بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.[1]
الظاهر أنّ الكفر هنا بمعنى الكفران لا كفر الجحود والمعنى أنّ إشراب قلوبهم من حبّ العجل بسبب كفرانهم لأنعم الله عليهم، لأنّ القلب إذا خلّى عن ذكر الله خلّى عن حبّه وإذا خلّى عن حبّ الله امتلأ بعشق غيره.
روي عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ عَنِ اَلْعِشْقِ قَالَ: ((قُلُوبٌ خَلَتْ مِنْ ذِكْرِ اَللهِ فَأَذَاقَهَا اَللهُ حُبَّ غَيْرِهِ)).[2] وأمّا تزيّن العجل في أعينهم بسبب ما رأوا في مصر من كون العجل أو البقرة معبودا لهم قال المؤرخون: «وللثور تاريخ وأهميّة عظمى في عبادات الشرق الأوسط القديمة وقد كانت له اهميّة كبرى في مصر تركزت في ممفيس تحت اسم عبادة «آبيس» وكانوا يعتقدون أنّه ولد نتيجة نزول شعاع من أشعة الشمس من السماء على بقرة أنجبت عجلا ذا لونين أبيض مع أسود مع مثلث أبيض فوق جبهته وهلال قمري على جانبه الأيمن خدمه الكهنة في وقت الدولة القديمة حوالي 2700-2200 ق.م، ولقد تغلغلت هذه العبادة بصورة فعّالة في مصر.» وربّما كانوا يدخلون في جماعة المصريّين ولهذا أجابوا دعوة السامري بعبادة العجل وشغفوا به لأنّه اختصّ بهم وصيغ من زينتهم وله خوار بخلاف ما كان في مصر ولذلك الحبّ الشديد أحرقه موسى عليه السلام ثمّ نسفه في اليم، ولكن بقي حبّه في قلوب جماعة منهم لأنّهم كانوا لا يرون منافرة بين حبّ العجل والإيمان بربّ موسى عليه السلام وبسبب ذلك العشق كانوا يعصون أوامر الله في التوراة ولا يبعد كون معتقدهم أنّ المجاز قنطرة الحقيقة.
وفي العيّاشي عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: فِي قَوْلِ اَللهِ: ﴿وأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ اَلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ قَالَ((لَمَّا نَاجَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَبَّهُ أَوْحَى اَللهُ إِلَيْهِ أَنْ يَا مُوسَى قَدْ فَتَنْتُ قَوْمَكَ قَالَ وَبِمَا ذَا يَا رَبِّ قَالَ: بِالسَّامِرِيِّ قَالَ: وَمَا فَعَلَ اَلسَّامِرِيُّ قَالَ صَاغَ لَهُمْ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً، قَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ حُلِيَّهُمْ لَتَحْتَمِلُ أَنْ يُصَاغَ مِنْهُ غَزَالٌ أَوْ تِمْثَالٌ أَوْ عِجْلٌ فَكَيْفَ فِتْنَتُهُمْ قَالَ: إِنَّهُ صَاغَ لَهُمْ عِجْلاً فَخَارَ قَالَ يَا رَبِّ وَمَنْ أَخَارَهُ قَالَ: أَنَا فَقَالَ عِنْدَهَا مُوسَى: ﴿إِنْ هِيَ إِلاّٰ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهٰا مَنْ تَشٰاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشٰاءُ﴾ قَالَ: فَلَمَّا اِنْتَهَى مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ وَرَآهُمْ يَعْبُدُونَ اَلْعِجْلَ أَلْقَى اَلْأَلْوَاحَ مِنْ يَدِهِ فَتَكَسَّرَتْ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ إِخْبَارِ اَللهِ إِيَّاهُ قَالَ: فَعَمَدَ مُوسَى فَبُرِّدَ اَلْعِجْلُ مِنْ أَنْفِهِ إِلَى طَرَفِ ذَنَبِهِ ثُمَّ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ، فَذَرَّه فِي الْيَمِّ قَالَ: فَكَانَ أَحَدُهُمْ لَيَقَعُ فِي اَلْمَاءِ وَمَا بِهِ إِلَيْهِ مِنْ حَاجَةٍ، فَيَتَعَرَّضُ بِذَلِكَ لِلرَّمَادِ فَيَشْرَبُهُ، وَهُوَ قَوْلُ اَللهِ: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ اَلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾.[3]
وقال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي(ره): (والإشراب له معنيان كما ورد في المفردات: الإحكام كقولك «أشربت البعير» إذا شددت رقبته بالحبل. وكذلك الإرواء، ويكون المعنى على الوجهين أن حبّ العجل قد غمر قلوب بني إسرائيل واستحكم في أنفسهم.
والعبارة توحي أيضا ما يصدر عن هؤلاء القوم من انحراف، إنما هو ظاهرة طبيعية ناتجة عن تغلغل روح الشرك في قلوبهم. والقلوب التي أشربت الشرك لا يصدر عنها إلا القتل والإنكار والخيانة.
وتتبين أهمية الموضوع أكثر لو طالعنا مقدار ما أكدت عليه الديانة اليهودية من تقبيح لعملية القتل ونهي عنها فقد جاء في قاموس الكتاب المقدس، ص 678: «القتل العمدي وتقبيحه كان على درجة من الأهمية لدى بني إسرائيل، بحيث لا تبرأ ذمّة القاتل له لو لجأ إلى الأماكن المقدسة، بل لا بدّ إنزال عقوبة القصاص به بأيّ حال من الأحوال»).[4]
[1] سورة البقرة، الآية: 93.
[2] الأمالي(للصدوق)، ج 1، 668.
[3] تفسير العياشي، ج 1، ص 51.
[4] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 1، ص 300.
تعليق