بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
إن مناجاة الله تعالى، تعيد التوازن لنفس الإنسان، وتلهمه الثقة والاطمئنان، وتربيه على المراجعة والمحاسبة لذاته.
علينا أن نهتم بالعلاقة مع الله تعالى، والإقبال عليه، وأن نخلو بأنفسنا بعض الأوقات والساعات لمراجعة النفس ومحاسبتها، وللحديث مع الله تعالى بشوق وإخلاص وخضوع
أن المناجاة من النجوى، وهي المكالمة سرًا بعيدًا عن أسماع الآخرين.
وقد اعتمد أولياء الله هذه الطريقة والأسلوب في علاقتهم مع الله تعالى. حيث يخصصون وقتًا يختلون فيه بأنفسهم، بعيدًا عن الناس، وعن انشغالات الحياة واهتماماتها، للإقبال على الله تعالى.
ويتحدثون إليه بشوق وثقة وإخلاص وخضوع، عمًا يختلج في صدورهم، وما يدور في مشاعرهم تجاه ربهم، وعمّا يعانونه في هذه الحياة، وما يتطلعون إليه من فضل الله ورحمته وعفوه ورضاه.
أن الله سبحانه وتعالى عند الأولياء العارفين ليس مجرد فكرة يعتقدون ويؤمنون بها في أذهانهم وعقولهم، بل هو حقيقة حاضرة في وجودهم ووعيهم، وأمام بصيرتهم، يعيشون بمحضره وذكره كل لحظة وآن.
إن الأولياء في مناجاتهم يتحدثون إلى من يراهم ويسمعهم، ويجدون أنفسهم في محضره كأنهم يرونه ويسمعونه، ببصيرة قلوبهم لا بجوارحهم.
إن في طليعة الأولياء المداومين على مناجاة الله، إمامنا زين العابدين علي بن الحسين ، حيث تناقلت الأجيال المؤمنة روائع من تراثه الروحي في الدعاء والمناجاة، ضمن الصحيفة السجادية، وما ورد في سائر المصادر.
و حين نتأمل في أدعية الإمام ومناجياته، نجدها مدرسة روحية تربوية أخلاقية متميزة.
ومن بعض ملامح هذه المناجاة ترسيخ محبة الله، والتذكير بنعمه وقدرته، وعظيم صفاته.
إن الإنسان قد ينشغل قلبه بحب من حوله وما حوله، وقد يغفل الإنسان عن نعم الله السابغة عليه، وعن عظيم قدرة الله وصفاته، فيحتاج إلى التنبيه والتذكير.
أن من ملامح هذه المناجاة، محاسبة الذات أمام الله، والاعتراف بالنقص والتقصير والذنب.
ما أحوج الإنسان لوقفات المراجعة والمحاسبة لذاته، حتى لا يظل مسترسلًا في الغفلة، ومستمرًا على الخطأ.
إن المناجاة تمثل أفضل فرصة يفتح الإنسان فيها ملفات شخصيته وسيرته بين يدي خالقه، ليستعين به على اتخاذ قرارات التوبة والتغيير.
أن من ملامح مناجاة الإمام زين العابدين الدخول في حوار مع الله ومطالبته بما تقتضيه سعة رحمته، وعظيم عفوه وفضله.
إننا نجد في مناجاته ، أروع المضامين لمشاهد من الحوار الصريح مع الله سبحانه.
وقد ورد عنه في إحدى مناجاته: «إِلَهِي وَسَيِّدِي، وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ، لَئِنْ طَالَبْتَنِي بِذُنُوبِي لَأُطَالِبَنَّكَ بِعَفْوِكَ، وَلَئِنْ طَالَبْتَنِي بِلُؤْمِي لَأُطَالِبَنَّكَ بِكَرَمِكَ، وَلَئِنْ أَدْخَلْتَنِي النَّارَ لَأُخْبِرَنَّ أَهْلَ النَّارِ بِحُبِّي لَكَ، إِلَهِي وَسَيِّدِي، إِنْ كُنْتَ لَا تَغْفِرُ إِلَّا لِأَوْلِيَائِكَ، وَأَهْلِ طَاعَتِكَ، فَإِلَى مَنْ يَفْزَعُ الْمُذْنِبُونَ؟ وَإِنْ كُنْتَ لَا تُكَرِّمُ إِلَّا أَهْلَ الْوَفَاءِ بِكَ فَبِمَنْ يَسْتَغِيثُ الْمُسِيئُونَ؟».
أن من ملامح هذه المناجاة الإقرار بالعجز والضعف بين يدي الله تعالى، وتجاه التحديات، وعناء الدنيا والآخرة.
ما أكثر التحديات والأخطار التي يواجهها الإنسان في هذه الحياة، وما أخطر ما ينتظره في الآخرة من حساب شديد، ولا قدرة ولا طاقة للإنسان على مواجهة هذه التحديات والأخطار، إلا بعون من الله، وسعة فضله ورحمته.