بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم
السلام عليك ياابا عبد الله الحسين وعلى الارواح التي حلت بفنائك
مهما اختلف الناس في الآراء والمعتقدات، وفي الأذواق والرغبات، فإن الحقائق الإنسانية تفرض نفسها على العموم، ويعترفون بها من حيث يريدون أو لا يريدون، لأنها تنبع من فطرة الإنسان وضميره من حيث هو إنسان، ولا يختلف فيها اثنان على وجه الأرض، وأيّ عاقل يجادل في الثورة على الظلم والجور، والتضحية في سبيل الحرية والعدل والمساواة؟ وهل يتجنّس الحق والخير والجمال بدين أو بمذهب، أو يتحول الإنسان عن طبيعته إلى طبيعة ثانية إذا هو دان بالإسلام أو المسيحية؟ وأي شعب لا يقدّس الأبطال والشهداء ملحداً كان أو مؤمناً، جاهلاً أو متعلماً؟.اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم
السلام عليك ياابا عبد الله الحسين وعلى الارواح التي حلت بفنائك
إن القضايا الإنسانية الفطرية مشاعة بين الناس، كل الناس، تثبت نفسها بنفسها، وبها يستدل على الحق، ولا يستدل عليها بشيء لأنها تحمل في طبيعتها السبب الكافي لصدقها، وكل القياسات النظرية تنتهي إليها وإلا بقي العلم والمعرفة طيّ الكتمان والعدم.
حافظ إبراهيم خير الله
الأستاذ حافظ إبراهيم خير الله صحفي لامع وشهير، وهو مسيحي أرثوذكسي لبناني، مستقيم الرأي، وراسخ العقيدة بلا جمود وتعصّب، ينظر إلى الأديان بالكامل على أنها وسيلة إلى هدف واحد، هو هدي البشر وإسعاده، وبثّ روح الفضيلة بين أفراده، ولكن كما قال "عنده عقدة نفسيّة تعود إلى أنه لم يعرف القدس وبيت لحم والناصرة"، وهو يتوق إلى هذه الأماكن وزيارتها، ولا يجد إليها مذهباً ما دام الصهاينة يدنّسون ترابها بأقدامهم.
وأخيراً، اهتدى الطريق، وعزم أن يردّ لهفته ويشبع رغبته بزيارة الحرم الحسيني في كربلاء، والحرم العلوي في النجف، وحين رآهما اجتاحت نفسه انفعالات عارمة، سجلها في مقال جذّاب أخّاذ، يضع القارىء في نفس الجو والمناخ، ويريه الصورة الواقعية، ويثير في نفسه كل ما اختلج في قلب الكاتب وأحشائه تماماً كما لو كان إلى جنبه يرى ما رأى، ويسمع ما سمع.. ونشر هذا المقال في مجلة الحوادث، تاريخ:5/9/1975، وفيه من جملة ما فيه:
"الرعشة لا بدّ منها.. إطلال مآذن كربلاء عليّ من بعيد.. والمقبل إلى العتبات المقدسة في العراق يرتعش لأنه مكان محجته.. دخلت إلى مقام الحسين فصعقت وذهلت.. هو ذا من استشهد فأصبح رمزاً للانتفاض على الظلم، هو ذا من استشهد في سبيل العدل وترك الملايين تتطلّع إليه مثالاً للإنسان الذي أفنى جسده في سبيل الكمال البشري.. المسألة لم تعد تتحمّل علامات استفهام.. بعد ربع ساعة وجدت نفسي أبكي ثم أبكي ثم أبكي".
وأنا، حفظك الله يا خير الله، لم أملك عبرتي حين قرأت لك هذه الكلمات الدامية الثائرة، وأحسب أني واحد من عشرات البواكي على بكائك، ومن قرّائك.
وكل النباتات لها جذور وجذوع، ولكنها لا تزهر وتثمر إلا أن يعمّها الغيث كما قال سبحانه: {وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوجٍ بهيج} [الحج:5]. ورؤية الشهيد ومرقده غيث يحيي النفس وما يكمن في أعماقها من قوة وشجاعة لا تهاب أحداً غير الله، ومن حبّ وتقدير لكل مناضل ومجاهد، ومن كراهية لكل طاغية وخائن، وإذن فلا بد أن يتعظ مسيحي متدين بحرم الحسين ويريق الدمع على مرقده ويقول ما قال الأستاذ الحافظ: "كل من جاء إلى هنا جاء لتحسين مرآة الضمير والوجدان في نفسه".