تويت
بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.[1]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾، خطاب متوجه الى من فضله الباري عز وجل على باقي الخلائق، ويتمثل بفريضة مهمة تأتي بالدرجة الأولى على كل الفرائض التي اوجبها تعالى على كل مسلم ومسلمة أصبحا في سن التكليف، فهو فرض وإلزام بحيث إذا تركوه عمدا في غير موارد الإجازة والرّخصة لعاقبهم الله عز وجل عليه وآخذهم به.
وفي هذه المخاطبة لذة يذهب بها خطب التكليف وكلفته. وقد روي عن اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ((لَذَّةُ مَا فِي اَلنِّدَاءِ أَزَالَتْ تَعَبَ اَلْعِبَادَةِ وَاَلْعَنَاءِ)).[2]
فلو فرضنا أن سيدا نادى عبده باسم شخص حر، فهو في مذهب الفقهاء حر. فالله تعالى نادانا باسم مخصوص لنا، فنرجو أن تكون علامة عتقنا من نار غضبه. وإنما خصّ المؤمنين بالخطاب تشريفا لهم، وترغيبا للغير بقبولهم الإسلام، وهو لا ينافي وجوبه على غيرهم كما أنه كذلك.
﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾، من هم الذين من قبلنا أقوال، أحسنها على ما هو الظاهر من الكريمة تشبيه فرض الصّوم علينا بفرض الصّوم على من تقدّمنا من الأنبياء عليهم السلام وأممهم من عهد آدم عليه السلام إلى عهدنا. ففي هذا الخصوص رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ((أَوَّلُهُمْ آدَمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)).[3] يعني أن الصوم عبادة قديمة ما أخلى اللّه أمّة من إيجّابها عليهم.
فالله تعالى لم يوجبها عليكم وحدكم، وفي ذلك ترغيب بالفعل وتسهيل على النفس المنزجرة عنه بطبعها، فإن الشيء إذا عمّ طاب، وهذا هو وجه تنظير الصوم بصوم الأمم الماضية. وفي المقام سؤال يقدّر، وهو أنه لماذا قال سبحانه:
﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾، مع عدم الحاجة إلى هذا التنظير، فإن وجوب الصوم علينا لا يتوقّف على وجوبه على الأمم السالفة كما هو الشأن في بقية أحكامنا التي لا تقتضي التشبيه بما كانت عليه أحكام غيرنا. والجواب أن الصوم لمّا كان أمرا شديدا شاقّا لا تتحمّله النفوس بسهولة ولا تتفهّمه العقول بيسر، أراد الله تعالى من المؤمنين أن يعرفوا أنّ فرض الصوم ليس أمرا مبتدعا على المسلمين، بل كان كذلك عي الأمم السابقة، فيسهل على المؤمنين الأمر.
﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، أي لعلكم تتجنّبون به المعاصي، فإنه يقمع الشهوة. وقد ورد عَنِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَنَّهُ قَالَ: ((يَا مَعْشَرَ اَلشَّبَابِ مَنِ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمُ اَلْبَاهَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ اَلصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ)).[4]
هذا، مضافا إلى أن الصوم شعار الزهد والتقوى في كل زمان. ويكفي في عظمته أن الله تعالى قال: بما ورد عَنِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ: قَالَ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ((كُلُّ عَمَلِ اِبْنِ آدَمَ هُوَ لَهُ إِلاَّ اَلصِّيَامَ فَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَاَلصِّيَامُ جُنَّةُ اَلْعَبْدِ اَلْمُؤْمِنِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ، كَمَا يَقِي أَحَدَكُمْ سِلاَحُهُ فِي اَلدُّنْيَا وَ لَخُلُوفُ فَمِ اَلصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اَللَّهِ مِنْ رِيحِ اَلْمِسْكِ وَاَلصَّائِمُ يَفْرَحُ بِفَرْحَتَيْنِ حِينَ يُفْطِرُ فَيَطْعَمُ وَيَشْرَبُ وَحِينَ يَلْقَانِي فَأُدْخِلُهُ اَلْجَنَّةَ)).[5] (أي أثيب عليه) وما سمع منه سبحانه هذا الكلام في عبادة حتى في الصلاة التي هي عمود الدين!
والظاهر من الآية الشريفة ثبوت الملازمة بين الصوم وحصول التقوى، وان الله لأجل حصول التقوى ولو في الغالب قد امر بالصوم، فالملازمة ملازمة غالبية ولا مشاحة في إطلاق لفظ الملازمة عليها، ولا وجه لان يقال ان الترجي غير الملازمة اذ المأخوذ في حقيقة الملازمة عدم الانفكاك، اذ مقصودنا من الملازمة هنا هذا وان ما يكون غالبا موصلا الى التقوى قد امر به الله لشدة محبوبية الغاية بحيث يكون احتمال تحققها الغالبي سبب للأمر.
[1] سورة البقرة، الآية: 182.
[2] فقه القرآن، ص 72.
[3] تفسير الصافي، ج 1، ص 218.
[4] مستدرك الوسائل، ج 14، ص 153.
[5] وسائل الشيعة، ج 10، ص 403.