بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.[1]
﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾، تلك: اسم إشارة، يشير بها تعالى إلى إبراهيم ويعقوب وبينهما، فهم أمّة أي جماعة قد خلت: مضت إلى سبيل ربها وماتت ولحقت برحمته تعالى.
ويمكن أن يقال باستفادة الفرق ما بين التّخلية والمضيّ من موارد الاستعمال. بيان ذلك أننا نرى الفصحاء إذا أرادوا أن ينسبوا الارتحال إلى أشخاص كانوا من أعاظم رجال الدين والإلهيين، فإنهم يستعملون لفظة خلوا، ولا سيّما إذا كان ارتحالهم إلى عالم البقاء، وقد قال تعالى في كتابه الكريم بخصوص نبي الرحمة صلى الله عليه وآله: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾[2]، ونظائر ذلك كثيرة في الكتاب والسنة والخطب الصادرة عن الفصحاء. ويقال قد خلت القرون ومضت الأجيال. والمراد بالأمة التي خلت هو إبراهيم ويعقوب وأبناؤهما من الأنبياء والصلحاء وهم كثيرون عظيمون كمّا وكيفا، باعتبار كثرة الرّسل عليهم السلام وباعتبار سموّ مقاماتهم.
أما المضيّ فإنه إمّا أنهم لا يستعملونه في الموارد المذكورة، أو أنّ استعماله من أهل الفصاحة نادر، ومن أراد التّتبع فالمجال أمامه مفتوح.
تلك الأمّة الصالحة ﴿لَهٰا مٰا كَسَبَتْ ولَكُمْ مٰا كَسَبْتُمْ﴾؛ أي لكلّ أجر عمله إن خيرا فخير وإن شرا فشرّ.
﴿وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؛ أي: يا معشر اليهود لا تؤاخذون بالأعمال السيئة الصادرة عن غيركم ولا تستفيدون من الأعمال الحسنة الصادرة عن الغير.
وقال السيد عبد الأعلى السبزواري في تفسيره (ره): (يستفاد من الآيات المباركة أمور: -
الأول: إطلاق الآية الشريفة في صلاح إبراهيم (عليه السلام) يدل على انه صالح من كل جهة فهو صالح في نفسه وصالح لغيره، فيكون المصداق الحقيقي لقول نبينا الأعظم (صلّى الله عليه وآله): ((وَمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اَللهِ أَصْلَحَ اَللهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اَلنَّاسِ)).[3]
الثاني: في قوله تعالى: ﴿أَسْلَمْتُ لِرَبِّ اَلْعٰالَمِينَ﴾[4]، إشارة إلى أن إسلام إبراهيم (عليه السلام) كان بعد أن رأى من آيات ربه، وأنّ إسلامه كان عن حجة ومعرفة بأنّ للعالم خالقا له الربوبية العظمى والتدبير الأتم.
الثالث: يستفاد من قوله تعالى: ﴿ولاٰ تَمُوتُنَّ إِلاّٰ وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[5]، ان الأثر من الإسلام وسائر الصفات الحسنة إنما يترتب على الموت متصفا بهما لا على صرف وجودهما وإن كان في خاتمة العمر على غيرهما، وتدل على ذلك روايات كثيرة، منها قول نبينا الأعظم (صلّى الله عليه وآله): ((كَمَا تَمُوتُونَ تُبْعَثُونَ وَكَمَا تُبْعَثُونَ تُحْشَرُونَ)).[6] كما ان في الدعوات الكثيرة المشتملة على طلب حسن العاقبة عند الموت من الله تعالى دلالة على ذلك.
الرابع: في قوله تعالى: ﴿إِلٰهَ آبٰائِكَ إِبْرٰاهِيمَ وإِسْمٰاعِيلَ وإِسْحٰاقَ﴾[7]، إشارة إلى أنّ دين اللّه تعالى واحد في كل الأعصار وعلى لسان كل نبي، وانه عبادة الإله الواحد، والاستسلام لأمره جلت عظمته، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اَلدِّينَ عِنْدَ الله اَلْإِسْلاٰمُ﴾.[8] والوصية به جارية ومستمرة في الأنبياء والأوصياء إلى الأبد.
الخامس: إنّ في تكرار لفظ الإسلام في الآيات الشريفة السابقة دلالة على أنّ المراد به حقيقته دون مجرد الاسم فقط، للتأكيد المستفاد منه).[9]
[1] سورة البقرة، الآية: 134.
[2] سورة آل عمران، الآية: 144.
[3] عدة الداعي، ج 1، ص 230.
[4] سورة البقرة، الآية: 131.
[5] سورة البقرة، الآية: 132.
[6] عوالي االئالي، ج 4، ص 72.
[7] سورة البقرة، الآية: 133.
[8] سورة آل عمران، الآية: 19.
[9] مواهب الرحمن في تفسير القرآن، ج 2، ص 60.