بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
إن أكبر تحدٍ أخلاقي يواجه الإنسان هو الالتزام بالقيم والمبادئ في حالات الخصومة والنزاع، وعدم الانقياد للعواطف والانفعالات على حساب العدل والإنصاف.
يجب أن تظهر التقوى ويتجلى الالتزام بالقيم في التعامل مع الخصوم، وعدم تجاوز الحدود معهم.
أن الإنسان حين يتورط في خصومة ونزاع يكون أمام أكبر تحدٍ أخلاقي، في إدارة هذه الخصومة والنزاع.
هل يسيطر الإنسان على غضبه وانفعاله ومشاعره العدائية، ليخوض الصراع بلا قيود ولا حدود؟ أم يلتزم بسقف القيم الأخلاقية، وحدود المبادئ الدينية، فلا يتجاوزها في خصومته ونزاعه؟
إذا أطلق الإنسان العنان لقوته الغضبية فسيكون أسيرًا لحالة الانفعال، وسيتصرف بعيدًا عن أي تفكير سليم، مما قد يعود عليه بالضرر أكثر من خصمه.
ويجب الحذر من المبالغة في الخصومة، وتجاوز الحدود بغير حق، فقط حتى يكون الإنسان في موقع الغلبة، فلا يبدو مهزومًا، حيث تأخذه العزة بالإثم.
إن النبي يصف مثل هذا الصنف من الناس بالنفاق، «وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» أي ازدواجية الشخصية، وفقدان المصداقية.
أن للإنسان الحق في أن يدافع عن مصالحه، وأن يواجه من يعتدي عليه وعلى حقوقه، ولكن ذلك الدفاع، وتلك المواجهة، يجب أن تكون في إطار الحدود الشرعية، والقيم الأخلاقية.
ليس المطلوب دائمًا أن يسكت الإنسان عمّا يعتبره حقًا له، فقد أعطاه الله الحق في الدفاع عن مصالحه وحقوقه، وأقرت الشريعة الإسلامية أحكامًا وتشريعات لإقامة العدل، وهناك أنظمة وقوانين حاكمة تحمي حقوق المواطنين، عبر المؤسسة القضائية.
ورفض تردد البعض في الشكوى للدفاع عن حقه، أو قد يتعرض للوم من الآخرين، كيف يشتكي عند الجهات النظامية القانونية للدفاع عن حقه؟ لكنه أمر مشروع ولا إشكال فيه إذا توقف عليه انقاذ الحق. وليكون رادعًا لمن تسوّل لهم نفوسهم الاعتداء على حقوق الآخرين.
يجب أن تبقى إدارة الخلاف والنزاع ضمن إطارها الشرعي والقانوني، وألا يكون هناك تجاوز خارج هذا الإطار.
أن من يقرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يراه حريصًا على المراعاة الشديدة للقيم الأخلاقية، حتى وهو يخوض حرب الدفاع عن الإسلام والمسلمين، ضد المعتدين من اليهود والمشركين.
بينت كربلاء فظاعة الجريمة
في مقابل القيم الأخلاقية الراقية، والمبادئ الدينية التي تجسدت في سيرة رسول الله ، تبدوا فظاعة ما مارسه الجيش الأموي في كربلاء، تجاه خيرة من على وجه الأرض، سيد شباب أهل الجنة، وريحانة رسول الله ، الحسين بن علي وأهل بيته وأصحابه.
فقد منعوا عنهم الماء حتى عن النساء والأطفال، ثم مثلوا بجسد أبي عبدالله الحسين ، ورضوه بحوافر الخيول، واحرقوا خيام النساء، وسبوا بنات رسول الله ، وأسروهم مع أطفالهم، وجالوا بهم البلدان أسارى يتفرج الشامتون عليهم.
إن هذه الفظائع التي حدثت بحق عترة رسول الله في كربلاء، لا يمكن لمسلم ولا لإنسان سويّ أن يمر بها مرور الكرام.
إن مشاعر الأسى والحزن تجاه هذه المصائب هو انفعال طبيعي وجداني، وإن إعلان التعاطف مع ظلامة العترة النبوية، وإدانة وتجريم ما وقع عليهم هو أقل ما يفرضه الواجب الشرعي والأخلاقي.