بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾.[1]
وهنا يمضي السياق لترسيم منهج الحياة الكريمة، التمتّع بالحياة في شتّى أنحائها، لكن على قيد أن يكون على الوجه الطيّب الحلال، لا الوجهة الخبيثة الممنوعة في شريعة العقل الرشيد.
ففي هذه الآيات الكريمة بيان عام: أنّ ما خلقه الله على هذه البسيطة وجعله في متناول الإنسان، فهو من الحلال الذاتي في أصله، الأمر الّذي يدلّنا على أصالة الحلّيّة وأصل إباحة الأشياء.
أمّا القيد، فهو الانتهاج على المنهج السويّ، من غير حياد عن جادّة الحقّ والعدل والإنصاف. فليكن الانتهاج وفق ما ترسمه شريعة الله، لا ما يرسمه الشيطان وهوى النفس، والنفس أمّارة بالسوء، وباعثة على التعدّي والتجاوز بحقوق الآخرين، وربما في تلوّ خبيث يرفقه التجديف على الله والافتراء عليه، تبريرا لمواقفه السوء.
﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ الفرق بين اتّباع أحد مطلقا واتّباع خطواته أنّ الثاني مع التدريج، ومن مشى خلف غيره يتّبع خطواته لا ينظر إلى عاقبة الأمر وآخر الخطوات.
ومن خطوات الشيطان أن يحرّم الإنسان أمرا مباحا على نفسه بالنذر أو العهد أو القسم من غير رجحان شرعي أو عقلي.
فقد ورد عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ((أَمَا سَمِعْتَ بِطَارِقٍ، إِنَّ طَارِقاً كَانَ نَخَّاساً بِالْمَدِينَةِ، فَأَتَى أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ إِنِّي هَالِكٌ إِنِّي حَلَفْتُ بِالطَّلاَقِ وَاَلْعَتَاقِ وَاَلنُّذُورِ فَقَالَ: يَا طَارِقُ إِنَّ هَذَا مِنْ خُطُوَاتِ اَلشَّيْطَانِ)).[2]
وكخطوة الإسراف والتبذير فإنهما من الشيطان، وخطوة التحريم لغير المحظور أكله والتحليل للمحظور أكله، وكخطوة أصالة الحظر، مهما اختلفت هذه الدركات في الخطوات، وعلى أية حال فاتباع خطوات الشيطان هو الانجذاب في السير خلفه، ان تكونوا سيقة للشيطان فيما يخطوه. ولأن الخطوة هي ما بين القدمين من المسافة حالة المشي، فقد تعني خطوات الشيطان وسائله وذرائعه الى بغيته الأخيرة وهي الإشراك بالله والإلحاد في الله، فليس الشيطان ليورد الإنسان إلى أخيرة المهالك إلاّ بخطوات من صغيرة الى كبيرة الى كبرى، فعند ذلك الطامة الكبرى لقوله تعالى في الآية التالية: ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾. فالسوء هنا هو ما دون الفحشاء، كما الفحشاء هنا هي دون ﴿أَنْ تَقُولُوا عَلَى اَللهِ مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ﴾ وبصيغة أخرى الفحشاء هي أقبح انواع السوء، ﴿وأَنْ تَقُولُوا﴾ هي أقبح انواع الفحشاء، فالفحشاء هي المعصية المتجاوزة حدّها إما في نفسها ام الى غير العاصي، ام تجمعهما، ثم العقيدة السيئة، والفاحشة هي أفحش من عملية السوء والفحشاء. فاتباع خطوات الشيطان محظور في كل الحقول.
والظاهر من الآية الشريفة الاولى ثبوت الملازمة بين عدم المتابعة وعداوة من يراد متابعته، أي العقل بحكم بان اللازم ترك متابعة العدو البيّن عداوته، والشيطان عدو مبين، فيلزم ترك متابعته وسر ذلك واضح، اذ العدو الشاعر بأنحاء العداوة لا يريد الا القاء مقابله في الهلكات والمفاسد، ومن اجل الاهلاك يزين له المهلكات بصورة المبقيات ويخطو درجة درجة حتى لا يفهم المقابل و يتابعه، فلا بد للعاقل ان يتوجه تمام خطواته وان كانت بحسب الظاهر غير موجب لمحظور، واما كون الشيطان عدوا فبعد انباءات الانبياء وبعد ما نرى من جنده في عالمنا من الشيطنة والنكرى في مقابلة العقل، وانه يريد ان يعاقل العاقلة ويساويها، او يقدم عليها، ولأجل أنانيته وتكبره لما يرى ان علوه عن حده غير ممكن، ولكن تنزل مقابله وجعله مثله يكون ممكنا، وبه يصل الى مقصوده وهو الارتفاع عليه يفعل ذلك بقدر امكانه فيأمر بالسوء والفواحش عند العقل، ونسبته ما لا يعلم انه من الله اليه حتى يقع التشويش في امر الوسائط والتجري على ادعاء من لا يكون واسطة ،الوساطة من قبل الله، ولا تقر عينه بشيء مثل ذلك والله الهادي.
[1] سورة البقرة، الآية: 168.
[2] وسائل الشيعة، ج 23، ص 231.