بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد
﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾[سورة الأعلى، ( 16-17).
تُعَدّ الرغبة في البقاء والخلود في الحياة مسألة غريزية متجذّرة، يشترك فيها كلّ البشر. ذلك أنّ الإنسان، بعد أن يذوق حلاوة الحياة، يقلقه هاجس الرحيل عنها، ويزعجه مجرّد التفكير في ترك الدنيا والخروج منها، هذه الرغبة في البقاء وتحاشي الموت، هي التي تحرّض الإنسان على دفع الأضرار والأخطار عن نفسه، كما تدفعه إلى التفكير فيما يخدم بقاءه في هذه الحياة.
الخلود وَهْمٌ أم حقيقة؟
وقد تساءل الفلاسفة منذ القدم، حول ما إذا كانت الرغبة في الخلود، هي رغبة وتطلّع إلى أمر وهمي، أم أنها تكشف عن سعيٍ لأمر حقيقي ممكن؟
ذهب العلماء والفلاسفة الربانيون إلى الاستدلال بوجود هذه الرغبة، على حقيقة وجود الآخرة والمعاد، فالإنسان لدية رغبة في الحياة الأبدية، والحياة الدنيا لا خلود فيها. من هنا يأتي السؤال، عن سبب إيجاد هذه الرغبة من قبل الله تعالى في نفس الإنسان؟ سيّما وأنه تعالى لم يجعل الرغبات والغرائز في نفس الإنسان اعتباطًا، بقدر ما ينبغي أن تكشف عن حقائق فعلية، وعلى الإنسان أن يفتش عن الطريق الصحيح الموصل إليها.
وتناول العالم الكبير الفيض الكاشاني، في تفسيره لوجود الرغبة في الخلود في نفس الإنسان، بقوله: «وكيف تنعدم النفس وقد جعل الله عزّ وجلّ بواجب حكمته في طبائعها محبّة الوجود والبقاء، وجعل في جبلّتها كراهة العدم والفناء، وقد ثبت وتيقّن أنّ بقاءها ودوامها في هذه النشأة الحسّية أمر مستحيل، فلو لم يكن هناك نشأة أخرى، تنتقل إليها، لكان ما ارتكز في طبائعها، وأودع في جبلّتها، في محبة البقاء الأبدي، والحياة السرمدية، باطلًا ضائعًا، تعالى الله عن ذلك» . فوجود الرغبة في الخلود عند الإنسان دليل على أنّ البقاء والخلود أمر قائم وممكن، ودليل على وجود عالم آخر لا بُدّ وأن يتحقق فيه، وغاية ما هناك، أنّ الرسالات السماوية ترشد الإنسان إلى أن هذه الرغبة، القابلة للتحقق وجدانًا، ليست في وارد التحقق في عالم الدنيا، وإنما في ذلك العالم آخر.
سعي الانسان نحو الخلود
إنّ الرغبة في الحياة أمرٌ فطري غريزي متجذّر في نفس الإنسان، منذ أن يفتح عينه على الدنيا، وهي رغبة مشروعة يعزّزها الدين. فلا يحقّ للإنسان شرعًا أن يختار الموت ويقتل نفسه، فالانتحار أمرٌ محرّم في كلّ الأحوال، حتى وإنْ كان على سبيل الموت الرحيم كما بات يعرف، وذلك بأن يختار المريض الذي لا يرجو الشفاء الموت على تكبّد آلام المرض طويلًا، فالبقاء على قيد الحياة قرار إلهي ينبغي أن يحترمه الإنسان. كما أنّ من النصوص الدينية ما يفيد بكراهة تمنّي الإنسان الموت.
ورد عن رسول الله أنه قال: «لا يتمنّى أحدكم الموت لضرٍّ نزل به» .
وعنه: «لا يتمنَّى أحدُكمُ الموتَ، إمّا محسِنًا فلعلَّه يَزدادُ، وإما مُسيئًا فلعلَّه يَستَعتِبُ» .
إنّ التشبّث بالبقاء على قيد الحياة أمرٌ فطري طبيعي، لذلك انطلت على أبينا آدم خدعة إبليس، ونجح في إخراجه من الجنة؛ لأنه دخل عليه من مدخل حبّه للخلود والبقاء، قال تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ﴾، فهي رغبة أصيلة متجذّرة منذ الإنسان الأول.
وما زال الإنسان في بحثٍ دائب عن تحقيق الرغبة في الخلود. ويتجلى ذلك في البحث عن سبُل إطالة عمره في هذه الحياة، فبعد أن كان معدّل أعمار البشر قصيرًا فيما سبق، دفع حبّهم للبقاء إلى تطويرهم أساليب وسبلًا تطيل أعمارهم، وكلما توفرت البيئة على سبل الرعاية الصحية المتقدمة، كان متوسط عمر الإنسان في تلك البيئة أطول من البيئات الأخرى.
إنّ متوسط أعمار الناس أنّ في الغالب 74سنة، وهكذا لا يزال البشر في سعيٍ دؤوب لإطالة أعمارهم في هذه الحياة.
هل يطول العمر مئات السنين؟
من الواضح أنّ هناك إمكانية نظرية لأن ينجح البشر في إطالة معدّل أعمارهم إلى أكثر مما هم عليه الآن، وعلى نحوٍ يمكن أن يبلغ مئات السنين. وهناك في الوقت الحاضر بعض الحالات الفردية لبشر بلغت أعمارهم سنين متقدمة، حتى إنّ أكبر معمّر موجود في الهند، بلغ عمره 179 سنة، وهو مولود في مدينة بنغلور سنة 1835، ويُعَدّ الآن أكبر معمّر مسجل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، وقد توفي جميع أبنائه وأحفاده، وهو ما يزال على قيد الحياة، وينقل عنه أنه لم يتقاعد عن العمل إلّا بعد أن بلغ 122سنة . وإن كانت هذه حالة فردية، إلّا أنّ العلماء ما يزالون في دأبٍ للوصول إلى إطالة أعمار البشر على نحوٍ يبلغون فيه المئات أو ربما الآلاف من السنين. ومع أنّ النهاية المحتومة للبشر هي الموت، كما في قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾، إلّا أنّ الإنسان لا يريد أن يذوق طعم الموت، وإنما يبحث عن البقاء والخلود.
أين تتحقق رغبة الخلود؟
إنّ الله سبحانه وتعالى، ولسابق علمه برغبة الإنسان في البقاء والخلود، تعهّد سبحانه بأن يُحقّق له هذه الرغبة في عالم الآخرة. وهذا ما تؤكّده النصوص الدينية، فقد ورد عن رسول الله أنه قال: «ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء، وإنما تنقلون من دار إلى دار» ، وبذلك، فالرغبة في الخلود لم تأتِ من فراغ، وليست شكلًا من أشكال البحث عن السراب، وإنّما هي رغبة في طور التحقق، غاية ما هناك، أنّها ستأخذ مكانها للتحقق في دار أخرى، وعلى الإنسان أن يعمل لتلك الدار الأخرى، لأنّ بقاءه في الدنيا يظلّ محدودًا مؤقتًا، غير أنّ مشكلة الإنسان هي إيثاره للحياة الدنيا، وفقًا للتوصيف القرآني، في قوله تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾.
لقد جعل سبحانه الخلود والبقاء في الحياة الآخرة، وما على الإنسان إلّا السعي بهذا الاتجاه. من أجل نيل الخلود في نعيم الآخرة، وقد ورد عن أمير المؤمنين أنه قال: «عجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء» ، وقال: «إِنَّكُمْ إِنَّما خُلِقْتُمْ لِلفَناءِ وَالتَّزَوُّدِ لِلْآخِرَةِ لا لِلْدُنيا وَالْبَقاءِ» ، كما ورد عنه أنه قال: «ينبغي لمن أيقن ببقاء الآخرة ودوامها أن يعمل لها» .
فما دام البقاء والخلود متحقّقًا في الدار الآخرة، فإنّ على المرء أن يعمل لتلك الدار، ولا يعني ذلك أن يهمل الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾، وذلك ما يشبه امتلاك الفرد رأس مال معيّن، وأمامه مهّمتان، مهمة أكثر أهمية وربحية من جميع النواحي، ومهمّة أخرى أقلّ أهمية، فإنّ من الطبيعي أن يخصص القسط الأكبر من رصيده لصالح المهمة الأكثر ربحية، دون أن يهمل الأخرى تمامًا.
من هنا، ينبغي للإنسان أن يصرف من وقته وجهده وماله واهتمامه لشؤونه في هذه الحياة الدنيا، لكن عليه في الوقت عينه أن يوفّر معظم رصيده ووقته وجهده لتلك الدار الآخرة، علمًا بأنّ ذلك لا يتنافى مع تمتع الإنسان في الحياة الدنيا. ذلك أنّ من يعمل للآخرة ليس مطلوبًا منه أن يجوع أو يعرى ويعاني في الدنيا، وإنّما يريد الله تعالى من الإنسان أن يتمتع بحياته الدنيا على أحسن وجه، على نحوٍ يأخذ مستقبله الأخروي في عين الاعتبار.
﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾[سورة الأعلى، ( 16-17).
تُعَدّ الرغبة في البقاء والخلود في الحياة مسألة غريزية متجذّرة، يشترك فيها كلّ البشر. ذلك أنّ الإنسان، بعد أن يذوق حلاوة الحياة، يقلقه هاجس الرحيل عنها، ويزعجه مجرّد التفكير في ترك الدنيا والخروج منها، هذه الرغبة في البقاء وتحاشي الموت، هي التي تحرّض الإنسان على دفع الأضرار والأخطار عن نفسه، كما تدفعه إلى التفكير فيما يخدم بقاءه في هذه الحياة.
الخلود وَهْمٌ أم حقيقة؟
وقد تساءل الفلاسفة منذ القدم، حول ما إذا كانت الرغبة في الخلود، هي رغبة وتطلّع إلى أمر وهمي، أم أنها تكشف عن سعيٍ لأمر حقيقي ممكن؟
ذهب العلماء والفلاسفة الربانيون إلى الاستدلال بوجود هذه الرغبة، على حقيقة وجود الآخرة والمعاد، فالإنسان لدية رغبة في الحياة الأبدية، والحياة الدنيا لا خلود فيها. من هنا يأتي السؤال، عن سبب إيجاد هذه الرغبة من قبل الله تعالى في نفس الإنسان؟ سيّما وأنه تعالى لم يجعل الرغبات والغرائز في نفس الإنسان اعتباطًا، بقدر ما ينبغي أن تكشف عن حقائق فعلية، وعلى الإنسان أن يفتش عن الطريق الصحيح الموصل إليها.
وتناول العالم الكبير الفيض الكاشاني، في تفسيره لوجود الرغبة في الخلود في نفس الإنسان، بقوله: «وكيف تنعدم النفس وقد جعل الله عزّ وجلّ بواجب حكمته في طبائعها محبّة الوجود والبقاء، وجعل في جبلّتها كراهة العدم والفناء، وقد ثبت وتيقّن أنّ بقاءها ودوامها في هذه النشأة الحسّية أمر مستحيل، فلو لم يكن هناك نشأة أخرى، تنتقل إليها، لكان ما ارتكز في طبائعها، وأودع في جبلّتها، في محبة البقاء الأبدي، والحياة السرمدية، باطلًا ضائعًا، تعالى الله عن ذلك» . فوجود الرغبة في الخلود عند الإنسان دليل على أنّ البقاء والخلود أمر قائم وممكن، ودليل على وجود عالم آخر لا بُدّ وأن يتحقق فيه، وغاية ما هناك، أنّ الرسالات السماوية ترشد الإنسان إلى أن هذه الرغبة، القابلة للتحقق وجدانًا، ليست في وارد التحقق في عالم الدنيا، وإنما في ذلك العالم آخر.
سعي الانسان نحو الخلود
إنّ الرغبة في الحياة أمرٌ فطري غريزي متجذّر في نفس الإنسان، منذ أن يفتح عينه على الدنيا، وهي رغبة مشروعة يعزّزها الدين. فلا يحقّ للإنسان شرعًا أن يختار الموت ويقتل نفسه، فالانتحار أمرٌ محرّم في كلّ الأحوال، حتى وإنْ كان على سبيل الموت الرحيم كما بات يعرف، وذلك بأن يختار المريض الذي لا يرجو الشفاء الموت على تكبّد آلام المرض طويلًا، فالبقاء على قيد الحياة قرار إلهي ينبغي أن يحترمه الإنسان. كما أنّ من النصوص الدينية ما يفيد بكراهة تمنّي الإنسان الموت.
ورد عن رسول الله أنه قال: «لا يتمنّى أحدكم الموت لضرٍّ نزل به» .
وعنه: «لا يتمنَّى أحدُكمُ الموتَ، إمّا محسِنًا فلعلَّه يَزدادُ، وإما مُسيئًا فلعلَّه يَستَعتِبُ» .
إنّ التشبّث بالبقاء على قيد الحياة أمرٌ فطري طبيعي، لذلك انطلت على أبينا آدم خدعة إبليس، ونجح في إخراجه من الجنة؛ لأنه دخل عليه من مدخل حبّه للخلود والبقاء، قال تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ﴾، فهي رغبة أصيلة متجذّرة منذ الإنسان الأول.
وما زال الإنسان في بحثٍ دائب عن تحقيق الرغبة في الخلود. ويتجلى ذلك في البحث عن سبُل إطالة عمره في هذه الحياة، فبعد أن كان معدّل أعمار البشر قصيرًا فيما سبق، دفع حبّهم للبقاء إلى تطويرهم أساليب وسبلًا تطيل أعمارهم، وكلما توفرت البيئة على سبل الرعاية الصحية المتقدمة، كان متوسط عمر الإنسان في تلك البيئة أطول من البيئات الأخرى.
إنّ متوسط أعمار الناس أنّ في الغالب 74سنة، وهكذا لا يزال البشر في سعيٍ دؤوب لإطالة أعمارهم في هذه الحياة.
هل يطول العمر مئات السنين؟
من الواضح أنّ هناك إمكانية نظرية لأن ينجح البشر في إطالة معدّل أعمارهم إلى أكثر مما هم عليه الآن، وعلى نحوٍ يمكن أن يبلغ مئات السنين. وهناك في الوقت الحاضر بعض الحالات الفردية لبشر بلغت أعمارهم سنين متقدمة، حتى إنّ أكبر معمّر موجود في الهند، بلغ عمره 179 سنة، وهو مولود في مدينة بنغلور سنة 1835، ويُعَدّ الآن أكبر معمّر مسجل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، وقد توفي جميع أبنائه وأحفاده، وهو ما يزال على قيد الحياة، وينقل عنه أنه لم يتقاعد عن العمل إلّا بعد أن بلغ 122سنة . وإن كانت هذه حالة فردية، إلّا أنّ العلماء ما يزالون في دأبٍ للوصول إلى إطالة أعمار البشر على نحوٍ يبلغون فيه المئات أو ربما الآلاف من السنين. ومع أنّ النهاية المحتومة للبشر هي الموت، كما في قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾، إلّا أنّ الإنسان لا يريد أن يذوق طعم الموت، وإنما يبحث عن البقاء والخلود.
أين تتحقق رغبة الخلود؟
إنّ الله سبحانه وتعالى، ولسابق علمه برغبة الإنسان في البقاء والخلود، تعهّد سبحانه بأن يُحقّق له هذه الرغبة في عالم الآخرة. وهذا ما تؤكّده النصوص الدينية، فقد ورد عن رسول الله أنه قال: «ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء، وإنما تنقلون من دار إلى دار» ، وبذلك، فالرغبة في الخلود لم تأتِ من فراغ، وليست شكلًا من أشكال البحث عن السراب، وإنّما هي رغبة في طور التحقق، غاية ما هناك، أنّها ستأخذ مكانها للتحقق في دار أخرى، وعلى الإنسان أن يعمل لتلك الدار الأخرى، لأنّ بقاءه في الدنيا يظلّ محدودًا مؤقتًا، غير أنّ مشكلة الإنسان هي إيثاره للحياة الدنيا، وفقًا للتوصيف القرآني، في قوله تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾.
لقد جعل سبحانه الخلود والبقاء في الحياة الآخرة، وما على الإنسان إلّا السعي بهذا الاتجاه. من أجل نيل الخلود في نعيم الآخرة، وقد ورد عن أمير المؤمنين أنه قال: «عجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء» ، وقال: «إِنَّكُمْ إِنَّما خُلِقْتُمْ لِلفَناءِ وَالتَّزَوُّدِ لِلْآخِرَةِ لا لِلْدُنيا وَالْبَقاءِ» ، كما ورد عنه أنه قال: «ينبغي لمن أيقن ببقاء الآخرة ودوامها أن يعمل لها» .
فما دام البقاء والخلود متحقّقًا في الدار الآخرة، فإنّ على المرء أن يعمل لتلك الدار، ولا يعني ذلك أن يهمل الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾، وذلك ما يشبه امتلاك الفرد رأس مال معيّن، وأمامه مهّمتان، مهمة أكثر أهمية وربحية من جميع النواحي، ومهمّة أخرى أقلّ أهمية، فإنّ من الطبيعي أن يخصص القسط الأكبر من رصيده لصالح المهمة الأكثر ربحية، دون أن يهمل الأخرى تمامًا.
من هنا، ينبغي للإنسان أن يصرف من وقته وجهده وماله واهتمامه لشؤونه في هذه الحياة الدنيا، لكن عليه في الوقت عينه أن يوفّر معظم رصيده ووقته وجهده لتلك الدار الآخرة، علمًا بأنّ ذلك لا يتنافى مع تمتع الإنسان في الحياة الدنيا. ذلك أنّ من يعمل للآخرة ليس مطلوبًا منه أن يجوع أو يعرى ويعاني في الدنيا، وإنّما يريد الله تعالى من الإنسان أن يتمتع بحياته الدنيا على أحسن وجه، على نحوٍ يأخذ مستقبله الأخروي في عين الاعتبار.