إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أخطر الشهادات

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أخطر الشهادات

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللهم صل على محمد وآل محمد

    ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[سورة فصلت، الآية:21].


    إنّ من الطبيعي في يوم القيامة أن يجهد المرء في الدفاع عن نفسه والتنصّل من أفعاله. خاصة وهو يرى أهوال يوم المحشر ماثلة أمام ناظريه، ويعاين نار جهنم ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ﴾، فيحاول عندها بكلّ طريقة وبأيّ وسيلة أن يتنصل مما اقترف من أفعال ويتبرأ منها، حتى يصل به الأمر إلى أن يحلف بالله بأنه لم يرتكب ذلك الجرم، ولم يقترف تلك السيئة، قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾، فكما يبالغ الإنسان في الحلف للناس في الحياة الدنيا، رغبة في دفع التهمة عن نفسه، كذلك يفعل أمام خالقه في يوم المحشر.

    غير أنّه في مقابل ذلك الحلف المبالغ فيه، تتوفر كثير من الأدلة القاطعة، والبراهين الدامغة، والجهات المتعددة التي تشهد على الإنسان، فتلزمه الحجة وتفقده أيّ قدرة على التنصّل والهروب من تبعات جرمه.

    وأول شاهد يشهد على الإنسان هو الله سبحانه وتعالى، القائل: ﴿فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّـهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ﴾، فالله سبحانه وتعالى هو أول الشاهدين على أعمال العباد. وعلى اعتبار أنّ الإنسان كان أكثر شيءٍ جدلًا كما ورد في الآية الكريمة، فلربما جادل المرء ربه تعالى حينئذٍ، ولم يقبل شهادته كونه تعالى خصمًا له، ساعتئذ يأتي سبحانه بالملائكة ليشهدوا على الإنسان، قال تعالى: ﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾، فالسّائق والشهيد ملكان يشهدان على الإنسان في يوم القيامة، وجاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في بيان معنى الآية قوله: «سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى مَحْشَرِهَا وَ شَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا» ، وقال تعالى في وصف هؤلاء الملائكة: ﴿كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾، فهم يكتبون كلّ أفعال الإنسان لاطّلاعهم عليها، وهم كالشاهد الثاني عليه بعد الله جلّ شأنه.

    أما الشاهد الثالث الذي لا يملك الإنسان ردّ شهادته، فهو مكان اقتراف الذنب، وارتكاب الجريمة. فالأمكنة تشهد على الإنسان أنه ارتكب فيها ما ارتكب، وفعل فيها ما فعل، قال تعالى في شأن الأرض: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾، فأيّ فعلٍ فعله العبد في أيّ بقعة من بقاع الأرض، فإنّ تلك القطعة من الأرض، تأتي يوم القيامة لتشهد لصالح المرء أو عليه. وقد ورد عن رسول الله أنه قال: «أَنَّ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، أَنْ تَقُولَ: عَمِلَ كَذَا وَكَذَا، يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا».

    ثم تأتي بعد ذلك شهادة الزمان، فأيّ عملٍ يعمله العبد فهو في إطار زمن معيّن، هذا الزمن يأتي يوم القيامة شاهدًا على الإنسان، وقد ورد عن عليّ أمير المؤمنين أنه قال: «مَا مِنْ يَوْمٍ يَأْتِي عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ اليَوْمُ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا يَوْمٌ جَدِيدٌ وأَنَا عَلَيْكَ شَهِيدٌ فَقُلْ فِيَّ خَيْراً واعْمَلْ فِيَّ خَيْراً أَشْهَدْ لَكَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَإِنَّكَ لَنْ تَرَانِي بَعْدَهَا أَبَداً» ، فكلّ ما سبق شهود على الإنسان في يوم الحساب.

    وقد يمعن الإنسان يوم الحساب في انكار أفعاله والتنصّل منها، فيأتيه الله تعالى بمزيد من الشهود الذين لا قِبَلَ له بردّهم. قال تعالى: ﴿حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[سورة فصلت، الآية:20]، حيث ينطق الله تعالى أعضاء الإنسان فتشهد عليه، أذنه وعينه وجلده. وكما روي أنّ الآية الكريمة نزلت في قوم تعرض عليهم أعمالهم فينكرونها، فيقولون ما عملنا شيئًا منها، فتشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم أعمالهم، قَالَ الصَّادِقُ: «فَيَقُولُونَ لِله: يَا رَبِّ، هَؤُلاَءِ مَلاَئِكَتُكَ يَشْهَدُونَ لَكَ، ثُمَّ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً» ، فتشهد جوارحهم، فماذا عسى يقول المنكرون أفعالهم، وقد شهدت عليهم جوارحهم؟. أما عن الكيفية التي تشهد بها الجوارح، فهو ما سيكون على الأرجح من قبيل عرض مشاهد الأفعال نفسها، كما حصلت تمامًا، كما لو كانت على شاشة فيديو، فكما أنّ الناس باتوا قادرين على تصوير وتسجيل ما يفعلون اليوم، كذلك جميع أفعال البشر لا تزال مثبتة ومسجلة ضمن حيّز الوجود منذ الأزل، لولا عجز الناس عن سبل استعادتها، وذلك مدار العديد من البحوث العلمية اليوم، غير أنّ الله تعالى لا يعجزه شيء.

    وإضافة إلى الآية المتقدمة هناك جملة من الآيات الكريمة التي تشير إلى شهادة أعضاء الجسم على الإنسان يوم القيامة. ومنها قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، وجاء في آية أخرى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. من هنا جاء التصوير الرائع في دعاء عرفة المروي عن الإمام الحسين، تصويره للإنسان حين تحاصره الحقائق في يوم القيامة، فلا يعود يستطيع أن ينكر أو يتنصّل من أفعاله قيد أنملة، حيث يقول الدعاء: «فَهَا أَنَا ذَا يَا إِلَهِي بَيْنَ يَدَيْكَ يَا سَيِّدِي خَاضِعٌ ذَلِيلٌ حَصِيرٌ حَقِيرٌ لَا ذُو بَرَاءَةٍ فَأَعْتَذِرَ وَلَا ذُو قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرَ وَلَا ذُو حُجَّةٍ فَأَحْتَجَّ بِهَا وَلَا قَائِلٌ لَمْ أَجْتَرِحْ وَلَمْ أَعْمَلْ سُوءاً وَمَا عَسَى الْجُحُودُ لَوْ جَحَدْتُ يَا مَوْلَايَ يَنْفَعُنِي كَيْفَ وَأَنَّى ذَلِكَ وَجَوَارِحِي كُلُّهَا شَاهِدَةٌ عَلَيَّ بِمَا قَدْ عَمِلْتُ» .

    فليس بمقدور الإنسان التنصّل من أفعاله يوم القيامة بأيِّ حالٍ من الأحوال. لذلك من الخير للإنسان أن يتجنّب الوقوع في شرك المعصية من حيث المبدأ، وأن ينأى بنفسه عن أيِّ عمل يمكن أن يحاسب عليه أمام الله يوم القيامة. وحيث إنّ الإنسان يبقى معرضًا لارتكاب الخطأ، فخير له أن يصفّي حساباته مع الله تعالى ومع الناس في الدنيا، قبل أن يساق إلى المحكمة الإلهية في الآخرة، ما دام الأمر متاحًا لتصفية سائر المتعلقات والحقوق، حيال العباد، وحيال ربّ العباد، ليسحب كلّ الدعاوى المرفوعة ضدّه، فلماذا يماطل المرء ويسوّف في هذا الأمر إلى أن يجد نفسه في حضرة الله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون؟ يوم تتكالب عليه الشهادات والدلائل من كلّ حدب وصوب، فلا يعود قادرًا على الفكاك أو التنصّل من كل ذلك. وما من سبيل إلّا بالتوبة إلى الله والإنابة إليه، والخروج من حقوق العباد، حتى يأتي العبد يوم القيامة وهو أبعد ما يكون عن الوقوف في ذلك الموقف الصعب.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X