دروس في مسائل الأحوال الشخصية
الدرس الخامس
الولاية في الزواج
للمحامية
ندى جواد النوري
الدرس الخامس
الولاية في الزواج
للمحامية
ندى جواد النوري
الولاية في الزواج سلطة شرعية جُعلت للكامل على المولّى عليه ؛ لنقص فيه ورجوع مصلحة إليه . ويقع الكلام في أمور اهمها:
البالغة الراشدة :
قال الشافعية والمالكية والحنابلة : ينفرد الولي بزواج البالغة الراشدة إذا كانت بكراً أمّا إذا كانت ثيباً وهو شريك لها في الزواج ، لا ينفرد دونها ولا تنفرد دونه ، ويجب أن يتولى هو إنشاء العقد ، ولا ينعقد بعبارات المرأة قط ، وإن كان لا بدّ مِن رضاها .
وقال الحنفية : للبالغة العاقلة أن تنفرد باختيار الزواج ، وأن تُنشئ العقد بنفسها بكراً كانت أو ثيباً ، وليس لأحد عليها ولاية ولا حق الاعتراض ، على شريطة أن تختار الكفؤ ، وأن لا تتزوج بأقلّ مِن مهر المثل ، فإن تزوجتْ بغير الكفؤ يحق للولي أن يعترض ، ويطلب مِن القاضي فسخ الزواج ، وإن تزوجتْ بالكفؤ على أقلّ مِن مهر المثل ، يطلب الفسخ إذا لَم يتمم الزوج مهر المثل[1].
وقال أكثر الإمامية : إنّ البالغة الرشيدة تملك ببلوغها ورشدها جميع التصرفات مِن العقود وغيرها حتى الزواج بكراً كانت أو ثيباً ، فيصحّ أن تعقد لنفسها ولغيرها مباشرة وتوكيلاً إيجاباً وقبولاً ، سواء أكان لها أب أو جد أو غيرها من العصبيات أو لَم يكن ، وسواء رضي الأب أو كره ، وسواء كانت رفيعة أو وضيعة ، تزوجتْ بشريف أو وضيع ، وليس لأحد كائناً مَن كان أن يعترض ، فهي تماماً كالرجل دون أي فرق واستدلوا على ذلك بقوله تعالى (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) [2] وبالحديث عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ( الأيم أحق بنفسها مِن وليها ) . والأيم : مَن لا زوج له ، رجلاً كان أو امرأة ، بكراً كانت أو ثيباً .
واستدلوا أيضاً بالعقل حيث يحكم بأنّ لكل إنسان الحرية التامة بتصرفاته ، وليس لغيره أيّ سلطان عليه قريباً كان أو بعيداً . وقد أحسن ابن القيّم في قوله : ( كيف يجوز للأب أن يزف ابنته بغير رضاها إلى مَن يريده هو ، وهي مِن أكره الناس فيه ، وهو أبغض شيء إليها ، ومع هذا ينكحها إياه قهراً ، ويجعلها أسيرة عنده... ! ) .
الصغر والجنون والسفه :
اتفقوا على أنّ للولي أن يزوج الصغير والصغيرة والمجنون والمجنونة ، ولكنّ الشافعية والحنابلة خصصوا هذه الولاية بالصغيرة البكر ، أمّا الصغيرة الثيب فلا ولاية له عليها[3].
وقال الإمامية والشافعية : زواج الصغيرة والصغير موكول للأب والجد للأب فقط دون غيرهما.
وقال المالكية والحنابلة : بل للأب فقط .
وقال الحنفية : يجوز ذلك لجميع العصبيات ، حتى العم والأخ .
وقال الحنفية والإمامية والشافعية : لا يصحّ عقد الزواج مِن السفيه إلاّ بإذن وليه .
وقال المالكية والحنابلة : يصحّ ولا يشترط إذن الولي[4].
ترتيب الأولياء :
قال الحنفية : الولاية أوّلاً لابن المرأة إن كان لها ابن ولو مِن الزنا ، ثُمّ ابن ابنه ، ثُمّ الأب ، ثُمّ الجد للأب ، ثُمّ الأخ الشقيق ، ثُمّ الأخ للأب ، ثُمّ ابن الأخ الشقيق ، ثُمّ ابن الأخ لأب ، ثُمّ العم ، ثُمّ ابن العم... الخ . ويتبين مِن هذا أنّ وصي الأب لا ولاية له على الزواج ، حتى ولو أوصى به صراحة .
وقال المالكية : الولي هو الأب ، ووصي الأب ، ثُمّ الابن ولو مِن الزنا إن كان للمرأة ابن ، ثُمّ الأخ ، ثُمّ ابن الأخ ، ثُمّ الجد ، ثُمّ العم... الخ ، ثم تنتقل الولاية الى الحاكم .
وقال الشافعية : الأب ، ثُمّ الجد لأب ، ثُمّ الأخ الشقيق ، ثُمّ الأخ لأب ، ثُمّ ابن الأخ ، ثُمّ العم ، ثُمّ ابن العم... الخ ، إلى أن تنتقل الولاية إلى الحاكم .
وقال الحنابلة : الأب ووصي الأب ، ثُمّ الأقرب فالأقرب مِن العصبيات كالإرث ثُمّ الحاكم .
وقال الإمامية : لا ولاية إلاّ للأب ، والجد للأب ، والحاكم في بعض الحالات ، فكل مِن الأب والجد يستقل بولاية العقد على الصغير والصغيرة ، وعلى مَن بلغ مجنوناً أو سفيهاً ، أي اتصل الجنون أو السفه بالصغر ، ولو بلغا راشدين عاقلين ثُمّ طرأ عليهما الجنون أو السفه لَم يكن للأب ولا للجد ولاية العقد على أحدهما ، بل يستقل الحاكم بذلك مع وجود الأب والجد . وإذا اختار الأب شخصاً ، واختار الجد غيره قُدّم اختيار الجد .
واشترطوا لنفوذ عقد الولي أباً كان أو جداً أو حاكماً أن لا يكون فيه ضرر على المولّى عليه ، فإذا تضرر الصغير بالزواج يُخيّر بَعد البلوغ والرشد بين فسخ العقد وبقائه.
وقال الحنفية : إذا زوّجَ الصغيرَ الأبُ أو الجدُّ بغير الكفء أو بدون مهر المثل فإنّه يصحّ إذا لَم يكن معروفاً بسوء الاختيار ، أمّا إذا زوجها غير الأب والجد بغير الكفء أو بدون مهر المثل فلا يصحّ الزواج أصلاً .
وقال الحنابلة والمالكية : للأب أن يزوج ابنته بدون مهر المثل . وقال الشافعية : ليس له ذلك ، فإن فعل فلها مهر المثل .
وقال الإمامية : إذا زوج الولي الصغير بدون مهر المثل ، أو زوج الصغير بأكثر منه فمع المصلحة في ذلك يصحّ العقد والمهر ، وبدونها يصحّ العقد ، وتتوقف صحة المهر على الإجازة ، فإن أجاز بَعد البلوغ استقر المهر وإلاّ رجع إلى مهر المثل .
واتفقوا على أنّ للحاكم العادل أن يزوج المجنون والمجنونة إذا لَم يوجد الولي القريب ؛ لحديث : ( السلطان ولي مَن لا ولي له ) .
وليس له أن يزوج الصغيرة عند الإمامية والشافعية . وقال الحنفية : له ذلك إلاّ أنّ العقد لا يلزم ، فإذا بلغت كان لها الرد , وهذا يعود في حقيقته إلى قول الشافعية والإمامية ؛ لأنّ الحاكم يكون ـ والحال هذه ـ فضولياً .
وقال المالكية : إذا لَم يوجد الولي القريب فالحاكم يستقلّ بزواج الصغيرة والصغير والمجنونة والمجنون مِن الأكفاء ، ويزوج الكبيرة الراشدة بإذنها .
واتفقوا على أنّ مِن شرط الولاية بلوغ الولي وإسلامه وذكوريته ، أمّا العدالة فهي شرط في الحاكم لا في القريب ، إلاّ الحنابلة فإنّهم اشترطوا العدالة في كل ولي ، حاكماً كان أو قريباً .
وبالرغم من اهمية الولاية في عقد الزواج لو نجد نصاً في قانون الأحوال الشخصية العراقي يعرف من هو الولي.
وعند رجوعنا الى احكام المادة(27) من قانون رعاية القاصرين رقم(87 ) لسنة 1980 والتي عرفت الولي بأنه : ( ولي الصغير ابوه ثم المحكمة).
ويشترط قانون الأحوال الشخصية لأهلية الزواج اكمال الثامنة عشرة من العمر لكنه اجاز للمراهق الذي اكمل الخامسة عشرة من العمر ان يطلب من المحكمة الإذن له بعد موافقة وليه, وهذا ما نصت علية الفقرة (1) المادة (8) منه بقولها إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج، فللقاضي أن يأذن به، إذا ثبت له أهليته وقابليته البدنية، بعد موافقة وليه الشرعي، فإذا امتنع الولي طلب القاضي منه موافقته خلال مدة يحددها له، فإن لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالإعتبار أذن القاضي بالزواج)
اما المادة (9) من قانون الأحوال الشخصية فقد نصت على 1.لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار إكراه أي شخص، ذكراً كان أم أنثى على الزواج دون رضاه ويعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلاً، إذا لم يتم الدخول، كما لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار، منع من كان أهلاً للزواج، بموجب أحكام هذا القانون من الزواج.
2. يعاقب من يخالف أحكام الفقرة(1) من هذه المادة، بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة سنوات، وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا كان قريباً من الدرجة الأولى, أما إذا كان المخالف من غير هؤلاء، فتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، أو الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات.
3. على المحكمة الشرعية، أو محكمة المواد الشخصية الإشعار إلى سلطات التحقيق لإتخاذ التعقيبات القانونية بحق المخالف لأحكام الفقرة (1) من هذه المادة, ولها توقيفه لضمان حضوره أمام السلطات المذكورة، ويحق لمن تعرض للإكراه أو المنع مراجعة سلطات التحقيق مباشرة بهذا الخصوص).
ومما يلاحظ على هذه المادة انها لم تأخذ بالولاية على الكبيرة بل منعت تدخل حتى الأب وعاقبت الإكراه على الزواج او منعه.
المصادر
[1] . الأحوال الشخصية لأبي زهرة.
[2] . النساء 19.
[3] . المغني ج6 باب الزواج .
[4] . تذكرة العلاّمة ج2 ، والمغني ج4 باب الحجر.