بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾.[1]
﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾، الظاهر أنّ هذا الجعل لا يختصّ بالجعل التشريعى بوجوب الحجّ وبحرمة إخراج من لجأ إلى البيت، وممّا يشعر بكون الجعل أعم قوله تعالى: ﴿لِّلنَّاسِ﴾، جعل الله البيت مثابة للناس بجعل قلوبهم متعلّقة به بحيث تعلّق قلوبهم ببيت الله أكثر من تعلّقها ببيوتهم؛ لأنّه البيت الحقيقي المقصود لكلّ واحد، وهل يوجد من طاف بالبيت ولم يتمنّ ذلك مجدّدا؟ بل لا ينصرف عنه أحد وهو يرى أنّه قد قضى منه وطرا، فهم يعودون اليه؛ قال أبو جعفر عليه السلام: ((يرجعون إليه لا يقضون منه وطرا)).[2] وقد ورد في الخبر عن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: ((مَنْ أَرَادَ اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةَ فَلْيَؤُمَّ هَذَا اَلْبَيْتَ، وَمَنْ رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ يَنْوِي اَلْحَجَّ مِنْ قَابِلٍ زِيدَ فِي عُمُرِهِ وَمَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَلاَ يَنْوِي اَلْعَوْدَ إِلَيْهَا فَقَدْ قَرُبَ أَجَلُهُ وَدَنَا عَذَابُهُ)).[3] وهكذا جعل حرمة البيت في قلوبهم عظيمة فمن لجاء إليه مأمون على ماله ودمه.
﴿وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ هذا تشريع للصلاة في مقام إبراهيم وهو الحجر المعروف موضع قدميه إذ قام عليه وأذّن في الناس بالحجّ ﴿وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾، «عهد فلان إلى فلان يعهد أي ألقى إليه العهد وأوصاه بحفظه». فالأمر أو النهى إذا صار عهدا صار مؤكّدا مستمرّا، والطهارة المعهودة عليها هي حفظ البيت من أيّة قذارة مادّية ومعنويّة وفى قوله تعالى: ﴿لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾، دلالة على أنّه لابدّ من أن يكون في تلك الطهارة تسهيل للطواف والعكوف والصلاة بكلّ ما يقتضي ذلك أي القيام بجميع شؤون المسجد للطواف والصلاة والعكوف.
قال السيد عبد الأعلى السبزواري(ره) في تفسيره: (تقدم في الآية السابقة متعلق «إذ». ومادة (بيت) تأتي بمعنى البيتوتة ليلا، وسمي البيت بيتا لأنه يبيت فيه الإنسان ثم اتسعت وأطلقت على الأعم منه ومن كل مجمع وسمي بيت الشعر بيتا، لأنه مجمع الحروف والكلمات، كما سمي البيت العتيق بيتا لأنه مجمع الأملاك والإنسان، وقد غلب استعمال الكلمة على المسجد الحرام بحيث إذا أطلقت يفهم منها ذلك، كما في إطلاق المدينة على مدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله). وقيل: إنّ المراد من البيت في المقام الكعبة المشرفة، ولا بأس به إما من باب إطلاق الكل على الجزء، أو من باب أن الكعبة توجب فضيلة البيت الحرام. ولإبراهيم (عليه السلام) مع بيت الله حالات ومقامات، ولله تعالى معهما ألطاف وعنايات ولا بد أن يكونا كذلك لأن كلا منهما من مظاهر رحمته. قوله تعالى: مَثٰابَةً لِلنّٰاسِ وأَمْناً. الثوب بمعنى الرجوع أي مرجع الأنام يقصدونه للعبادة وتطهير نفوسهم عن الذنوب والآثام، وفي الحديث: «من وقف بهذه الجبال غفر الله له من بر النّاس وفاجرهم. قيل: من برهم وفاجرهم؟ قال (عليه السلام): من برهم و فاجرهم»).[4]
ووردت الرواية في الكافي بهذا المضمون: رُوي عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه قال: ((ما يقفُ على تلك الجبال بَرٌّ ولا فاجرٌ إلّا استجاب الله له، فأمّا البرّ فيُستجاب له في آخرته ودنياه وأمّا الفاجر فيُستجاب له في دنياه)).[5]
فائدة: وصفت الكعبة بأنها بيت الله، وعبرت الآية عن الكعبة ب «بيتي». وواضح أن الله ليس بجسم، ولا يحده بيت، ولا يحتاج إلى ذلك، وهذه الإضافة هي «إضافة تشريفية» تبيّن قدسية الشيء الذي ينسب إلى الله، ولذلك كان شهر رمضان «شهر الله» وكانت الكعبة «بيت الله».
[1] سورة البقرة، الآية: 125.
[2] التبيان في تفسير القرآن، ج 1، ص 451.
[3] وسائل الشيعة، ج 11، ص 151.
[4] مواهب الرحمن في تفسير القرآن، ج 2، ص 23.
[5] الكافي، ج 4، ص 262.