الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الأنبياء والمُرسلين، أبي القاسمِ مُحَمَّد وآله الغر الميامين، والطَّيِّبين الطَّاهرين، واللّعن الدَّائم على أعدائِهم ومبغضيهم إلى قيامِ يوم الدِّين...
أمَّا بعد...
فمن المناسبات الإسلاميَّة التي تبتهج بها الدُنيا فرحًا وسرورًا، هو عيد الغدير الأغر، الذي فيه تمّ تنصيب ولي المُسلمين وإمامهم أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه الصَّلَاة وأتمّ التَّسليم) أميرًا عليهم من قبل النَّبي مُحمّد (صلَّى الله عليه وآله) ليصبح الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) وصيًّا وخليفةً وأميرًا ووليًّا على الأمَّة الإسلاميَّة جمعاء بعد الرَّسول الأكرم (صلَى الله عليه وآله)، فكان هذا في اليوم الثَّامن عشر من شهر ذي الحُجَّة المبارك، عند رجوع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) من حجَّة الوداع، فأمر (صلوات الله عليه وآله) قوافل الحجيج أن يجتمعوا في منطقة غدير خم، ليُبلّغ ما أمره به سُبحانه، فقال الله تعالى له (صلَّى الله تعالى عليه وآله) في مُحكم كتابه العزيز ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾[1]، من ولاية أمير المُؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، وتنصيبه وليًّا للمُسلمين، وذلك لتتم الرّسالة النّبويَّة ومن دون التَّبليغ بولاية أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) لم تتم الرّسالة، فقال الله تعالى في كتابه العزيز مخاطبا رسوله (صلَّى الله عليه وآله) أيضًا: ﴿وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾[2]، وإنَّ الله تعالى هو الذي سيكون كفيلًا بالذي لا يقبل الولاية ولا يُطيع الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) من ذوي النفّوس الضَّعيفة ذوي الإيمان المتخلخل، فقال الله تعالى لنبيّه الأكرم (صلَّى الله تعالى عليه وآله): ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾[3]، فبعد أن اجتمع جميع من حجّ من كافَّة الأقطار الإسلاميَّة، قال (صلَّى الله عليه وآله) معلنًا البيعة لأمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام): (مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ)[4]، فكانت بيعة الإمام عَلِي بن أبي طالب (عليه السَّلَام) وموالاته، واجبة ومفروضة على جميع المُسلمين، ومن لم يتولَّاه (عليه الصَّلَاة والسَّلَام) وأنكر بيعته وولايته وجحدها وخلّ بهما، خرج عن مسار الدِّين القويم وأصبح من الضَّالّين، وجحد نبوَّة النَّبيّ مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله) ولم يؤمن به، لأنَّه لم يلتزم بأمره ولاية أمير المؤمنين الإمَام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، ولم يؤمن بالله تعالى، فروي عن رسول الله (صلَّى الله تعالى عليه وآله) أنَّه قال: (وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِيّاً، مَا آمَنَ بِي مَنْ أَنْكَرَكَ، وَلاَ أَقَرَّ بِي مَنْ جَحَدَكَ، وَلَا آمَنَ بِالله مَنْ كَفَرَ بِكَ)[5]، لأنَّ الله تعالى جعل للإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) منزلة كمزلة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فروي عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أنَّه قال له (عليه السَّلَام): (أَنْتَ مِنّيّ بِمَنْزِلَةِ هَارُون مِنْ مُوْسَى إلَّا أنّه لَا نَبِيّ بَعْدِيّ)[6]، فهذا القول يدلّ على أَنَّ منزلة الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) منه في جميع أحواله بمنزلة هارون من أخيه موسى (عليهما السَّلَام) في جميع أحواله، والإمام عَلِيّ (عليه السّلَام) له من الفضلِ ما لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إلَّا أنَّ الله تعالى خصّ النَّبِيّ مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله) بالنّبوَّة، وخصَّ ابن عمّه وأخاه الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) بالإمامة والوصاية[7]، فروي عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أنَّه قال في منزلة وصيّه وأخيه أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه الصَّلَاة والسَّلَام) ومكانته: (وما أكرمني الله بكرامةٍ إِلَّا وقد أكرمك بها، وخصني بالنّبوّة والرّسالة، وجعلك وليّي في ذلك، تقوم في حدوده وفي صعب أموره)[8]، وبه (عليه السَّلَام)، يُعرف الحق من الباطل، والمؤمن من المنافق، والصَّواب من الخطأ، وجميع مصادر الأمور التشريعية والدِّنية والأخلاقيَّة وغيرها، وأيضًا إنَّهما (صلَّى الله عليهما وآلهما) متساويان في شأن الفضل وما ثبت للرَّسول (صلَّى الله عليه وآله)، من الفضل، ثبت مثله للإمام أبي الحسَّن (عليه السَّلَام)، فمَّما يُعضِّد كلامنا هذا في شأن التساوي في الفضل بينهما (عليهما الصَّلَاة والسَّلَام)، والطَّاعة والولاية المفروضة والواجبة على المسلمين للإمام عَلِيّ (عليه الصَّلَاة والسَّلَام)، ما روي عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أنَّه قال للإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام): (وَإِنَّ فَضْلَكَ لِمنْ فَضْلي كفَضْل الله، وَهُوَ قَوْلُ الله عَزَّ وَ جَلَ: ﴿قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّما يَجمَعُونَ﴾[9]، ففضل الله نبوة نبيكم، ورحمته ولاية عَلِيّ بن أبي طالب، ﴿فَبِذَلِكَ﴾ قال: بالنّبوة والولاية ﴿فليفرحوا﴾ يعني الشِّيعة ﴿هُوَ خَيْرٌ مِّما يَجمَعُونَ﴾ يعني: مُخَالِفِيهِمْ من الأَهلِ والمَالِ والولدِ في دَارِ الدّنيا)[10].
وأيضًا إنَّ من جحد ولاية أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، وصدَّ عنها أصبح ضالًا تائهًا هائمًا على وجهه، كما روي رسول الله (صلَّى الله تعالى عليه وآله) أنَّه قال - في من خالف القانون الإلهي في ولاية أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه الصَّلَاة والسَّلَام)، ولا يهتدي إلى الصّواب إلَّا بولاية أبي الحسنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) وطاعته-: (ولقد ضلّ من ضلّ عنك ولن يهتدِ إلى الله (عزَّ وجلّ) من لم يهتدِ إليك وإلى ولايتك، وهو قوله (عزَّ وجلّ): ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾[11]، يعني إلى ولايتك، ولقد أمرني ربي تبارك وتعالى أن افترض من حقك ما أفترضه من حقي، وإن حقك لمفروض على من آمن بي ولولاك لم يعرف حزب الله وبك يعرف عدو الله ومن لم يلقه بولايتك لم يلقه بشيء، ... ومن لقي الله عز وجل بغير ولايتك فقد حبط عمله وغدًا ينجز لي، وما أقول إِلَّا قول ربّي تبارك وتعالى، وإنَّ الذي أقول لَمِن الله (عزَّ وجل) أنزله فيك)[12].
وفي الختام نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الممتثلين لما جاءت به الدَّعوة الإسلاميَّة، من التَّمسك بتعاليم الدين الإسلامي وطاعة رسوله الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) ومن بعده الثَّبات على ولاية أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) والطَّاعة والولاية للعترة الطَّاهرة (عليهم السَّلَام) والتّمسّك بهم من بعده (عليه السَّلَام)، وصلَّى الله على سيّدنا مُحَمَّد وآلِ مُحَمَّد الطَّيِّبين الطَّاهرين...
الهوامش:
[1] المائدة: 67.
[2] المائدة: 67.
[3] المائدة: 67.
[4] المنهج القويم في تفضيل الصِّراط المُستقيم عَلِيّ أَمِير المُؤمِنِين (عليه السَّلَام)، على سائر الأنبياء والمُرسلين، سوى نبيّنا مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله) ذو الفضل العميم، مُهذَّب الدِّين أحمد بن عبد الرِّضا البصري: 183.
[5] المنهج القويم، مُهذَّب الدِّين أحمد بن عبد الرِّضَا البصريّ: 186.
[6] الوافي، الفيض الكاشاني: 5/827.
[7] ينظر: الهداية، الشَّيخ الصَّدُوق: 185
[8] المنهج القويم، مُهذَّب الدِّين أحمد بن عبد الرِّضَا البصريّ: 186.
[9] يونس: 58.
[10] المنهج القويم، مُهذَّب لدِّين أحمد بن عبد الرِّضَا البصريّ: 186.
[11] طه: 82.
[12] بشارة المُصطَفَى (صلَّى الله عليه وآله)، مُحَمَّد بن أبي القاسم الطَّبري: 276.
البَاحِث: سَلَام مَكّيّ خضيّر الطَّائِي.
تعليق