بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.[1]
﴿فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا﴾، عبارات قرآنية لها دلالات عميقة مرتبطة بحياة الإنسان المسلم وتحتاج الى توضيح: فالفرق بين الجنف والإثم أنّ الأوّل: الميل عن الحق خطأ؛ لأنه لا يدري أنّه لا يجوز، والإثم أن يتعمّد ذلك والخوف بحسب المعنى إنّما يكون ممّا يتوقّع ولم يقع وهنا باعتبار ظهور ما يدلّ على أنّ الموصي قد زلّ أو باعتبار أنّه قد عيّن الوصي ولم يوص بعد، والجنف أو الإثم في الوصيّة هو الخروج عن حدّها، وهو الثلث.
وقد ذكر اَلْعَيَّاشِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ يُونُسَ رَفَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾، قَالَ: ((يَعْنِي إِذَا مَا اِعْتَدَى فِي اَلْوَصِيَّةِ وَزَادَ فِي اَلثُّلُثِ)).[2]
﴿فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾، الضمير في بينهم عائد على من وقع النزاع بينهم من الموصي والموصى له وسائر الورثة والإصلاح بينهم بطلب الإجازة من الورثة فيما زاد على الثلث كلّه أو بعضه لأنّ الموصي «إذا أوصى بما زاد على الثلث بطل الإيصاء في الزائد إلاّ مع اجازة الوارث، وإذا أجاز بعضهم دون بعض نفذ في حصة المجيز دون الآخر وإذا أجازوا في بعض الموصى به وردّوا في غيره صح فيما أجازوه وبطل في غيره.» و«إذا أوصى بثلث ما تركه ثم أوصى بشيء وقصد كونه من ثلثي الوارث فإن أجازوا صحت الثانية أيضا وإلاّ بطلت.» «وانّما قيل للمتوسط بالإصلاح ليس عليه إثم ولم يقل فله الأجر على الإصلاح، لأنّ المتوسط إنّما يجرى أمره في الغالب على أن ينقصّ صاحب الحقّ بعض حقّه بسؤاله إيّاه: فاحتاج إلى أن يبيّن الله لنا أنّه لا إثم عليه في ذلك إذا قصد الإصلاح.»
﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، ذكروا لهذا التعليل وجوها منها: انّه «يعنى إذا كان يغفر الذنوب ويرحم المذنب فأولى وأحرى أن يكون كذلك ولا ذنب.» ومنها: «أنّ المصلح ربما احتاج في إيتاء الإصلاح إلى أقوال وأفعال كان الأولى تركها؛ فإذا علم الله تعالى منه أنّ غرضه ليس إلاّ الإصلاح فإنّه لا يؤاخذه بها لأنّه غفور رحيم.»
فائدة: الشرع المقدس جعل الوصية مستحبة حسب أحوال الإنسان الطبيعية، وربما تكون واجبة لأمور طارئة، مثل أن يكون على الإنسان حقوق واجبة للناس أو لله قصّر في أدائها، أو كانت عنده أمانات وديون أو مثل ذلك بحيث لو لم يوص احتمل ضياع حقوق النّاس بذلك، وأهم من الكل أن يكون للإنسان مكانة خاصة في المجتمع لو لم يوص لمن بعده وقعت اضطرابات وأمور مؤسفة ففي جميع هذه الصور تجب الوصيّة.
مما يجدر ذكره أن الوصية وسيلة لتلافي ما مضى من تقصير فينبغي للإنسان أن يجعلها كذلك، وأن يتودّد بها إلى من جفاه من أقاربه أيضا.
وفي اخبار أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم اجمعين، أن هداة الإسلام كانوا يوصون خاصة لمن جفاهم من أقاربهم ويخصصون لهم مبلغا من المال، كي يعيدوا ما انقطع من أواصر الودّ.
وذكر عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ : ((إِذَا أَوْصَى اَلرَّجُلُ بِوَصِيَّةٍ فَلاَ يَحِلُّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُغَيِّرَ وَصِيَّةً يُوصَى بِهَا بَلْ يُمْضِيهَا إِلاَّ أَنْ يُوصِيَ غَيْرَ مَا أَمَرَ اَللهُ فَيَعْصِيَ فِي اَلْوَصِيَّةِ وَيَظْلِمَ فَالْمُوصَى إِلَيْهِ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى اَلْحَقِّ مِثْلُ رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ وَرَثَةٌ فَيَجْعَلُ مَالَهُ كُلَّهُ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ وَيَحْرِمُ بَعْضاً فَالْوَصِيُّ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى اَلْحَقِّ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا﴾، فَالْجَنَفُ اَلْمَيْلُ إِلَى بَعْضِ وَرَثَتِكَ دُونَ بَعْضٍ وَاَلْإِثْمُ أَنْ تَأْمُرَ بِعِمَارَةِ بُيُوتِ اَلنِّيرَانِ وَاِتِّخَاذِ اَلْمُسْكِرِ فَيَحِلُّ لِلْوَصِيِّ أَنْ لاَ يَعْمَلَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ)).[3]
[1] سورة البقرة، الآية: 182.
[2] مستدرك الوسائل، ج 14، ص 98.
[3] وسائل الشيعة، ج 19، ص 350.
تعليق