إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أهم القواعد التربوية في القرآن الكريم وعند البشر

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أهم القواعد التربوية في القرآن الكريم وعند البشر




    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صلِ على محمد و آل محمد


    كل واحد منا يريد أن يرد الآخرة وهو غني بعمله. إن من أفضل القربات إلى الله عزوجل بعد إتقان العبادات الفردية؛ الأخذ بأيدي التائهين والضائعين والمنحرفين عن الله عز وجل. فلا يعقل أن لا تجد في المحيط الذي تعيش فيه من المجتمع والأسرة والأرحام منحرفا يحتاج إلى إرشاد وهداية.

    وقمة المصيبة أن يبتلى الإنسان بذرية لا تكون على الطريق المستقيم. فقد شكت لي إحدى الأمهات ولدها الذي اكتشفت مؤخرا أنه أصبح يميل إلى الإلحاد. وماذا بإمكان هذه الوالدة أن تصنع لولدها؟ فالمرء يحتمل الفسق ولكن أن يصل الأمر بالولد حتى ينكر المبدأ والمعاد فهو أمر عظيم. ووسائل التواصل أو قل: الوسواس الخناس من البشر وغيرها تكفي الإنسان أن يسهر عليها ليلة واحدة يقضيها في موقع إباحي أو آخر إلحادي – فالإباحيات في مسائل المنكر والإلحاديات في مسائل العقائد – حتى تسلب منه دينه.

    الابتلاء في الذرية
    والجميع معرض لهذه الابتلاءات ولابد أن نكون جميعنا مصداقا لقوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)

    فأول ما ينبغي القيام به قبل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الدعوة إلى الخير. إن الآباء في كثير من الأحايين لا يتدخلون في شئون الأبناء إلا بعد ما يرون منهم منكرا والحال أن الآية تقول: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ). إنما عليك أن تربي ولدك حتى يكون لك قرة عين لا مصليا صائما فحسب. ولذلك لو سألك أحدهم وقال لك: ما رأيك بفلان فإني أريد أن أنكحه ابنتي أو أشاركه في مالي؟ فلو قلت له: إنه مؤمن. لقال لك: ما دليل إيمانه؟ فهل كان يكفي مقياسا للإيمان أنه من المصلين الصائمين؟

    اجعل أبنائك قرة أعين لك في الدنيا والعقبى
    إن الذي نريده من ذرياتنا أي يكونوا قرة أعين لنا. والولد البار هو الذي يرسل لك الصدقات من بعد موتك وهو الذي يحيي ذكرك في الآخرة. وهنيئا لمن يخرج من قبره يوم القيامة وله نقص في الحسنات أو له مشكلة في المحشر؛ وإذا بولده يقول: يا أبتاه..! قر عيناً فأنا سأعطيك من حسناتي وأنا سأشفع لك. وشفاعة الأب لولده والولد لوالده أمر واقع في عرصات القيامة؛ فالمؤمن يشفع كقبيلتي ربيعة ومضر – كناية عن الكثرة – وإذا كان المؤمن يشفع للقبائل فكيف بأبويه مثلا وولده؟

    ولكن كيف نصل إلى هذه المرحلة التي يكون فيها أبنائنا قرة أعين لنا؟ إن هذه الأيام قد انتشرت الكتب والمقالات وعقدت الدورات المختلفة في فن القيادة والسيطرة والتوحية والتربية وما شابه ذلك وهي أمور لا نبخسها حقها إلا أننا لدنيا مصدر ذلك وهو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

    لا بد أن تكون شخصيتك مؤثرة
    إننا نريد أن نكون مؤثرين أو كما يعبر عنه اليوم أن تكون لدينا كاريزما أو هيئة مؤثرة أو أسلوب لبق وهذه هي الصفات التي يتميز بها القادة. فهل رأيتم قائدا يتأتئ في كلامه مثلا؟ أو هل رأيتم قائدا مبغوضا وهل يصبح الرجل قائدا جماهيريا إلا لأنه محبوب عند الناس ولو بالباطل فليس كلامنا عن الحق فحسب؟ فقد يترأس البعض بحق والبعض الآخر بالباطل. والتاريخ مليئ بهذه النماذج، وآخرهم من قاد الحربين العالميتين. كان الملايين يفدون أنفسهم لبعض هؤلاء الطواغيت والفراعنة والقياصرة الذين مضوا وإني لأعجب كيف يبخلون بأنفسهم في طريق الحق وهي رخيصة عندهم في طريق الباطل. إن الله سبحانه يقول: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) ؛ فكل هذه الرئاسات الدنيوية لا قيمة لها فسيأتي يوم على الأرض تكون فيه قاعا صفصفا؛ حيث لا حضارة ولا مدن ولا أي شيء آخر.

    ولكن كيف نصل إلى هذه الشخصية المؤثرة بنظر الله عز وجل؟
    كيف نكتسب التأثير الإلهي المسدد؟ إن هناك آية في القرآن الكريم وهي من الآيات التي يحفظها الكثير منا لكثرة ما نمر علهيا وهي متعلقة بالنبي موسى (ع) كليم الله عز وجل. وللنبي موسى (ع) خصوصياته؛ حيث كان من الأنبياء المدللين. إن الله سبحانه يسأله: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى)؟ فيطيل في الكلام، ويطلب من الله سبحانه أن يجعل أخاه هارون وزيرا وأن يشدد به أزره فهو يقترح على الله عز وجل وإلى آخر ذلك ولهذه النبي عوالم. إن الله سبحانه يتحدث عن هذا النبي (ع) فيقول: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي).

    المحبة أولا
    تأمل في هاتين الجملتين؛ فإن تأملت فيهما جيدا فمن الممكن أن تغيران مجرى حياتك. يقول سبحانه اولاً: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً). إن بعض الأزواج غاية أمنيته أن تحبه زوجته وغاية المنى عند النساء أن يحبها زوجها ويعشقها ولكن لهذا الحب حدود. إن الله سبحانه يقول: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[٤] إلى درجة لا تكون هذه المحبةعلى حساب طاعة الله عزوجل؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. إن حبك للزوجة في محله ولكن أن تأمرك بالإسراف والتبذير فهذا مما لا يقبل منها بل عليك أن تقول لها: قفي مكانك..! هذا ليس مجالك فهذا حكم الله عز وجل. أو امرأة سافرة تعاند زوجها فليس هذا من مصاديق الحب أن تسكت عليها وليست سافرة فحسب؛ بل متهاونة في حجابها تخرج بزينتها وهنا لا بد وأن ترفع صوتك عليها وتنهاها عن المنكر. لا تجعل حبك الزوجي مانعاً من نهيها عن المنكر.

    المحبة الإلهية
    إن الزوجين يبحثان عن المحبة ولكن المؤمن بالإضافة إلى ذلك يريد أن تكون هذه المحبة من ربه، وهو قوله تعالى: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي). إن حب الزوجة والأولاد ورب العمل والخلق لهم لا يغنيك من الله شيئا؛ فإن كنت شاكا في محبة الله عز وجل لك أو في رضاه عنك أو استعدادك للموت أو في أن الآخرة خير لك من الدنيا فحول الشك إلى اليقين. إن هذه الشكوك مزعجة ومخيفة؛ فابدأ قبل الموت ولو بيوم أو بساعة حتى تصل إلى هذه النقطة. وهنيئا لمن يسلم نفسه لله عزوجل وهو راض عنه.

    إن الله سبحانه يقول في بعض الروايات: (مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ مَا تَرَدَّدْتُ فِي قَبْضِ نَفْسِ اَلْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ اَلْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)[٥] ومع أن الموت خير له ولكن الله سبحانه يراعي عبده المؤمن إلى هذه الدرجة. ولو وصلت إلى درجة تكون فيها مصداق قوله سبحانه: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) فلا تخشى عندها لو وقعت في أحضان فرعون الذي يقتل الرضع فإنه سوف يحتضنك ويقبلك ويضعك على صدره. هذه الجملة الأولى اجعلها في زاوية من زوايا البال.

    الصناعة الربانية

    وأما الجملة الثانية فهي قوله تعالى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي). فتارة لا يهم الإنسان في أي المصانع يصنع؛ أ في مصنع التقوى أم غيره؟ وإنما ما يهمه هو تكديس الأموال؛ فلا هم له في بلوغ الدرجات العليا وهذا الذي نستثيه من حديثنا فهو كدودة القز التي كلما تنسج تزداد اختناقا. وكما روي عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: (مَثَلُ اَلدُّنْيَا كَمَثَلِ مَاءِ اَلْبَحْرِ كُلَّمَا شَرِبَ مِنْهُ اَلْعَطْشَانُ اِزْدَادَ عَطَشاً حَتَّى يَقْتُلَهُ)

    . وإنما حديثنا مع المؤمن الهادف الذي يسعى للوصول إلى الدرجات العلى. إن البعض من المؤمنين يقرأ الكتب الأخلاقية ويواظب على صلاة الليل ويواظب على الحضور في المسجد إلا أن إيمانه ليس على ما يرام فهو مع ذلك يغتاب بين وقت وآخر من دون أن يرى لصلاة الليل أثر. أو يغتاب من خلفه في صفوف الصلاة وهو بين الفريضتين ولا أثر لصلاة الجماعة عليه. فأين تكمن المشكلة؟

    المشكلة في أنه لم يصنع على عينه. لقد اكتفى بالخطب والزيارات وهي أمور بالطبع لا تغني عن قوله: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)؛ فالذي تتقاذفه الأمواج عليه أن يموت والذي يقع بيد قاتل الرضع فرعون عليه أن يموت ولكن موسى (ع) يتجاوز كل ذلك ليصبح نبيا كليما. ومن أراد أن يكون مؤثراً أو عالماً أو خطيباً أو مجتهداً أو زعيماً سياسياً أو رب أسرة – وكلنا بدءا برب الأسرة وانتهاء بقائد الأمة نحتاج الى هذا المدد – لا بد وأن تكون هاتين الجملتين نصب عينيه: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) . وإن كانت القواعد المذكورة في بطون الكتب هذه الأيام قواعد لا بأس بها إلا أن هذه الآية هي العماد والعمود في هذا الشأن.

    التدخل في قلوب العباد
    ومن القواعد أن تطلب من الله عزوجل التدخل في نفوس العباد بما يوافق مزاجك. فإن كنت تريد زوجة مطيعة أو ولداً باراً أو شعباً مطيعاً فعليك بهذه الآية التي قد بحثت فيها إجمالا وهي من الآيات المبهرة والعجيبة وهي قوله سبحانه: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)

    هل فكرت في هذه الآية؟ أنت تريد رئة سليمة ولكن الله عزوجل يسلط عليك مرض السل. أنت تريد قلباً نقياً ولكن يجعل في العروق الرواسب. أنت تريد مخاً فعالاً فتصاب بسكتة في الدماغ. إن رب العالمين يحول بينك وبين ما تريد في عالم الأبدان وكذلك في عالم الأرواح فإن يده مبسوطة. فإن كان ولدك يميل إلى المنكر وقلبه يحب الحرام قل عندما تعظه: يا رب حل بينه وبين قلبه، وزين الإيمان في قلبه. فالكلام منك والتأثير من الله عزوجل كما يقول الطبيب المؤمن: الدواء منا والشفاء عند الله. ولهذا فإن المربي الصالح لا يحتاج أن يرفع صوته أو أن يرفع العصى أو يقاطع أو يضرب ويسب ويشتم وإنما يكفي أن يتكلم مع زوجته كلمتين فيحول الله بينه وبين قلبها .

    القواعد البشرية في التربية
    ولا بأس في أن نذكر بعض القواعد البشرية بعد ذكرنا لهذه الآيات المباركة ونجمع بين عالم الغيب والشهادة. وهذا الذي أقوله هو ملخص الكتب تقريبا في هذا المجال. من القواعد أن تكون مبشراً ومتفائلا وأن تجعل طاقة إيجابية في من تقابله وتعاشره. فإن رأيت ولدك فاشلاً في الدراسة؛ ابعث فيه الأمل وامدده بالطاقة. قل: أنت قادر على ذلك. رحم الله صاحب الميزان هذا المفسر العملاق والفيلسوف الكبير. قبل وفاته بفترة تشرفنا بلقائه فقال لي: يا فلان…! لقد كنت في أول طلب العلم لا أستوعب دروس الحوزة – من أصبح فيما بعد مفسراً وفيلسوفاً وفقيهاً يقول أنه في بداية حياته لم يكن يفهم دروس الحوزة – وولم أكن أدري ما السبب في ذلك فإما ضعف في القابلية؛ أي لست ذكيا وإما كنت لا أهتم بالدرس وعلى الأرجح كنت لا أهتم بالدرس ولم أكن أميل للدراسة، فماذا صنع؟

    يقول: ذهبت إلى خلوة صليت فيها ركعتين – وهو شاب في مقتبل العمر – وقلت: يا رب..! أصلح أمري. ومن بعد الركعتين انقلب الأمر تماما وصار عالماً لهو وزنه بين العلماء. فكما أن رب العالمين يبعث الأمل في القلوب كذلك كن أنت، وابعث الأمل في قلبه ولقنه ما فيه صلاح أمره.

    الإلمام بعلمي النفس والاجتماع
    إن المعرفة النظرية والإلمام بشيء من قواعد التربية أمر مهم. فكيف يقوم الجاهل بقواعد التربية على تربية الآخرين. إن الانسان غير مطالب بدراسة الفيزياء والكيمياء والطب؛ فهذه التخصصات لها أهلها؛ ولكن ينبغي أن يطلع إجمالا على علمين هما: علم النفس وعلم الاجتماع. فأما علم النفس فلكي تؤثر على نفسك وغيرك، وأما علم الأجتماع فلكي تعرف من خلاله تركيبة المجتمع. ولا أقول: أن علومهم كلها مجدية؛ فخذ دورة سريعة لتنتفع ببعض القواعد في هذين العلمين فتفيدك في الدعوة إلى الله عزوجل وفي إدارة مشاريعك.

    الاهتمام بقصص السلف
    ومن قواعد التربية الاهتمام بقصص السلف. إنني أعرف أحد العلماء الموجودين وهو من كبار العلماء والخطباء وقد قل نظيره في التأثير. وقد تأملت في سر تأثيره وقوة كلمته واكتشفت أنه يملكه مخزوناً هائلا من قصص السلف من العلماء وغيرهم، وما من قضية إلا وله شاهد من حياة العلماء وغيرهم. فتارة: تقول كلاماً نظريا ومرة تأتي بشاهد من حياة السلف فعند ذلك يتضاعف التأثير.

    وأخيرا؛ ماذا نعمل لكي نكون من المؤثرين؟
    لا بد وأن يكون لك هم إصلاح المجتمع. إن البعض همه نفسه، والبعض همه الأمة يفكر أي فراغ يملأه؛ لا في بلده ولا في وطنه فحسب؛ بل على صعيد العالم اللإسلامي. فهلا تسائلت كيف انتشر الإسلام في شرق آسيا وفي أدغال أفريقيا؟ إنه تم بفعل بعض الصالحين. وهنالك مقبرة لمؤسس الإسلام في شرق آسيا، والذي كان تاجرا. كان يتاجر وفي قلبه هم الدعوة وقد اهتدى آلاف البشر على يده؛ أعني عبر الأجيال المتعاقبة. فارفع من مستوى طموحك ولا يكن همك بيتك وإنما اجعل همك الإسلام والمسلمين. هنيئا لمن خرج من هذه الدنيا وقد غير مجرى أمة أو شعب أو جماعة أو فئة أو منطقة أو عائلته أو نفسه . سل الله عزوجل أن يعينك على ذلك وقل في صلواتك وفي سجودك: اللهم أجر الخير على أيدينا لعبادك المؤمنين.

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X