بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ﴾.[1]
الموت عبارة عن انقطاع للحياة الدنيوية التي عاشها الإنسان بهذا الوجود المادي على وجه الأرض، فالخلقة الإلهية للموجود الإنساني المتمثلة بالارتباط الوثيق بين الروح لقوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾[2]، وهي التي تميز الإنسان عن الحيوان، وقد شرفتنا بأفضل الشرف، حيث تنبع كل نشاطاتنا وفعالياتنا منها، وبمساعدتها نجول في الأرض ونتأمل السماء، نكتشف أسرار العلوم، ونتوغل في أعماق الموجودات، وقد ورد عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَقَالَ: ((مَا يَقُولُ اَلنَّاسُ فِي أَرْوَاحِ اَلْمُؤْمِنِينَ؟ فَقُلْتُ: يَقُولُونَ: تَكُونُ فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ خُضْرٍ فِي قَنَادِيلَ تَحْتَ اَلْعَرْشِ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: سُبْحَانَ اَللهِ! اَلْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اَللهِ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ رُوحَهُ فِي حَوْصَلَةِ طَيْرٍ. يَا يُونُسُ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ أَتَاهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وعَلِيٌّ وفَاطِمَةُ واَلْحَسَنُ واَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ واَلْمَلاَئِكَةُ اَلْمُقَرَّبُونَ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، فَإِذَا قَبَضَهُ اَللهُ عَزَّ وجَلَّ صَيَّرَ تِلْكَ اَلرُّوحَ فِي قَالَبٍ كَقَالَبِهِ فِي اَلدُّنْيَا، فَيَأْكُلُونَ ويَشْرَبُونَ، فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمُ اَلْقَادِمُ عَرَفُوهُ بِتِلْكَ اَلصُّورَةِ اَلَّتِي كَانَتْ فِي اَلدُّنْيَا)).[3]
وبين الجسد الذي هو وعاء يحوي على أجهزة متعددة تتشارك في ديمومة واستمرارية الحياة فيه والذي يسمى أيضا بالجسم.
وتعلق الروح بجسم الإنسان ليست - وكما يظن البعض - من نوع الحلول، وإنما هي نوع من الارتباط والعلاقة القائمة على أساس حاكمية الروح على الجسم وتصرفها وتحكمها به، حيث يشبهها البعض بعلاقة تعلق المعنى وارتباطه باللفظ.
والمراد بالموت في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ﴾ معناه أنّهم ليسوا بأموات حقيقة وأن كان اللّفظ يطلق عليهم عرفا ولغة وذلك لأنّ بالموت تقطع العلاقة بين الرّوح والجسد بالكلّية وهؤلاء ليسوا كذلك؛ لأنّ علاقتهم بعد الموت في نشأة البرزخ باقية، فموتهم كالنّوم حيث ينفصل الرّوح عن البدن فيه ومع ذلك تكون العلاقة بينهما باقية، وبهذا فرّقوا بين النّوم والموت الطّبيعي، فالشّهيد كأنّه نام واستراح من تكدر الحياة الّتي بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة، وقد يعبّر عن هذه المرحلة التّي نسمّيها بعالم البرزخ؛ لكونه برزخا أي واسطة بين عالم المادّة والقيامة بالموت ظاهرا، وبالنّوم والحياة واقعا، ولذلك يقال: نفي الموت فيهم يرجع الى أرواحهم لا الى أبدانهم وأجسادهم، وذلك لأنّهم صاروا بذلك من المتنعّمين المتلذذين بالنّعم واللّذات الرّوحانية، الّتي هي الأصل في اللّذة وأمّا الجسم العنصري فليس له دخل في حقيقة الإنسان وانّما هو مركب للرّوح في دار الدّنيا، وآلة وسبب لاستكمال الرّوح، فاذا أكمل الرّوح فقد وصل الى المقصد وبه تقطع العلاقة بينه وبين الجسم فهو باق والجسم فان، وهذا معنى قول الفلاسفة أنّ النّفس جسمانيّة الحدوث وروحانيّة البقاء.
ويحتمل أن يكون المراد بنفي الموت عنهم نفي الحزن عنهم بالشّهادة؛ أي لا تقولوا أنّهم محزونون كما كانوا في الدّنيا كذلك، بل الحزن والهم قد زالا عنهم بالشّهادة الى الأبد، وهذا من نعم الله وإحسانه في حقّهم، أو يقال نفى الله عنهم الحزن في عالم البرزخ ببركة الشّهادة، فهم مسرورون متنعّمون فيه كما قال تعالى: ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ﴾[4].
﴿وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ﴾ لأنّ كنه هذه الحياة فوق إدراكنا البشري القاصر المحدود. ولكنّهم أحياء. أحياء، ومن ثمّ لا يغسّلون كما يغسّل الموتى، ويكفّنون في ثيابهم الّتي استشهدوا فيها.
فالغسل تطهير للجسد الميّت وهم أطهار بما فيهم من حياة.
وهي إشارة الى أنّ النّعم الواصلة الى الشّهداء في البرزخ ليست بمحسوسات لكم فأنّكم لا تحسّونها بحواسكم أعنيّ بها السّامعة والباصرة واللاّمسة والذّائقة والشّامة وغيرها فلا تسمعون أصواتهم ولا تبصرون ما هم فيه من النّعم.
[1] سورة البقرة، الآية: 415.
[2] سورة الإسراء، الآية: 85.
[3] الكافي، ج 3، 245.
[4] سورة آل عمران، الآية: 170.