بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
السلام عليك ياابا عبد الله الحسين وعلى الارواح التي حلت بفنائك
إن المشكلة الاساسية التي تعالجها هذه المقالة هي أن الروايات الشريفة عنهم(عليهم السلام) ذكرت لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام) فوائد وثمار وآثار عديدة يطمع العاقل بها جملة وتفصيلا، لكننا إما لانحصل على ثمارها وجزائها أو نحصل على بعض تلك الثمار وذلك الجزاء، فيسأل الإنسان نفسه لماذا، وما هو طريق الحل للوصول إلى الغاية القصوى، وهي الحصول على تمام الأثر وكل الجزاء؟اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
السلام عليك ياابا عبد الله الحسين وعلى الارواح التي حلت بفنائك
والوصول إلى ذلك كله يتوقف على معرفة قيمة ومكانة هذه الزيارة التي تحدث فيها تلك الآثار والنتائج، فما هي حقيقة هذه الزيارة؟
وفي معرض هذا السؤال نقول:
جاء عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) أنه قال: ((أن زيارة الحسين(عليه السلام) أفضل ما يكون من الأعمال))[1]، وجاء أيضاً بسنده عن زيد الشحام، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما لمن زار قبر الحسين(عليه السلام)، قال: ((كان كمن زار الله في عرشه...))[2]، والكاف هنا كما يقول أهل الاختصاص للتشبيه، والتشبيه في اللغة هو التمثيل، فنقول: هذا يشبه هذا وهو له مثيل، وهو عقد مُماثلة بين أمرين أو أكثر سواء قُصد اشتراكهما في صفة أو أكثر، ويكشف عن هذا الاشتراك في النص بأداة المماثلة لبيان غرض ما يقصده المتكلّم، وهنا المماثلة تمت على أساس الواقع والمطابقة لا الفرض وبعض الصفات، وهو أن من قصد زيارة الحسين(عليه السلام) قصد الله تبارك وتعالى في عرشه، والقصد هناك لا نعني قصد الجهة المادية، فالله(جلّ وعلا) يقول في كتابه الكريم: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم}[3]، فهو ليس كمثله شيء، وعلى هذا انحصر قصده(جلّ وعلا) بقصد الإمام الحسين(عليه السلام) خليفته في الأرض، إذ نقرأ هذا المعنى في نص الزيارة الجامعة لأئمة المؤمنين(عليهم السلام): ((...مَنْ أَرَادَ اللَّهَ بَدَأَ بِكُمْ وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ...))[4]، وهي زيارة شريفة مشهورة عند الشيعة صحيحة السند والدلالة، إذن زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) هي في حقيقتها زيارة لله تبارك وتعالى.
ولأهمية هذا الأمر وما يترتب عليه من آثار نهتم بكيفية أداء هذه الزيارة، ونقصد بالكيفية: الطريقة التي نؤدي بها هذا العمل الذي وصفه الحديث الآنف الذكر بأنه أفضل الأعمال، إذن من المسلم أن أعمال الإنسان كثيرة ويكفي في اختيار أفضلها وترجيحه على بقية الأعمال عبارة أفضل الأعمال، فما هي هذه الكيفية التي نزور بها الإمام الحسين(عليه السلام)؟
وفي بداية الأمر لابد أن نسأل ما معنى الزيارة؟ والجواب: أن الزيارة مأخوذة من الزور الذي يعنى أعلى الصدر، فعندما يزور إنسان آخر مال إليه وتلقاه بصدره بقصد وغاية هي الأنس به أو إيناسه أو التبرك به، أو لحاجة خاصة، وهي إما يتم اللقاء عن قرب أو تكون الزيارة عن بعد أو من قريب وهذا مخصوص بزيارة الأماكن والموقع الذي يحل به المزور[5]، فعلى هذا فإن زيارة الحسين(عليه السلام) تعني قصد الميل إلى الإمام الحسين(عليه السلام) والتوجه إليه من قريب أو بعيد لغرض الاستئناس به والتبرك وقضاء الحاجة، وهي بهذا مشتملة على ما دار عليه المعنى اللغوي.
ومن ثمرات هذه الزيارة التي تختلف عن زيارة الأشخاص العاديين أن لمجرد زيارته من دون قصد الأنس والتبرك وطلب الحاجة موجب لأن يكون الزائر مشمول بدعاء النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة الزهراء(عليهما السلام) والأئمة الطاهرين(عليهم السلام)، كما ورد في الرواية الشريفة ضرورتها، إذ يروى بإسناده عن محمد بن مسلم، عن الأمام أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال: ((مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين فإن إتيانه يزيد في الرزق، ويمد في العمر، ويدفع مدافع السوء، وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقر له بالإمامة من الله))[6]، وهي إكرام من الله لزائره بواسطته وبركته(عليه السلام) فلولاه لا نحصل على هذه الثمرات.
أما في يوم القيامة فقد ورد بسنده عن الإمام أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) قال: ((إذا كان يوم القيامة نادى مُنادٍ: أين زُوَّار الحسين بن عليِّ، فيقوم عُنُقٌ مِن النّاس لا يُحصيهم إلاّ الله تعالى، فيقول لهم: ما [ذا] أردتم بزيارة قبر الحسين؟ فيقولون: يا رَبِّ أتيناه حُبّاً لرسول الله وحُبّاً لعليٍّ وفاطمة؛ ورَحمةً له ممّا ارْتُكِبَ منه، فيقال لهم: هذا محمَّدٌ وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين فالحقوا بهم؛ فأنتم معهم في دَرَجَتهم؛ الحقوا بِلِواءِ رَسولِ اللهِ، فينطلقون إلى لِواء رَسول الله فيكونون في ظِلِّه ـ واللِّواء في يد عليٍّ عليه السلام ـ حتّى يدخلون الجنّة، فيكونون أمام اللِّواء وعن يمينه وعن يَساره ومِن خلفه))[7].
وبإسناده ، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبدالله وأبا جعفر(عليهما السلام) يقول: ((مَن أحَبَّ أن يكون مسكنُه الجنَّة ومأواه الجنّة فلا يدّع زيارةً المظلوم ، قلت: ومَن هو؟ قال : الحسين بن عليٍّ عليهما السلام صاحب كربلاء ، مَن أتاه شَوقاً إليه وحُبّاً لرسول الله وحُبّاً لأمير المؤمنين وحُبّاً لفاطِمَة أقعده الله على مَوائد الجنّة ، يأكُل معهم والنّاس في الحساب))[8].
وعن أبي اُسامة زَيدٍ الشّحّام قال: سمعت أبا عبدالله الصادق(عليه السلام) يقول: ((مَن أتى قبر الحسين عليه السلام تشوّقاً إليه كتبه الله مِن الآمنين يوم القيامة، وأعطى كتابه بيمينه، وكان تحت لِواء الحسين عليه السلام حتّى يدخل الجنّة فيسكنه في درجته، إنّ الله عزيز حكيم))[9].
وروي عن أبي بصير، عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام): ((أنَّ مَن أحبّ أن يكون مسكنه الجنّة ومأواه الجنّة فلا يَدعَ زيارة المظلوم، قلت: مَن هو؟ قال: الحسين بن علي صاحب كربلاء، مَن أتاه شَوقاً إليه وحُبّاً لرسول الله وحبّاً لأمير المؤمنين وحُبّاً لفاطمة عليهم السلام أقعده الله على موائد الجنّة، يأكل معهم والنّاس في الحساب))[10].
والسبب في حصول هذه الكرامات للزائر، هي أن قاصد الإمام الحسين(عليه السلام) قاصد الله تبارك وتعالى كما ورد في الحديث الآنف الذكر، وزيادة الرزق وطول وقصر العمر ودفع السوء ومدافعه كله بيد الله تبارك وتعالى، والمقر بإمامته امتثال لأمر الله وتعالى وطاعة له، الذي أمر رسوله الكريم(صلى الله عليه وآله) بالتبليغ لها، ومن يطيع الله يجعل الله حياته حياة طيبة من دون منغصات في الرزق والعمر ومدافع السوء، إذ يقول تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوزالعظيم.(11)
----------------------------------------
1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج: 14، ص: 500.
[2] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج: 10، ص: 185.
[3] سورة البقرة: 115.
[4] الزيارة الجامعة.
[5] راجع: لسان العرب، ابن منظور، مادة (زور)؛ مفردات غريب القرآن، الراغب الاصفهاني، مادة (زور).
[6] من لا يحضره الفقيه، محمد بن علي بن بابويه القمي، ج:2، ص:348.
[7] كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه القمي، ص: 152 فما بعد.
[8] المصدر السابق.
[9] كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه القمي، ص: 152 فما بعد.
[10] المصدر نفسه.
[11] سورة النساء: 13.