عطرُ الغدير
(سَمَاهِرُ الْخَزْرَجِيُّ)
فِي ظَهِيرَةِ يَوْمٍ قَائِظِ الْحَرِّ، تَصْهَرُ الشَّمْسُ فِي حَرَارَتِهَا الْوُجُوهَ، وَتَلْفَحُ الْأَجْسَامَ بِنَارِهَا الْحَارِقَةِ، لَكِنْ لَا سُلْطَانَ لَهَا عَلَى ضَمَائِرٍ غَادَرَتْهَا الْإِنسَانِيَّةُ.
حُشُودٌ كَبِيرَةٌ تَزْحَفُ آتِيَةً....
ذَرَّاتُ الْعَرَقِ الْمُعْتَقَةِ مِنْ نَوَافِذِ أَجْسَادِهِمْ وَسِجْنِهَا؛ تَغْسِلُ ذُنُوبَ بَعْضِهِمْ، وَالْبَعْضُ لَا تَزِيدُهُ إِلَّا عِزَّةً بِالْإِثْمِ.
فِي بَيْدَاءِ خُمٍّ حَيْثُ الْحَرُّ الْهِجِيرُ، يَقِفُ الرَّسُولُ (صلى الله عليه وآله)، فَجْأَةً لِتَنْهَالَ عَلَيْهِ فُيُوضَاتٌ إِلَهِيَّةٌ، وَتَذُوبُ رُوحُ الْأَمِينِ شَوْقًا لِمُنَاجَاتِهِ.
تَشْرَئِبُّ الْأَعْنَاقُ وَيَعْتَرِيهِمُ الْفُضُولُ،
تَحْمَرُّ وَجْنَاتُ الرَّسُولِ (صلى الله عليه وآله) وَيَشِعُّ وَجْهُهُ أَمَلًا وَرَحْمَةً.
لَا يُكْمِلُ الدِّينَ إِلَّا بِتَنْصِيبِ ابْنِ عَمِّهِ،
يَنْزِلُ فِي مَوْضِعِ (سَلْمَاتٍ) فَيَأْمُرُ أَنْ يُقَمَّ مَا تَحْتَهُ، وَيَنْصِبَ لَهُ حِجَارَةً كَهَيْئَةِ الْمِنْبَرِ، لِيَشْرِفَ عَلَى النَّاسِ، فَتَتَرَاجَعَ النَّاسُ وَيَحْتَبِسَ أَوَاخِرُهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ،
يَقُومُ الرَّسُولُ فَوْقَ تِلْكَ الْأَحْجَارِ؛ يَحْمَدُ اللهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلا فِي تَوَحُّدِهِ………………. … )
تُفْتَحُ نَوَافِذُ النَّفْسِ أَمَامَ كَلِمَاتِ الرَّسُولِ، وَتُفْتَحُ أَبْوَابُ الرَّجَاءِ بِوُجُوهِ الْفُقَرَاءِ وَالْبَاحِثِينَ عَنِ النَّعِيمِ الْأَبَدِيِّ،
وَهُنَاكَ خَفَقَاتُ قَلْبٍ تَضْطَرِمُ نَارًا مِنَ الْحَسَدِ وَالْغَيْرَةِ.
صَوْتٌ مَلَكُوتِيٌّ يَصْدَحُ يُزِيلُ أَغْشِيَةَ الْخَطَايَا عَنْ خَلَايَا النُّفُوسِ، وَيَهْمِسُ فِي آذَانِ الظَّهِيرَةِ سِرَّ الْخُلُودِ،
مَآتِيَ الدَّقَائِقِ تَمُرُّ بِلُطْفٍ تَرُومُ امْتِصَاصَ عَذُوبَةِ صَوْتِ الرَّسُولِ.
يَبْدَأُ الِارْتِقَاءُ الرُّوحِيُّ، وَأَرْوَاحُهُمْ كَالزُّهُورِ تَتَمَايَلُ مَعَ نَغَمَاتِ صَوْتِهِ الْعَذْبِ،
تَبْرُقُ الْعُيُونُ وَتَنْبَسِطُ مَحَيَّاهُمْ،
صَحَارِي حَيَاتِهِمْ تَتَحَوَّلُ إِلَى آمَالٍ مُخْضَرَّةٍ،
فَتَظْهَرُ مَكَامِنُ الْجَمَالِ فِي نَفْسِهِ، رِدَاءُ أَخْلَاقِهِ مَحُوكَةٌ مِنْ خُيُوطِ التَّسَاهُلِ وَالرَّحْمَةِ، إِنْعِكَاسَاتُ نَفْسِهِ تَعْكِسُ نَفْسَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ كَيْفَ لَا هُوَ نَفْسُهُ بِنَصِّ آيَةِ الْمُبَاهَلَةِ ..
كَمَا هِيَ الْجِبَالُ مَسَامِيرُ الْأَرْضِ، كَذَلِكَ هُمْ قُطْبُ رَحَى الْأَرْضِ وَأَوْتَادُهَا.
أَصَابِعٌ مَشْبُوكَةٌ كَتَشَابُكِ الضَّفَائِرِ، تُرْفَعُ وَيَغْدُوَانِ كِيَانًا وَاحِدًا،
وَنِدَاءٌ يَهُزُّ عَرْشَ النُّفُوسِ وَجَبَرُوتَهَا (أَلَا مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ) إِنَّهُ تَنَاغُمٌ بَيْنَ رُوحَيْنِ، ذَوَبَانٌ فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، إِنَّهَا أَنْفُسٌ لَوْ سَارَتْ فِي الْبِيدِ؛ لَأَخْضَرَتْ فَرَحًا وَتَخَايُلًا.
لَكِنْ أَيَطْلُبُ الرَّسُولُ مِنَ الْأَمْوَاتِ بَيْعَةً؟
مِنَ الَّذِينَ يُولَدُونَ أَمْوَاتًا!
فَيَبْدَأُ عُرْسُ الْبَيْعَةِ وَكَرْنِفَالُهَا وَتَضْمَرُ نُفُوسًا غَيْرَ الَّذِي الَّذِي أَبْدَتْ.
بَخْ بَخْ لَكَ يَا عَلِيٌّ لَقَدْ أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَهِيَ تَحِيكُ فِي دَاخِلِهَا لِمُؤَامَرَةٍ قَذِرَةٍ.
لَقَدْ وُلِدَ عَلِيٌّ (عليه السلام) وَقَدْ قُيِّدَ مَهْدُهُ بِقَيْدِ الظُّلْمِ وَخُتِمَ بِوَشْمِ الْغَدْرِ،
لَكِنْ سَيُومِضُ بَرْقُ ثَأْرِهِ يَوْمًا؛ بَعْدَ أَنْ تَرْقُدَ الْحَيَاةُ وَالْأَخْلَاقُ لِيُحْيِيهَا أَمَلُهَا الْمَوْعُودُ..
أَسْعَدَ اللَّهُ أَيَّامَكُمْ
تعليق