة ورمى الكعبة بالمنجنيق وقتل سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يمكن أن يكون هادياً مهدياً، ولا يحق لمن مزق القرآن وجعله غرضاً لرمي السهام كالوليد أن يؤم الناس للصلاح، وهكذا الذي قتل الهاشميين بشكل جماعي كالمنصور العبّاسي والذين أحيوا الطرب واللهو في مجالس المجون من العباسيين لا يصدق أن يوصلوا الناس إلى الحق والصلاح، فدعوى وجوب معرفتهم باطلة، إلاّ إذا اتصف الإمام بالصلاح والهدى، وسدد بالعصمة والتقوى، وأطاع الله في كل أحواله فهو حقيقٌ به أن يوصل أتباعه إلى منهج الرشاد ويهديهم إلى السداد.

                وما يؤيد أن يكون الإمام الذي تجب معرفته، إمام هدى، ما رواه ابن بابويه بسنده إلى أبي جعفر عليه السلام: (من مات لا يعرف إمامه مات ميتةً جاهلية كفر ونفاق وضلال). (١).

                وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام بنفس الألفاظ، إلاّ أن بدل لفظ (نفاق) قال: (كفر وشرك وضلال). (2)

                ولا يختلف اثنان أن ولاة الجور وسلاطين الظلم، هم أهل ضلال، وذوو نفاق باظهارهم الإيمان واستبطانهم الكفر، وإظهارهم التقوى وكتمانهم الفسوق، كما هو في نفاق معاوية بتظاهره بالتقوى. ومثله مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك، وخلاف ذلك في تهتك أكثر ولاة الجور من الأمويين حيث لم يحتشموا أحداً من العالمين فاستباحوا كل محرم وهتكوا ستر كل ما ينبغي ستره، حتّى أعلنوا الفجور كما في أحوال الوليد بن عبد الملك ويزيد بن الوليد وأمثالهم من أهل العبث والمجون. ولا يفوتك ما رواه السيوطي في تاريخ الخلفاء، وأمثاله عن ملاحم هؤلاء الأمويين ومثلهم بنو العبّاس الذين ارتكبوا كل محظور، وأباحوا كل محذور. وتاريخ آل أبي سفيان وأيام بني مروان ووقائع بني العبّاس شاهدةٌ على ذلك.

                من هنا نستخلص أن يكون الإمام إمام هدى متصفاً بالصلاح، مسدداً بالعصمة، منصوصاً عليه من قبل الله تعالى، وهو مذهب الإمامية واتفاقهم بقضّهم وقَضيضهم.

                إذن يجب معرفة الإمام لغرض اتباعه، ولا تكفي معرفة صفته دون الاهتداء إلى ذاته، والوقوف عليه بنحو عدم الاشتراك مع غيره، لأن الهداية الايصالية لا تتم بمجهول، ولا تخضع في كمالاتها لمبهم، ما لم يتم تشخيصه ومعرفته ذاتاً، لا صفةً.

                وإلى هذا أشار الصادق عليه السلام إلى وجوب التحري عن ذات الإمام والحث على معرفة شخصه دون الاكتفاء بالوقوف على صفته أو بالسماع بأمره فقط.

                فقد روى ابن بابويه بسنده عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أصلحك الله، بلغنا شكواك فأشفقنا، فلو أعلمتنا من بعدك؟ فقال: (إن عليّاً عليه السلام كان عالماً، والعلمُ يتوارث، ولا يهلكُ عالمٌ إلاّ بقي من بعده من يعلمُ مثل علمه أو ما شاء الله)، قلتُ: أفيسع الناس _ إذا مات العالم _ أن لا يعرفوا الذي بعده؟

                فقال: (أما أهل البلدة فلا _ يعني المدينة _ وأما غيرهم من البلدان فقدر مسيرهم، إن الله يقول: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (3) ).

                قال: قلتُ: أرأيت من مات في ذلك؟

                قال: (بمنزلة من خرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثمّ أدركه الموتُ فقد وقع أجره على الله).

                قال: قلتُ: فإذا قدموا بأي شيء يعرفون صاحبهم؟

                قال: يُعطى السكينة والوقار والهيبة. (4)

                فتشخيص الإمام بمعرفته بالسكينة والوقار والهيبة دلالة على وجوب معرفة الإمام ذاتاً.

                وعن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: قلتُ: إذا هلك الإمامُ فبلغ قوماً ليس بحضرتهم؟



                قال: (يخرجون كلهم أو يكفيهم أن يخرج بعضهم؟ إن الله عز وجل يقول: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ))، قال: (هؤلاء المقيمون في سعةٍ حتّى يرجع إليهم أصحابهم). (5)

                فقوله عليه السلام: (في سعةٍ) مشعرٌ على عدم قبول أعمال المكلفين دون معرفة الإمام، والذي في سعةٍ هو في عذر حتى يعرف الإمام، إلاّ أنه مغيى بغاية رجوع الرسول المتفحص عن خبر الإمام، فإذا رجع إليهم وعرفوا أمر الإمام فقد ارتفعت عنهم المعذرية وخوطبوا بالتكليف.

                وفي نفس المعنى قال الرواي: إن بلغنا وفاة الإمام، كيف نصنع؟

                قال عليه السلام: (عليكم النفير).

                قلت: النفير جميعاً؟

                قال: (إن الله يقول: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ)) قلت: نفرنا، فمات بعضهم في الطريق؟

                قال: فقال: (إن الله يقول: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً)) (6) فوجوب التفحص عن الإمام تعذيريٌ حتّى يقفوا على خبر الإمام عليه السلام، وإدراك أحدهم الموت وهو في حال التفحص معذور، لأن التفحص بذاته تكليف، وهو مقدمة واجب _ على القول بها _ يوصل إلى وجوب معرفة الإمام بذاته.

                والاقتصار على معرفة الوصف دون معرفة الذات قد يوجب الوقوع في الاشتباه المؤدي إلى الخطأ في تشخيص الإمام، وهو في الشرك سواء.

                فعن الإمام جعفر الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: (من أشرك مع إمام _ إمامتُه من عند الله _ من ليس إمامتُه من عند الله، كان مشركاً بالله). (7)

                ومعنى ذلك أن اتباع غير إمام الحق يوجب عبادة من يعبده من دون الله، وبذلك فسيكون التابع لغير إمام _ جزافاً _ عابداً لغير الله تعالى أو مشركاً بعبادته سبحانه _ كما يستظهر من الرواية _.

                هذا في شأن الإمام الحاضر، أما الإمام في زمن الغيبة فيجب معرفته بذاته وخصوصياته، من حيث كونه موجوداً حياً منتسباً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذي اسمه (محمّد) بن الحسن العسكري بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ السجاد بن الحسين الشهيد بن عليّ بن أبي طالب، بن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها وعليهم من الله التحيات الزاكيات.

                هذا ما يقتضي معرفة الإمام المهدي ذاتاً في غيبته.

                أما ما يخص الإمام المهدي عليه السلام فمعرفته بعد ظهوره تتم من خلال معرفة علامات ظهوره ليتسنى لنا تشخيصه ذاتاً، وقد ذكرت علامات الظهور في محلها وتكفلت بها مطولات خاصة في هذا الموضوع، إلاّ أن هناك ملاحظات لا بدّ من مراعاتها في هذا الشأن.

                الملاحظة الأولى:

                إن محاولة إيجاد مصاديق لشخصيات علامات الظهور غير دقيقة وكذلك التشبث ببعض الحوادث وكونها من علامات الظهور بشكل قطعي غير صحيح، نعم إمكانية إيجاد احتمالات مؤيدة بقرائن وشواهد تؤيد انطباق هذه العلامة على ذلك المصداق ومع هذا عدم القطع بذلك، وخلاصة الملاحظة: هو عدم التسرع في الحكم لئلا يؤثر ذلك على صدقية تعاطينا مع علامات الظهور.

                الملاحظة الثانية:

                الحث على معرفة علامات الظهور وذلك يساعد على بناء الشخصية التكاملية، ولتنمية الشعور بالأمل والابتعاد عن حالة الاحباط واليأس جراء ما يعانيه الفرد الشيعي من الظلم والتنكيل.

                الملاحظة الثالثة:

                إن التعامل مع أسانيد الروايات إحدى آليات الاستنباط الفقهي أي للوقوف على مدى صحة الرواية من عدمها، أما فيما يخص روايات الظهور فهي أشبه بالحالة الإنسانية التي ترافق الشخص في معرفة المستقبل، واستشراف ما يصبو إليه الإنسان وما تداهمه من أحداثٍ، لذا فهو يحاول أن يبحث عن الحقيقة ويتابع رواية هذه العلامات حرصاً منه على معرفة ما ينتظره من مصير، وهذا شأن أي إنسان بغض النظر عن كونه ثقة أو لا، إذن نحن لا نتحفظ على أسانيد هذه العلامات إذا لم تتعارض مع الكتاب والسنة والعقل.

                الملاحظة الرابعة:

                يجب أن نراعي في علامات الظهور بما يخص المدن دواعي الرواة ودوافعهم، فلربما يحاول بعض الرواة التنكيل بمنطقة ما، لدافع سياسي أو عقائدي ليجعل من بعض علامات الظهور مثلبة يطعنُ فيها على أهلها، أو منقصة يستفيد من خلالها بالتنكيل على أتباعها، كما في رواية عبيد الله بن عمرو في مجلس معاوية مخاطباً بها بعض أهل العراق المعروفين بولائهم لعليّ عليه السلام، بأن الدجال يخرج من بلدكم ومن منطقة بابل بالضبط، في حين أن روايات الدجال تشير إلى أن قوة يهودية متواجدة في اصفهان يستفيد منها الدجال في تنفيذ خططه وتحركاته، فحاول عبد الله بن عمرو أن يطعن بأهل العراق وفي محضر معاوية باحدى علامات الظهور ليسخرها لخطه ويوجه فائدتها لمدرسته.

                ===============

                الهوامش:

                (١) الإمامة والتبصرة من الحيرة لابن بابويه القمي: ٢١٩ و٢٢٠/ مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

                (2) السابق.

                (3) التوبة: ١٢٢.

                (4) الإمامة والتبصرة من الحيرة لابن بابويه القمي: ٢١٩ و٢٢٠.

                (5) السابق.

                (6) الإمامة والتبصرة من الحيرة لابن بابويه القمي: ٢٢٦.

                (7) الإمامة والتبصرة من الحيرة لابن بابويه القمي: ٢٣١.


                السيد محمد علي الحلو​

                تعليق


                • #9
                  هل انحرف المسلمون بعد يوم الغدير؟

                  رؤى من أفكار الإمام الشيرازي


                  هل انحرف المسلمون عندما تنكّروا لما قام به الرسول صلى الله عليه وآله في يوم الغدير؟، أما كيف نجيب ومن هو الذي يجيب عن ذلك، فهذا في الحقيقة متروك للمسلمين أنفسهم، ومدى ما يتحلون به من حكمة وتعامل صادق مع النفس والذات والتاريخ والدين أيضا...
                  (منذ بدء الدعوة الإسلامية عيّن رسول الله صلى الله عليه وآله،

                  علياً عليه السلام خليفةً من بعده)
                  الأمم والدول والشعوب الناجحة هي التي تعالج أخطاءها ولا تتغاضى عنها، خصوصا تلك الأخطاء التاريخية الكبيرة، ولا تدس رؤوسها في الرمال، تجنّبا لمواجهة الانحرافات (حتى لا تثير الاختلافات) كما يردد أصحاب (اتركوا أخطاء التاريخ على حالها)، وقد ثبت أن التغاضي عن الأخطاء من أكبر الأسباب التي تُبقي على الأمم في حالة تخلف وتراجع، لأن معالجة الجذر التاريخي الخاطئ غير وارد في حساباتهم هم وحدهم يقتنعون بها.
                  تقول وقائع التاريخ المثبتة في أمهات الكتب التاريخية الموثوقة، إن يوم الغدير هو اليوم الذي توّج فيه النبي صلى الله عليه وآله (عليا) خليفة للمسلمين من بعده، حدث هذا بعد حجة الوداع للرسول الكريم، وتمت أحداث هذه المبايعة في غدير خم، وبايع فيها المسلمون الإمام علي عليه السلام خليفة لهم، ولم يتخلف أحد منهم، خصوصا الشخصيات القيادية المعروفة آنذاك، وهو ما حدث بطلب من النبي صلى الله عليه وآله.
                  ولكن هذا الطلب الذي جمع من أجله الرسول الكريم المسلمين في غدير خم، لم يكن هو الأول الذي دعا فيه لتنصيب الإمام علي خليفة من بعده، وإنما كان الرسول صلى الله عليه وآليه يذكر هذه القضية في مناسبات كثيرة وعديدة، والكتب الموثوقة والروايات المسندة تؤكد ذلك، ففي أكثر من مناسبة كان الرسول الكريم يؤكد على أن عليا عليه السلام هو خليفة المسلمين من بعده، ولكن التتويج (الرسمي) تم في يوم الغدير بحضور الجميع.
                  الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يفصّل واقعة الغدير بشكل دقيق، داعما أقواله بالروايات وحتى الأشعار المثبتة والمعروفة لحسان بن ثابت، وهي تؤكد بما لا يقبل الشك تنصيب الرسول الكريم للإمام علي خليفة على المسلمين ومبايعتهم له، حيث نقرأ ذلك في كتاب (الأئمة المعصومون الأربعة عشر/ الإمام المعصوم الثالث علي بن أبي طالب):
                  (منذ بدء الدعوة الإسلامية عيّن رسول الله صلى الله عليه وآله، علياً (عليه السلام) خليفة من بعده حيث قال لزعماء قريش يوم الدار: هذا خليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا. وبقي النبي صلى الله عليه وآله ينص على خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) من بعده في مواقف مختلفة وبعبارات متعددة).


                  إعلان الإمام علي خليفة للمسلمين

                  لم يختر الرسول الأكرم هذا التنصيب من حيث التوقيت، إلا بعد نزول الأمر الإلهي الواضح للرسول صلى الله عليه وآله بإعلان الإمام علي عليه السلام خليفة له على المسلمين، وتم ذلك بعد عودة الرسول الكريم والمسلمين من الحج، وسمّيت في تلك السنة بحجة الوداع، في إشارة إلى أنها الحجة الأخيرة في حياة نبي المسلمين صلى الله عليه وآله.
                  حيث نقرأ في كتاب الإمام الشيرازي نفسه قوله:
                  (حين حجَّ رسول الله صلى الله عليه وآله حجته الأخيرة المسمّاة بحجة الوداع، وبعد أن رجع المسلمون من حجهم أنزل الله تعالى قوله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ).
                  بعد نزول هذه الآية الكريمة الواضحة في معناها، طلب نبي المسلمين منهم أن يتجمعوا جميعا في منطقة يُقال لها (غدير خم)، وحين تجمّع المسلمون وحضر المتأخر والغائب، ارتقى الرسول الكريم المنبر وقدم لجمع المسلمين خطبة وُصفت بأنها من أعظم خطبه، وبعد أن انتهى منها أمسك بيده الشريفة كفّ الإمام عليه السلام ورفع ذراعه إلى الأعلى باتجاه السماء ثم أطلق قولته الشهيرة عن أمير المؤمنين قائلا على رؤوس الأشهاد:
                  (من كنتُ مولاه فعليٌ مولاه، الّلهمَّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصرْ من نصره، واخذلْ من خذله)، فيا تُرى هل هناك وضوح أكثر من هذا الوضوح في القصد والمعنى والمطلوب؟، وهل تقبل مثل هذه الكلمات الدقيقة الواضحة نزعا من التشكيك في المعاني، أو في أي شيء آخر، لاسيما أنها قيلت على لسان نبي الإسلام صلى الله عليه وآله، وبحضور جميع المسلمين ولم يتخلّف عن الحضور من قادة الأمة آنذاك.
                  يقول الإمام الشيرازي:
                  ثم (أمر النبي صلى الله عليه وآله، المسلمين أن ينزلوا بغدير خم وأن يرجع من سبق منهم ويلحق من تأخر، ثم نُصب له منبر من أكوار الإبل، فقام صلى الله عليه وآله وخطب بالمسلمين خطبة عظيمة، ثم أخذ بيد علي أمير المؤمنين (عليه السلام) ورفعها نحو السماء وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله).
                  إن هذا الوضوح التام في كلمات الرسول صلى الله عليه وآله، واختيارها بشكل دقيق، والتأكيد على تتويج شخص الإمام عليه السلام، حين أمسك النبي صلى الله عليه وآله بيد أمير المؤمنين، ورفعا عاليا نحو السماء، مطلقا كلماته التي يؤيد فيها الإمام بشكل لا يقبل الشك مطلقا، مطالبا المسلمين بنصرته ومؤازرته وكأنه هو نفسه.


                  محاولات مخادِعة لخلط الأوراق

                  ومع كل هذا الوضوح والدقة يأتي من يشكك في ذلك ويثير الشبهات، ويحاول خلط الأوراق من جهة، ثم يعود ليطلب ويطالب بعدم الخوض في مثل هذه القضايا التاريخية التي تفرق المسلمين ولا تجمع بينهم، ولكن أليس السلوك المخالف لرسول الله يعد مخالفة صريحة للدين وللإسلام ولله تعالى؟
                  ألا يُعدّ هذا السلوك الذي يتغاضى عن وصايا وكلمات رسول الله خطأ فادحا ارتكبه أصحابه آنذاك، ثم أليس معالجة الانحراف عن وصية واضحة لرسول الله صلى الله عليه وآله بهذا الحجم أمر بالغ الأهمية، بل ويرقى إلى القضايا المصيرية؟
                  ثم هل تتقدم الأمم حين تدس الرؤوس في الرمال، أو تغمض عيونها عن أخطائها، وتسعى لعبور هذه الأخطاء وتترك النيران تشتعل بقوة تحت الرماد؟؟
                  نعم لقد مرّت قرون على وقائع (غدير قم)، وباتت في حكم التاريخ، ولكن تأسّس على ذلك الانحراف تراكمات هائلة من الأخطاء، ولعل أفظعها أن المسلمين منذ ذلك التاريخ وإلى الآن لم يحظوا بنظام سياسي صحيح وعادل وأمين.
                  باستثناء سنوات الحكم القليلة للإمام علي عليه السلام في حكمه الذي عُرف بكونه مثّلَ أفضل حكومة عادلة في تاريخ المسلمين، وأفضل حاكم نشر العدل ورأف بالفقراء والأيتام، ودعم الاقتصاد من خلال الزرع والإرواء وشق الترع وتقليص نسبة الفقر إلى الصفر.
                  ومن القضايا المثيرة للجدل أيضا تلك الأقوال المغرضة التي تقول بأن الإمام علي نفسه لم يداعِ بحقه في الخلافة، وأنه تنازل عن ذلك الحق ولم يطالب به، فلماذا يأتي آخرون مؤيدون له ويداعون بحقه هذا؟
                  الإجابة عن مثل هذه التصريحات المغرضة مهمة، وتم مواجهتها بالحقائق التي أكدت بالأدلة القاطعة أن الإمام علي عليه السلام، لم يتنازل عن الخلافة، ولم يترك حقه، بل ظلل مطالبا به مذكرا المسلمين بهذا الحق، وإن الذين حضورا منهم خطبة الوداع في غدير خم يتذكرون جيدا وصية الرسول صلى الله عليه وآله، ويعرفون ويتذكرون بالتفصيل ما جرى في يوم التتويج المعلَن بحضور المسلمين.
                  نعم لقد اعتزل الإمام علي عليه السلام الجمع السياسي الملوَّث، وتفرغ للزراعة وتعامل مع ما حدث من نكث وخديعة بصبر عظيم هو من أهم وصايا النبي صلى الله عليه وآليه لابن عمه علي عليه السلام، حين طالبه بالصبر والتجلّد (والكف عن القوم)، ولكن بقي الإمام يطالب بحقه ولم يتنازل عنه كما أثبتت الأدلة التاريخية القاطعة.
                  لذا يؤكد الإمام الشيرازي قائلا:
                  (بقي الإمام عليه السلام يناشد المسلمين حقّه ويذكرهم بوصايا رسول الله صلى الله عليه وآله الذي استخلفه من بعده، وحيث إن الإمام عليه السلام كان موصى بالصبر والكف عن القوم فقد لزم داره مدة 25 سنة، مجهولاً قدره مغصوباً حقّه).
                  وهكذا علينا أن نجيب بوضوح عن السؤال الذي طرحه عنوان هذه الكلمة، هل انحرف المسلمون عندما تنكّروا لما قام به الرسول صلى الله عليه وآله في يوم الغدير؟، أما كيف نجيب ومن هو الذي يجيب عن ذلك، فهذا في الحقيقة متروك للمسلمين أنفسهم، ومدى ما يتحلون به من حكمة وتعامل صادق مع النفس والذات والتاريخ والدين أيضا.





                  تعليق

                  المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                  حفظ-تلقائي
                  Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                  x
                  يعمل...
                  X