بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وال محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
امير المؤمنين عليه افضل التحية والسلام هو أقرب الناس إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وأخصُّهم به، نشأ في حجره، يتَّبعه اتِّباع الصبي لأمِّه وأبيه، يتلقى منه مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ومفاتح العلوم وأسرار الحياة وفلسفتها.
فإذا قال أهل العلم بالحديث كأحمد بن حنبل وغيره: "إنَّه لم يرد في الصحاح والحسان لأحد من الصحابة ما ورد لعليٍّ"1، فإنَّما يقرّون حقيقة شاهدها تأريخ صدر الإسلام كلِّه، من هنا حقَّ لبعض أهل العلم القول: إنَّ الحديث عن مناقب عليٍّ لا يعدو أن يكون نافلة وفضولاً، تماماً كالحديث عن نور الشمس2.
ولهذا سنقصر مادة هذا الدرس على باقة صغيرة ممَّا جاء في حقِّه عليه السلام في القرآن .
علي والقرآن الكريم
1- نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
عليٌّ أحد المدعوّين في مباهلة وفد نصارى نجران، إذ قال عزَّ من قائل: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾3. أولئك هم الذين اصطفاهم الله وانتخبهم رسول الله: عليٌّ وفاطمة والحسنان عليهما السلام، بهم خلَّد التأريخ حدثاً عظيماً يعدُّ إحدى معاجز الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
وأجمع المفسِّرون على أنَّ المقصود من (أنفسنا) نفس محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونفس عليٍّ عليه السلام4.
2- عليٌّ عليه السلام من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخاصَّته:
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليٌّ وفاطمة والحسنان عليهما السلام هم المدعوون بأصحاب الكساء الخمسة، والمشار إليهم بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً﴾5.
نزل الروح الأمين بهذه الآية المباركة، حينما جلَّل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً عليهم السلام بكساءٍ حبري، وغشَّاهم به، ثُمَّ أخرج يديه المباركتين فألوى بهما إلى السماء، ثُمَّ قال: "اللَّهمَّ هؤلاء أهل بيتي وخاصَّتي، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً"6.
3- القرآن الكريم يأمر بالصلاة على آل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:
ولمَّا كان الإمام عليٌّ عليه السلام من أهل بيت محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم فله شأن في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾7. وممَّا لا ريب فيه كانت هذه " الصلاة" من الواجبات في حال التشهد، لما ثبت بالتواتر حينما سألوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: كيف نصلِّي عليك يا رسول الله؟ فقال: "قولوا: اللَّهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمدٍ، كما صلَّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وآل محمدٍ كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم"8.
وفي هذا الشأن أنشد الشافعي أبياته الشهيرة التي أوّلها:9
يا أهل بيت رسـول الله حبُّكـمُ***فـرضٌ من الله في القـرآن أنزله
كفاكــمُ من عظيـم الشأن أنَّكمُ***مَنْ لم يُصلِّ عليكم لا صلاة له
4- عليّ عليه السلام يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله:
تخلَّف عليٌّ عليه السلام يوم الهجرة ليبيت في فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويصرف الأعداء عنه، ويؤدِّي الأمانات إلى أهلها، حتّى تكتمل رسالة الإسلام المحمَّدية، فنزل فيه قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾10.
5- عليٌّ عليه السلام وسورة الدهر:
لم يختلف أهل التفسير على أنَّ سورة "الانسان" أو "هل أتى" نزلت خاصَّةً في عليٍّ وأهل بيته عليهم السلام11، في قصَّة التصدُّق على المسكين واليتيم والأسير، ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ... إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورً﴾12.
6- بعليٍّ كفى الله المؤمنين القتال:
في استبساله يوم وقعة الأحزاب قيل: إنَّ الآية المباركة: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾13 نزلت في الإمام عليٍّ عليه السلام. حتى أنَّ ابن مسعود كان يقرأ الآية: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ بعليٍّ بن أبي طالب14.
1- انظر: المستدرك على الصحيحين 3: 107 ـ 108، الاستيعاب 3: 51، تاريخ الخلفاء: 133.
2- فضائل الإمام عليّ: 28.
3- سورة آل عمران، الآية 61.
4- انظر: معالم التنزيل البغوي 1: 480، الكشَّاف، الزمخشري 1: 370، أسباب النزول، الواحدي: 74 ـ 75، دار ومكتبة الهلال بيروت 1991م، صحيح مسلم 4: 1871، 32 ـ 2404، سنن الترمذي 5: 638، 3724، سير أعلام النبلاء ( سيرة الخلفاء الراشدين ): 230.
5- سورة الأحزاب: 33.
6- من مصادر حديث الكساء: تفسير الرازي 8: 80، أسباب النزول: 252، مسند أحمد 4: 107 و6: 292، 304، صحيح مسلم ـ كتاب فضائل الصحابة 4: 1883، 2424، مصابيح السُنَّة 4: 183، 4796، المستدرك 2,416 و3: 148، سير أعلام النبلاء 3: 283، الصواعق المحرقة، باب 11 الفصل1: 143، الخصائص: 4، شواهد التنزيل 2: 92، 637 ـ 774، أسد الغابة 4: 29، الخصائص الكبرى للسيوطي 2: 464، مجمع الزوائد 9: 167، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9: 61، 6937.
7- سورة الأحزاب، الآية 56.
8- صحيح البخاري 6: 217، 291، الترمذي 5: 359، 322.
9- الصواعق المحرقة، باب 11، فصل ج1، ص 148.
10- سورة البقرة: 207، وانظر التفسير الكبير 5: 204.
11- أنظر: الكشَّاف 4: 670، تفسير الرازي 30: 243، فتح الباري، الشوكاني 5: 349، روح المعاني 29: 157 ـ 158، معالم التنزيل 5: 498، تفسير أبي السعود 9: 73، تفسير البيضاوي 2: 552، تفسير النسفي 3: 628، أسباب النزول: 322.
12- سورة الإنسان، الآيتان 11 و22.
13- أنظر: دلائل الصدق 2: 174، ما نزل من القرآن في عليٍّ، أبو نعيم: 172، تحقيق المحمودي.
14- سورة الأحزاب، الآية 25.
----------------------------------------------
* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.