بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.[1]
﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ﴾، الضمير في «فيهم» و«منهم» راجع إلى الأمّة المسلمة، وقد بعث الله رسولا في تلك الأمّة منهم وإليهم، وهذا التخصيص والاختصاص غير كون الرسول مبعوثا إلى العالمين، فإنّ الكلام في ظهور الآية استظهرناه من الاختصاص سيّما مع تصريح الروايات به، فلا دلالة فيها على إرجاع الضمير إلى قريش(لمن نسب عود الضمير على قريش لأنها من ذرية إبراهيم عليه السلام)، فإنّه على هذا يكون مورد دعائهما(إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام) أخصّ من الإسلام العادي كالأجلاف والأراذل من المنافقين.
وعلى ما ذكرنا يكون مورد دعائهما هي الأمّة المسلمة الصالحة الخاصّة من الذريّة الطاهرة المعصومة يبقى بهم ذكر إبراهيم وتتحقّق أمنيّته المقدّسة.
والآية في سياق الدعاء من النبي إبراهيم عليه السلام؛ فهي تتمّة للدعاء السابق ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ﴾، وتكملة للأبوّة النسبيّة والروحانيّة ودعاء خير الوالد للأولاد خير ما وصل منه إليهم وقوله: ﴿رَسُولًا مِّنْهُمْ﴾، يعنى من ولد إسماعيل عليه السلام؛ فقد ورد عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): ((أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ)).[2]
﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾، وۚروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ((أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ اَلْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً وَلاَ يَدَّعِي نُبُوَّةً وَلاَ وَحْياً))[3]، والظاهر أنّ المراد من آياتك أعمّ من الآيات التكوينيّة والتدوينيّة والمراد من الآيات التكوينيّة: «هي الأعلام الدالّة على وجود الصانع وصفاته سبحانه وتعالى ومعنى تلاوته إيّاها عليهم: أنّه كان يذكّرهم بها ويدعوهم إليها ويحملهم على الإيمان بها» والتلاوة بمنزلة الإعلام والتنبيه وهذا غير تعليم الكتاب بتعريف محكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وعامّه وخاصّه، ومجمله ومفصّله، ومطلقه ومقيّده، وبيان تفسيره وتأويله، وأمّا الحكمة هي الدقائق العلميّة والعمليّة التي ترشد العباد إلى الملكات الفاضلة والكمالات النفسانيّة، ويهديهم إلى منهج الصدق ومسلك القرب، وهذه هي ما صدرت من مصدر النبوّة والولاية وهي الأحاديث الحكميّة الواردة عنه صلى الله عليه وآله وعن أوصيائه المعصومين عليهم السلام؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ..﴾[4]، وورد عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((اَلْحِكْمَةُ ضَالَّةُ اَلْمُؤْمِنِ فَحَيْثُمَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ضَالَّتَهُ فَلْيَأْخُذْهَا))[5].
﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾، أي يطهّرهم من الأدناس ويجرّدهم من الزوائد والموانع حتّى يزكّوا أنفسهم وتنمو شجرة حياتهم الطيّبة وتتمّ مكارم أخلاقهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ اَلْأَخْلاَقِ)).[6]
توضيح: إنّ للقرآن المجيد عند أوّل ما يواجه الناس كلّهم ممّن يراد بالدعوة، دعوة حقّة فلسان تلك المرتبة قوله تعالى: ﴿تَبٰارَكَ اَلَّذِي نَزَّلَ اَلْفُرْقٰانَ عَلىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعٰالَمِينَ نَذِيراً﴾[7]، وقوله تعالى: ﴿وأُوحِيَ إِلَيَّ هٰذَا اَلْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ومَنْ بَلَغَ...﴾[8].
وحيث إنّ دعوة القرآن في هذه المرتبة إنّما هي لكلّ من كان أهلا لها في كلّ عصر ومصر فالقرآن يدعوهم إلى الله العزيز ويذكرهم بحقّانيّته وكمالاته فالدعوة في هذه المرتبة إلى التوحيد وخلع الأنداد والأضداد والإقرار والإيمان به تعالى وبنعوته وكمالاته الّتي هي شرط في صحّة الإيمان والإسلام، وبرسله وكتبه واليوم الآخر والمراقبة والمواظبة على التقوى والتذكير بفضائل الأخلاق ومكارمها. والرسول يعلّمهم حدود العبوديّة وآدابها ووظائفها. وفي هذه المرتبة للمؤمنين والمتقين علوم ومعارف وكمالات روحانيّة نفسيّة ولهم معارف بالنسبة إلى الحقّ الحيّ القدوس المتعال؛ فقد تجلّى الله في كلامه لخلقه ولكنهم لا يبصرون.
[1] سورة البقرة، الآية: 129.
[2] الأمالي(للطوسي)، ج 1، ص 378.
[3] نهج البلاغة، خطبة: 104.
[4] سورة لقمان، الآية: 12.
[5] الكافي، ج 8، ص 167.
[6] مستدرك الوسائل، ج 11، ص 187.
[7] سورة الفرقان، الآية: 1.
[8] سورة الأنعام، الآية: 19.