بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.[1]
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾، آية جميلة رائعة لطيفة بل من ألطف آيات القرآن الكريم؛ بتعابير إلهية تحرك القلب والوجدان الإنساني ولربما كل المخلوقات، وذلك من خلال الحديث عن نفسه تعالى بصيغة المتكلم وحده سبع مرّات، وأجاب عن سؤال عباده بلا واسطة وقال عز وجل: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ ولم يقل: «قل إنّه قريب» كما قال صالح عليه السّلام لقومه: ﴿إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾[2]، وأمّا سؤال عباد الله عن الله، بمعنى السؤال عن طريق طلب الحاجة من الله أو عن طريق القرب والوصول إلى الله وقوله: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾، يدلّ على أنّ القرب مقدّمة الدعاء إلاّ أنّه من جانب الله تعالى حاصل بما أنّه قريب مطلقا، فقربه بحسب ما يحتاج كلّ عبد إليه في وجوده وحياته وجميع شئونه، فيدفع بهذا توهّم من زعم أنّ الله الواحد القهّار خالق السموات والأرض أمنع وأبعد من أن يتقرّب إليه فكيف يسئل ويجيب؟!
مما تقدم ظهر أنّه عز وجل القريب الا أنّه لما كان في البين وسائط بالنظر الجلي، فاذا كان العبد قد تحرك ووصل الى درجة يفاض عليه من الله بدون الواسطة، أو يكون الواسطة من عالم الجبروت والملكوت (عالم الباطن والحقيقة) فهو أيضا قريب من الله، ويتجلى الله له على حسب قصعته لرفع غشاوات انانيته ورذائل اخلاقه، وإن كان غير متصل بالملكوت كان بعيدا من الله وليس موردا للنظرة الرحيمية. ومن كان متوجها اليه تعالى وداعيا له فلا محالة هذا الجذب من قبله تعالى، وهذا توفيق واصل منه تعالى الى العبد والله قريب، وهو ايضا صار بهذا المقدار من التوجه قريبا واصلا حبله الى الرحمة الرحيمية فيصير موردا للاعتناء فيجيب دعوته في الدنيا، وإن لم يجب فلا محالة لمفاسد في التعجيل لا يعلم بها العبد ويعلمها الله فيؤخر الاجابة في الآخرة فالحرمان يكون منتفيا فالإجابة حاصلة. والحاصل أنّ التوفيق للتوجه من قبل الله واعطاء ذلك التوفيق لا محالة لفرض واصل الى العبد، والعبث وصدور الفعل منه تعالى بلا غاية يكون محالا لقوله تعالى: ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ﴾[3]، اذ السنخية والارتباط بين الفعل والفاعل مما لا بد منه، فاذا كان في البين غرض فان كان هو عدم ايصاله الى مقصوده فهو ايضا باطل لا يصدر من الحكيم بأن يوجه العبد الى نفسه تعالى لأجل ان لا يعتنى به، وان كان الغرض الايصال ولم يوصل فهو أيضا نقض لغرض العالم بالعواقب، فثبت أنّه لا بد أن يكون الغرض مترتبا وذلك معنى الملازمة، وكلمة لعل لأجل أنّ الانسان يحصل من قبله المانع في البعد بحيث يسقط دعائه من التأثير وفي الحقيقة عدم الاجابة قد نشأ من نفس العبد فعبر بكلمة الترجي والظاهر أنّ المراد بالرشد هو الرشد الذى ذكر في آية الكرسي، وهو اشتداد الحبل الذى بينه وبين الله تعالى. وهو قد يتخلف لحصول مانع من قبل العبد.
ويتجلى كلامنا في هذه الآية الشريفة من خلال دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام في اليوم الرابع عشر من شهر رمضان المبارك حيث يقول: ((إِلَهِي وَسَيِّدِي بِكَ عَرَفْتُكَ وَبِكَ اِهْتَدَيْتُ إِلَى سَبِيلِكَ وَأَنْتَ دَلِيلٌ عَلَى مَعْرِفَتِكَ وَلَوْلاَ أَنْتَ مَا عَرَفْتُ تَوْحِيدَكَ وَلاَ عَرَفْتُ وَلاَ اِهْتَدَيْتُ إِلَى عِبَادَتِكَ فَلَكَ اَلْحَمْدُ عَلَى مَا هَدَيْتَ وَعَلَّمْتَ وَبَصَّرْتَ وَفَهَّمْتَ وَأَوْضَحْتَ مِنَ اَلصِّرَاطِ اَلْمُسْتَقِيمِ وَاَلْحَمْدُ للهِ اَلَّذِي أَدْعُوهُ فِيُجِيبُنِي وَإِنْ كُنْتُ بَطِيئاً حِينَ يَدْعُونِي وَاَلْحَمْدُ للهِ اَلَّذِي أَسْأَلُهُ فَيُعْطِينِي وَإِنْ كُنْتُ بَخِيلاً حِينَ يَسْتَقْرِضُنِي وَاَلْحَمْدُ للهِ اَلَّذِي أُنَاجِيهِ لِحَاجَتِي إِذَا شِئْتُ وَأَخْلُو بِهِ حَيْثُ شِئْتُ بِسِرِّي فَيَقْضِي حَاجَتِي..)).[4]
[1] سورة البقرة، الآية: 186.
[2] سورة هود، الآية: 61.
[3] سورة الأنبياء، الآية: 17.
[4] إقبال الأعمال، ج 1، ص 149.