بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك يا ابا عبد الله الحسين وعلى الارواح التي حلت بفنائك
السلام عليك يا ابا عبد الله الحسين وعلى الارواح التي حلت بفنائك
مقدّمة
هم أصحاب سيّد الشهداء الأوفياء، الذين عزموا على الاستشهاد معه، وكانوا نموذجاً بارزاً للإيمان والشجاعة والتضحية. ولهم من الفضل في المحافظة على السلام والدِّين، ما لا تتّسع هذه الأوراق لبيانه.
وقد وردت روايات وأخبار كثيرة في خصالهم وشمائلهم حتى حازوا درجة الصحبة للإمام الحسين عليه السلام, فقد ورد عنه عليه السلام حين خطب في أصحابه ليلة عاشوراء، وقال ضمن ما قال: "أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي".
وكان أن خاطبهم الإمام الصادق عليه السلام وغيره من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين بالقول: "بأبي أنتم وأمي"، لما لهم من منازل الشرف ودرجاته، ما ربما لم يحصل عليه أحد من الحواريّين من قبل.
فالطاعة والتضحية والحبّ والصبر والإيثار، هذه الصفات التي أبدوها يوم عاشوراء، لم نر مثيلاً لها من أيّ واحد من الحواريّين. وحيث إنّ عظمة العظماء تتجلّى وتظهر في الأزمات والصعوبات، فقد ظهر من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام في أصعب المواقف ما لم يظهر من غيرهم أبداً. وفيما يلي نستعرض نبذة من أبرز مواقف وصفات بعض أصحاب الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء.
زهير بن القين، والطاعة الخالصة للإمام عليه السلام
1- اللقاء بالإمام عليه السلام:
في الطريق إلى كربلاء كان اللقاء، وكأنّهما على موعد، الإمام الحسين عليه السلام متوجّه إلى الكوفة استجابة لطلب أهلها في مواجهته الظلم الأموي المتسلّط على رقاب المسلمين، وزهير بن القين ومعه جماعة من أصحابه في تلك البيداء. جمعتهما هناك الحاجة إلى الماء، لكي يكمل كلّ منهما طريقه المحدّد قبل اللقاء. ذلك اللقاء الذي حصلَ من غير تحضير مسبق، غيَّر من اتجاه السير عند زهير بن القين، بل أبدل نمط حياته العادي بنمط آخر بعيد عمّا كان يخطر على باله أو تهفو إليه نفسه قبل ذلك.
لم يكن زهير في مجريات حياته العادية قريباً من الحسين عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام عموماً، كما تذكر المصادر التاريخية، بل كان أقرب إلى عثمان في المودّة، ولهذا كان يكره أن يجتمع مع الإمام عليه السلام في مكان واحد، حتى في ذلك المكان الذي التقيا فيه لم يشأ زهير إجابة الدعوة التي وجّهها إليه الإمام عليه السلام عبر رسول خاص، ولولا تشجيع زوجته لما أجاب الدعوة ولبَّى.
2- بداية التحوّل:
ما الذي حصل عندما اجتمع مع الإمام عليه السلام حتى صار مريداً ومحبّاً ووليّاً وناصراً، بشكل أثار الاستغراب ممّن كانوا في صحبته، إذ كيف يتحوّل إنسان بمثل هذه السرعة ويبدّل موقفه؟ لكنّه سرعان ما أجاب عن تساؤلاتهم واستغرابهم بقوله: "غزونا بلنجر، ففتحنا وأصبنا الغنائم وفرحنا بذلك، ولمّا رأى سلمان الفارسي ما نحن فيه من السرور، قال: "إذا أدركتم سيد شباب آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معه بما أصبتم من الغنائم".
ثمّ استودع أصحابه وزوجته، فقالت له: "خار الله لك، وأسألك أن تذكرني يوم القيامة عند جدّ الحسين عليه السلام".
وممّا لا شكّ فيه أنّ سلمان رضي الله عنه لا ينطق عبثاً أو لغواً، بل هذا ممّا تلقّاه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، وزهير يعرف ذلك جيّداً للمكانة القريبة التي كانت لسلمان عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو المقول فيه: "سلمان منَّا أهل البيت". وبذلك أدرك زهير رضي الله عنه أنّ الحقّ مع الحسين عليه السلام فلا يعدوه، ولا يمكن للإمام عليه السلام إلَّا أن يكون مع الحقّ كما كان أبوه عليه السلام كذلك، كيف لا، وهو ربيب النبوّة وسبط النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم؟
3- نصرة دين الحقّ:
لم يكن عند زهير شكّ بأنّ الذين هم في الموقع المقابل للإمام الحسين عليه السلام هم أهل الضلال والباطل والنفاق، وهو الذي يعلم من هو يزيد وابن من، ويعلم ما هي الصفات القبيحة واللئيمة المجتمعة في ذلك الشخص، الذي يحمل حقد آبائه وأجداده، الذين أنزلهم السلام وأسقطهم عن زعامتهم التي كانوا عليها في الجاهلية.
لقد أدرك زهير أن المسألة المتنازع عليها لم تعد مسألة من يحكم أو لا يحكم، بل المسألة أصبحت متعلّقة ببقاء نفس السلام كدين والمسلمين كأمّة موحَّدة، ولم تعد الأمور قابلة لأن يقف الانسان عند الآراء الشخصيّة والمواقف المتشنّجة. قد يتمكّن من خلال التفكير الهادىء والعقلانية الواضحة أن يرى الفارق بين المسألة المبدئية والمسألة الشخصيّة، ويقدّم ما هو الأهم والأخطر في نظره، ولهذا سرعان ما فكَّر واتَّخذ القرار ليكون الى جانب الامام الحسين عليه السلام رفيقاً له في الدرب والشهادة.
4- الموقف المشرّف:
إنّ ذلك الموقف المشرّف من زهير لجدير بالمسلمين أن يقرؤوه بوضوح، ويتأمّلوا فيه برويَّة وتبصّر، لأنّه موقف الإنسان الذي لا يترك القضايا الصغيرة تأكل في نفسه، بل تُحرِّكه المواقف الكبيرة، ولا يُمكّن آراءه الخاصّة في بعض المسائل والقضايا من أن تسيطر على قلبه وعقله لتمنعه من الوقوف إلى جانب الحقّ وأهله، وهو يعلم تمام العلم من هو الإمام الحسين عليه السلام وماذا يُمثّل عند الله وفي السلام, فكيف يترك تلك الفرصة في أن يكون إلى جانبه دفاعاً عن الدِّين وعن الأمّة التي يتحكَّم فيها الدعيّ ابن الدعيّ يزيد بن معاوية؟! ولم يكن هذا الموقف هو الوحيد من زهير، بل عمل يوم المعركة على إرشاد وهداية أولئك الضآلين الخارجين لقتال الإمام عليه السلام, لعلَّ كلامه وموعظته يؤثّران فيهم ويردعانهم عن غيّهم وضلالتهم، ويعيدانهم إلى جادّة الحقّ والصواب، فوقف أمام ذلك الجيش رافعاً صوته:
"إنّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذريّة نبيّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم لينظر ما نحن وأنتم عاملون، إنّا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد, فإنّكم لا تدركون منهما إلا بسوء عمر سلطانهما كلّه إلّا ليسمّلان أعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثّلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل"،
فما كان من أولئك الذين أعمى النفاق قلوبهم إلَّا أن سبُّوه وشتموه وامتدحوا عبيد الله بن زياد، إلّا أنّه أجابهم: "عباد الله، إنّ ولد فاطمة رضوان الله عليها أحقّ بالودّ والنصر من ابن سميّة، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم، فخلّوا بين هذا الرجل وبين ابن عمه يزيد بن معاوية، فلعمري إنّ يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين. فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم، وقال: اسكت، أسكت الله نأمتك، أبرمتنا بكثرة كلامك. فقال له زهير: يا ابن البوّال على عقبيه، ما إيّاك أخاطب، إنّما أنت بهيمة، والله ما أظنّك تُحكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فقال له شمر: إنّ الله قاتلك وصاحبك عن ساعة. قال: أفبالموت تخوّفني؟! فواللهِ، لَلموت معه أحبّ إليّ من الخلد معكم. ثمّ أقبل على الناس رافعاً صوته، فقال: عباد الله، لا يغرّنّكم من دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه, فوالله لا تنال شفاعة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم قوماً هراقوا دماء ذريّته وأهل بيته، وقتلوا من نصرهم، وذبّ عن حريمهم".
5- الطاعة والانقياد حتى الشهادة:
إلَّا أنّ الإمام عليه السلام عندما رأى من أجوبة القوم لزهير ـ وهو يدعوهم إلى الهدى ـ أنّها لن تردّهم عن الردى، أرسل بطلبه للعودة إلى المعسكر، وقال عليه السلام مع من بعثه لإعادته: "إنّ أبا عبد الله يقول لك: أقبل، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ".
وبذلك ذاب زهير بن القين في حبّ الحسين عليه السلام بعد أن أزال من أمام ناظريه الغشاوة التي كانت تقف بينه وبين كونه مع الحقّ وأهله، مع أهل البيت عليهم السلام . ونرى هذا واضحاً عندما استأذن الإمام عليه السلام لقتال القوم، فأجابه الإمام عليه السلام حينها جواب من يريد تثبيت توجّهه وقراره، فقال له: "وأنا ألقاهما على إثرك". فقاتل حتى سقط شهيداً مضرّجاً بدمه، فوقف الإمام عليه السلام عند جسده، وقال: "لا يبعدنّك الله يا زهير، ولعن الله قاتلك لعن الذين مُسخوا قردة وخنازير".
وهكذا علّمنا زهير بشهادته أنّ الإنسان قادر في اللحظات التي تحتاج إلى اتخاذ القرار الجريء، أن يكون مع الحق بأن لا يجعل للشبهات طريقاً إلى قلبه وعقله، لتمنعه من أن يكون مع الحقّ وأهله، فرحم الله زهيراً، وجزاه خير جزاء المحسنين.
----------------------------------------------------------هم أصحاب سيّد الشهداء الأوفياء، الذين عزموا على الاستشهاد معه، وكانوا نموذجاً بارزاً للإيمان والشجاعة والتضحية. ولهم من الفضل في المحافظة على السلام والدِّين، ما لا تتّسع هذه الأوراق لبيانه.
وقد وردت روايات وأخبار كثيرة في خصالهم وشمائلهم حتى حازوا درجة الصحبة للإمام الحسين عليه السلام, فقد ورد عنه عليه السلام حين خطب في أصحابه ليلة عاشوراء، وقال ضمن ما قال: "أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي".
وكان أن خاطبهم الإمام الصادق عليه السلام وغيره من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين بالقول: "بأبي أنتم وأمي"، لما لهم من منازل الشرف ودرجاته، ما ربما لم يحصل عليه أحد من الحواريّين من قبل.
فالطاعة والتضحية والحبّ والصبر والإيثار، هذه الصفات التي أبدوها يوم عاشوراء، لم نر مثيلاً لها من أيّ واحد من الحواريّين. وحيث إنّ عظمة العظماء تتجلّى وتظهر في الأزمات والصعوبات، فقد ظهر من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام في أصعب المواقف ما لم يظهر من غيرهم أبداً. وفيما يلي نستعرض نبذة من أبرز مواقف وصفات بعض أصحاب الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء.
زهير بن القين، والطاعة الخالصة للإمام عليه السلام
1- اللقاء بالإمام عليه السلام:
في الطريق إلى كربلاء كان اللقاء، وكأنّهما على موعد، الإمام الحسين عليه السلام متوجّه إلى الكوفة استجابة لطلب أهلها في مواجهته الظلم الأموي المتسلّط على رقاب المسلمين، وزهير بن القين ومعه جماعة من أصحابه في تلك البيداء. جمعتهما هناك الحاجة إلى الماء، لكي يكمل كلّ منهما طريقه المحدّد قبل اللقاء. ذلك اللقاء الذي حصلَ من غير تحضير مسبق، غيَّر من اتجاه السير عند زهير بن القين، بل أبدل نمط حياته العادي بنمط آخر بعيد عمّا كان يخطر على باله أو تهفو إليه نفسه قبل ذلك.
لم يكن زهير في مجريات حياته العادية قريباً من الحسين عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام عموماً، كما تذكر المصادر التاريخية، بل كان أقرب إلى عثمان في المودّة، ولهذا كان يكره أن يجتمع مع الإمام عليه السلام في مكان واحد، حتى في ذلك المكان الذي التقيا فيه لم يشأ زهير إجابة الدعوة التي وجّهها إليه الإمام عليه السلام عبر رسول خاص، ولولا تشجيع زوجته لما أجاب الدعوة ولبَّى.
2- بداية التحوّل:
ما الذي حصل عندما اجتمع مع الإمام عليه السلام حتى صار مريداً ومحبّاً ووليّاً وناصراً، بشكل أثار الاستغراب ممّن كانوا في صحبته، إذ كيف يتحوّل إنسان بمثل هذه السرعة ويبدّل موقفه؟ لكنّه سرعان ما أجاب عن تساؤلاتهم واستغرابهم بقوله: "غزونا بلنجر، ففتحنا وأصبنا الغنائم وفرحنا بذلك، ولمّا رأى سلمان الفارسي ما نحن فيه من السرور، قال: "إذا أدركتم سيد شباب آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معه بما أصبتم من الغنائم".
ثمّ استودع أصحابه وزوجته، فقالت له: "خار الله لك، وأسألك أن تذكرني يوم القيامة عند جدّ الحسين عليه السلام".
وممّا لا شكّ فيه أنّ سلمان رضي الله عنه لا ينطق عبثاً أو لغواً، بل هذا ممّا تلقّاه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، وزهير يعرف ذلك جيّداً للمكانة القريبة التي كانت لسلمان عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو المقول فيه: "سلمان منَّا أهل البيت". وبذلك أدرك زهير رضي الله عنه أنّ الحقّ مع الحسين عليه السلام فلا يعدوه، ولا يمكن للإمام عليه السلام إلَّا أن يكون مع الحقّ كما كان أبوه عليه السلام كذلك، كيف لا، وهو ربيب النبوّة وسبط النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم؟
3- نصرة دين الحقّ:
لم يكن عند زهير شكّ بأنّ الذين هم في الموقع المقابل للإمام الحسين عليه السلام هم أهل الضلال والباطل والنفاق، وهو الذي يعلم من هو يزيد وابن من، ويعلم ما هي الصفات القبيحة واللئيمة المجتمعة في ذلك الشخص، الذي يحمل حقد آبائه وأجداده، الذين أنزلهم السلام وأسقطهم عن زعامتهم التي كانوا عليها في الجاهلية.
لقد أدرك زهير أن المسألة المتنازع عليها لم تعد مسألة من يحكم أو لا يحكم، بل المسألة أصبحت متعلّقة ببقاء نفس السلام كدين والمسلمين كأمّة موحَّدة، ولم تعد الأمور قابلة لأن يقف الانسان عند الآراء الشخصيّة والمواقف المتشنّجة. قد يتمكّن من خلال التفكير الهادىء والعقلانية الواضحة أن يرى الفارق بين المسألة المبدئية والمسألة الشخصيّة، ويقدّم ما هو الأهم والأخطر في نظره، ولهذا سرعان ما فكَّر واتَّخذ القرار ليكون الى جانب الامام الحسين عليه السلام رفيقاً له في الدرب والشهادة.
4- الموقف المشرّف:
إنّ ذلك الموقف المشرّف من زهير لجدير بالمسلمين أن يقرؤوه بوضوح، ويتأمّلوا فيه برويَّة وتبصّر، لأنّه موقف الإنسان الذي لا يترك القضايا الصغيرة تأكل في نفسه، بل تُحرِّكه المواقف الكبيرة، ولا يُمكّن آراءه الخاصّة في بعض المسائل والقضايا من أن تسيطر على قلبه وعقله لتمنعه من الوقوف إلى جانب الحقّ وأهله، وهو يعلم تمام العلم من هو الإمام الحسين عليه السلام وماذا يُمثّل عند الله وفي السلام, فكيف يترك تلك الفرصة في أن يكون إلى جانبه دفاعاً عن الدِّين وعن الأمّة التي يتحكَّم فيها الدعيّ ابن الدعيّ يزيد بن معاوية؟! ولم يكن هذا الموقف هو الوحيد من زهير، بل عمل يوم المعركة على إرشاد وهداية أولئك الضآلين الخارجين لقتال الإمام عليه السلام, لعلَّ كلامه وموعظته يؤثّران فيهم ويردعانهم عن غيّهم وضلالتهم، ويعيدانهم إلى جادّة الحقّ والصواب، فوقف أمام ذلك الجيش رافعاً صوته:
"إنّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذريّة نبيّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم لينظر ما نحن وأنتم عاملون، إنّا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد, فإنّكم لا تدركون منهما إلا بسوء عمر سلطانهما كلّه إلّا ليسمّلان أعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثّلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل"،
فما كان من أولئك الذين أعمى النفاق قلوبهم إلَّا أن سبُّوه وشتموه وامتدحوا عبيد الله بن زياد، إلّا أنّه أجابهم: "عباد الله، إنّ ولد فاطمة رضوان الله عليها أحقّ بالودّ والنصر من ابن سميّة، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم، فخلّوا بين هذا الرجل وبين ابن عمه يزيد بن معاوية، فلعمري إنّ يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين. فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم، وقال: اسكت، أسكت الله نأمتك، أبرمتنا بكثرة كلامك. فقال له زهير: يا ابن البوّال على عقبيه، ما إيّاك أخاطب، إنّما أنت بهيمة، والله ما أظنّك تُحكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فقال له شمر: إنّ الله قاتلك وصاحبك عن ساعة. قال: أفبالموت تخوّفني؟! فواللهِ، لَلموت معه أحبّ إليّ من الخلد معكم. ثمّ أقبل على الناس رافعاً صوته، فقال: عباد الله، لا يغرّنّكم من دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه, فوالله لا تنال شفاعة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم قوماً هراقوا دماء ذريّته وأهل بيته، وقتلوا من نصرهم، وذبّ عن حريمهم".
5- الطاعة والانقياد حتى الشهادة:
إلَّا أنّ الإمام عليه السلام عندما رأى من أجوبة القوم لزهير ـ وهو يدعوهم إلى الهدى ـ أنّها لن تردّهم عن الردى، أرسل بطلبه للعودة إلى المعسكر، وقال عليه السلام مع من بعثه لإعادته: "إنّ أبا عبد الله يقول لك: أقبل، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ".
وبذلك ذاب زهير بن القين في حبّ الحسين عليه السلام بعد أن أزال من أمام ناظريه الغشاوة التي كانت تقف بينه وبين كونه مع الحقّ وأهله، مع أهل البيت عليهم السلام . ونرى هذا واضحاً عندما استأذن الإمام عليه السلام لقتال القوم، فأجابه الإمام عليه السلام حينها جواب من يريد تثبيت توجّهه وقراره، فقال له: "وأنا ألقاهما على إثرك". فقاتل حتى سقط شهيداً مضرّجاً بدمه، فوقف الإمام عليه السلام عند جسده، وقال: "لا يبعدنّك الله يا زهير، ولعن الله قاتلك لعن الذين مُسخوا قردة وخنازير".
وهكذا علّمنا زهير بشهادته أنّ الإنسان قادر في اللحظات التي تحتاج إلى اتخاذ القرار الجريء، أن يكون مع الحق بأن لا يجعل للشبهات طريقاً إلى قلبه وعقله، لتمنعه من أن يكون مع الحقّ وأهله، فرحم الله زهيراً، وجزاه خير جزاء المحسنين.
كتاب درب الهداية،نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية.