تويت
بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.[1]
﴿مٰا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهٰا﴾، النسخ هو الإلغاء أو الإزالة والنّقل.
وهذه الآية الشريفة جاءت في مقام الردّ على اليهود حيث طعنوا في أن النبيّ يقول بنسخ شريعته لكل شريعة سبقتها. فالله تعالى يصدّق قول رسوله (صلى الله عليه وآله)، وتصديقه رد لاعتراضهم. و «ما» مفعول لننسخ وقد جزمته شرطا.
وقوله ننسها، إما من النّسء بالهمز، أي التأخير، أو من الإنساء (مصدر أنسي: ينسى) بمعنى إذهابها عن القلوب ومحوها منها. ونسخ الآية يكون إمّا برفع التقيّد بقراءتها، أو برفع الحكم المستفاد منها، أو هما معا.
فالمتحصّل أن كلّ آية نرفع حكمها أو نمحوها من الأذهان بحيث كأنها لم تكن نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهٰا للعباد في أمور دينهم ودنياهم أَوْ مِثْلِهٰا فلا يفوتهم شيء بسبب النسخ ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اَللهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ والخطاب هنا للنبيّ (صلى الله عليه وآله) والمراد به الأمة. أي اعلموا أنه تعالى يقدر على النسخ والتبديل والإتيان بما هو خير مما كان لمصالح العباد ومنافعهم.
قد تكاثرت روايات الفريقين عن النبي (صلى الله عليه وآله) والصحابة وعن أئمة أهل البيت (عليهم السلام): أن في القرآن ناسخا ومنسوخا.
وقد ورد عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ((نَسَخَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّٰ وٰارِدُهٰا﴾ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اَلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا اَلْحُسْنىٰ أُولٰئِكَ عَنْهٰا مُبْعَدُونَ﴾)).[2]
وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اَللهِ ﴿اِتَّقُوا اَللهَ حَقَّ تُقٰاتِهِ﴾ قَالَ: ((مَنْسُوخَةٌ قُلْتُ: ومَا نَسَخَتْهَا قَالَ: قَوْلُ اَللهِ: ﴿فَاتَّقُوا اَللهَ مَا اِسْتَطَعْتُمْ﴾)).[3]
وفي الدر المنثور، للسيوطي، قال: أخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة قال: (كانت الآية تنسخ الآية - وكان نبي الله يقرأ الآية والسورة وما شاء الله من السورة - ثم ترفع فينسيها الله نبيه فقال الله: يقص على نبيه ﴿مٰا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهٰا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهٰا﴾، يقول: فيها تخفيف، فيها رخصة، فيها أمر، فيها نهي).[4]
واَلْعَيَّاشِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ اَلسُّلَمِيِّ: أَنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مَرَّ عَلَى قَاضٍ فَقَالَ: ((أَتَعْرِفُ اَلنَّاسِخَ مِنَ اَلْمَنْسُوخِ قَالَ لاَ فَقَالَ هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ تَأْوِيلُ كُلِّ حَرْفٍ مِنَ اَلْقُرْآنِ عَلَى وُجُوهٍ)).[5]
ذكروا للنسخ في القرآن أنحاء ثلاثة:
أ- نسخ الحكم والتلاوة معا بحيث يرتفع لفظها وحكمها، وهو موجود أيضا في أخبار الآحاد وهو ما روي عن عائشة أنها قالت: كان فيما أنزل الله سبحانه (عشر رضعات يحرمن) فنسخ بخمس.
ب- نسخ التلاوة دون الحكم أي يرتفع لفظها ويبقى حكمها، ومثاله ما روي أن من جملة القرآن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فنسخت تلاوة ذلك وهو غير مقطوع به، لأنه من جهة خبر الآحاد.
ج- نسخ الحكم دون التلاوة أي تتلی ولكن لا يؤخذ بظاهرها بعد النسخ والعمل بعض الوقت، كنسخ الاعتداد بالحول، وتقديم الصدقة أمام المناجاة.
قال الشيخ محمد جواد مغنية: (والقسم الأول والثاني لا وجود لهما لأنهما يستلزمان النقصان وتحريف القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والقسم الثالث هو الجائز والثابت أيضا وعليه أكثر المسلمين وجمهور المفسرين وفيه كتب خاصة).[6]
وإنما خالف في ذلك اليهود فمنهم من يأباه عقلا، ويزعم أنه بداء، ومنهم من يأباه سمعا لخبر زعموا أنه من موسى (عليه السلام)، وفيهم أيضا من يجوّز النسخ، وعندنا: الشرائع مصالح، فلا يمتنع أن تختلف بالأزمنة والأمكنة والمكلفين، والفرق بين البداء والنسخ مذكور في كتب الكلام.
[1] سورة البقرة، الآية: 106.
[2] بحار الأنوار، ج 8، ص 306.
[3] تفسير العياشي، ج 1، ص 194.
[4] الدر المنثور في التفسير بالمأثور، الآية 106 من سورة البقرة.
[5] وسائل الشيعة، ج 27، ص 202.
[6] التفسير الكاشف، ج 1، ص 169.