بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ..﴾.[1]
﴿تَقَلُّبَ﴾ التقلّب والتحوّل والتصرف نظائر: وهو التحرّك في الجهات.
﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ﴾ ولّيتك القبلة أي صيّرتك تستقبلها من قولك ولّيته كذا إذا جعلته واليا له والتولية في هذا الموضع إقبال.
﴿شَطْرَ﴾ شطر كلّ شيء: قصده وشطر كلّ شيء نصفه وشطرته: جعلته نصفين، ونظرت شطر بنى فلان أي ناحيتهم التي يقصد إليهم منها.
﴿الْحَرَامِ﴾ الحرم: حرم مكّة وما أحاط بها إلى قريب من المواقيت التي يحرمون منها، وحرم الرجل: نساؤه وما يحمى، والحرمة ما لا يحلّ لك انتهاكه، والمحرم: ذو الرحم في القرابة وذات الرحم في القرابة أي لا يحلّ تزويجها.
الباري عز وجل يخاطب الرسول (صلى الله عليه وآله) بما يدور في نفس النبي نتيجة لشدة التعلق بابيه النبي إبراهيم الخليل (عليه السلام) وبالكعبة المشرفة انتصارا لكلمة لا إله إلا الله، بعد مضايقة اليهود له وادعائهم تبعية دينه لدينهم الذي نسخه الإسلام.
فكلامه تعالى لإبداء حكم ولذا لم يأت بأداة الوصل كأنّه (صلى الله عليه وآله) بعد ما انزجر من اليهود وما قالوه فيه وفي توجّهه في صلاته الى قبلتهم كان يسأل ربّه تحويل وجهه في الصّلاة ومن شأن السّائل المتضرّع ان يقلّب وجهه في جهة المسئول وكأنّه كان يريد الكعبة لأنّها كانت قبلة إبراهيم (عليه السلام) وبناءه ومولد علىّ (عليه السلام) وموطنه وموطن نفسه
ويستفاد من الآية أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان مرتبطا بالكعبة ارتباطا خاصا، ومنتظرا لأمر تغيير القبلة، ولكون الكعبة أقدم قاعدة توحيدية، فهو (صلى الله عليه وآله) كان يعلم بوقوع هذا التغيير، وكان يترقب حدوثه.
وقد ورد عن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ قَالَ: ((صَلَّى رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إِلَى بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ، بَعْدَ اَلنُّبُوَّةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً بِمَكَّةَ، وَتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْراً بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ عَيَّرَتْهُ اَلْيَهُودُ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّكَ تَابِعٌ لِقِبْلَتِنَا فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ غَمّاً شَدِيداً فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اَللَّيْلِ خَرَجَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، يُقَلِّبُ وَجْهَهُ فِي آفَاقِ اَلسَّمَاءِ فَلَمَّا أَصْبَحَ صَلَّى اَلْغَدَاةَ فَلَمَّا صَلَّى مِنَ اَلظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ جَاءَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ قَدْ نَرىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي اَلسَّمٰاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضٰاهٰا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ اَلْآيَةَ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى اَلْكَعْبَةِ، وَحَوَّلَ مَنْ خَلْفَهُ وُجُوهَهُمْ حَتَّى قَامَ اَلرِّجَالُ مَقَامَ اَلنِّسَاءِ وَاَلنِّسَاءُ مَقَامَ اَلرِّجَالِ فَكَانَ أَوَّلُ صَلاَتِهِ إِلَى بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ وَآخِرُهَا إِلَى اَلْكَعْبَةِ، وَبَلَغَ اَلْخَبَرُ مَسْجِداً بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ صَلَّى أَهْلُهُ مِنَ اَلْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ فَحَوَّلُوا نَحْوَ اَلْقِبْلَةِ وَ كَانَ أَوَّلُ صَلاَتِهِمْ إِلَى بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ وَآخِرُهَا إِلَى اَلْكَعْبَةِ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ اَلْمَسْجِدُ مَسْجِدَ اَلْقِبْلَتَيْنِ..)).[2]
قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي(ره) في تفسيره: (عبارة ﴿قبلة ترضاها﴾ قد توهم أن هذا التغيير تم إرضاء للنبي (صلى الله عليه وآله)، ويزول هذا التوهم لو علمنا أن بيت المقدس كان قبلة مؤقتة، وأن النبي كان ينتظر القبلة النهائية، وبصدور أمر التغيير وضع حد لطعن اليهود من جهة، وتوفرت أرضية استمالة أهل الحجاز المرتبطين ارتباطا خاصا بالكعبة نحو الإسلام من جهة أخرى، كما أن إعلان بيت المقدس كقبلة أولى أزال عن الإسلام الطابع القومي، وأسقط اعتبار الأصنام المتواجدة في الكعبة).[3]
وورد عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، قَالَ: ((إِذَا اِسْتَقْبَلْتَ اَلْقِبْلَةَ بِوَجْهِكَ فَلاَ تَقْلِبْ وَجْهَكَ عَنِ اَلْقِبْلَةِ فَتَفْسُدَ صَلاَتُكَ، فَإِنَّ اَللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي اَلْفَرِيضَةِ: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ وَحَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَاِخْشَعْ بِبَصَرِكَ وَلاَ تَرْفَعْهُ إِلَى اَلسَّمَاءِ، وَلْيَكُنْ حِذَاءَ وَجْهِكَ فِي مَوْضِعِ سُجُودِكَ)).[4]
[1] سورة البقرة، الآية: 144.
[2] وسائل الشيعة، ج 4، ص 301.
[3] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 1، ص 416..
[4] الكافي، ج 1، ص 300.