بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾.[1]
﴿السِّلْمِ﴾، وهو أن يكون الإنسان سليما في ذات نفسه مع فطرته وعقليته، ومع حواسه وأعضاءه وكل نفسيته وذاتيته دون ما نشوز وشذوذ، ومن ثم تسليما كاملا للحق، فقد يتسلم ظاهرا وليس مسلما في نفسه كمن يجنح للسّلم، وإنما يسلم أمام القوة خوفا على نفسه، وأما السّلم فهو السلامة في كافة الحقول أنفسية وآفاقية ولخالق الآفاق والأنفس كأصل للسّلم.
﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾، وهم درجات ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾، حيث البعض غير داخلين - بعد - في السّلم وهم مؤمنون، أم داخلون فيه وليس كافة، أم وكافة ولكنهم يتبعون خطوات الشيطان، التي تخرجهم عن كافة السلم ام عن السلم كافة. فكما يؤمر المؤمنون أن يؤمنوا، كذلك يؤمرون ان يدخلوا في السّلم كافة، حيث الإسلام هو مرحلة بعد الإيمان، كما ان إسلام التسليم إقرارا باللسان هو قبل الإيمان. فهذه دعوة للمؤمنين باسم الإيمان وسمته ان يستزيد وافيه دخولا في السّلم كافة، وهو الإسلام بكل أبعاده دون ما شذوذ او نشوز، بسلم النفس في ذات نفسها، وأمام الله بشرعته السليمة، وأمام رسالات الله والمؤمنين بالله كما حدّه الله وعدّه. وتوجيه هذه الدعوة الى الذين آمنوا بأنه كانت هناك نفوس مؤمنة ما يزال يثور فيها بعض التردد في السّلم المطلق: من مشرك أسلم وعنده بقية من الطقوس الشركية: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾[2] ،أم كتابي أسلم وله بقية من الطقوس الكتابية المنسوخة كبعض اليهود والنصارى، ومن مؤمن لم يسلم بعد بكل أعماله وأفكاره وإن آمن حدا مّا بقلبه، حيث الإسلام يزيل كل الرواسب الشركية والكتابية المنسوخة، الى تسليم ناصع للشرعة القرآنية دون إبقاء، ثم ومن مسلم بعد إيمانه لم يدخل في السّلم المطلق المطبق، حيث يشذ عقائديا او عمليا بخطوات من الشيطان، ومن داخل في السّلم وليس كافة، في زواياه الثلاث كافة. ومن داخل كافة وهو بعد في خطر اتباع خطوات الشيطان، فليس إذا دخولا كافة كما يرام، والمطلوب هنا من المؤمنين كافة ان يدخلوا في السلم كافة دون اتباع لخطوات الشيطان، حيث الخطوة هي من خطو القدم في نقلها من مكان الى مكان حتى يبلغ مقصده، والشيطان يحاول دوما ان يخطو بالإنسان من صغيرة الى كبيرة والى كبرى حتى يورده موارد الضلالة الكبرى، ولا سيما الإنسان المؤمن المسلم الذي لا يرضى بكبيرة وسواها، فانه يورده في صغيرة قد يزينها له أنها ليست محظورة حين يترك كبائر المحرمات وإلى خطوات أخرى حتى يأخذ منه حظّه الأوفى.
و ﴿كَافَّةً﴾، هي مبالغة الكف، وانما يقال لمجموعة كافة لأنها تكف بطبيعة الحال عما لا يكف عنه الواحد. ف ﴿كَافَّةً﴾، هنا وفي غيرها تعني في الأصل الكف المطلق المطبق، والمعنى فليكن دخول المؤمن في السّلم كافة في كافة الجهات والجنبات، دون ما إبقاء على ثغرة ينفذ فيها الشيطان، إسلاما طليقا في السلم بعد الإيمان يكف عن كتلة الإيمان كل بأس وأذى، وكل نشوز عن شرعة الله في دواخل أنفسهم علميا وعقائديا وفي النية والطوية، وفي أعمالهم فردية وجماعية، وفي كافة الحقول الحيوية التي رسم الإسلام السّلم رسمها.
فالمؤمن حين يستجيب ذلك النداء الحبيب الرقيب، يدخل في عالم كله سلم وسلام وإسلام، كله ثقة واستقرار، سلم مع نفسه وسلم مع ربه وسلم مع عباد الله، وسلم مع الكون كله حيث يسمح به، فان السلم مع معاند الحق المتطاول على أهل الحق حرب مع الإسلام. وذلك السلم هو لمحة او لمعة من الإسلام الذي كان يتطلبه النبيون لأنفسهم: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ﴾.[3]
وورد عَنِ اَلْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: اُدْخُلُوا فِي اَلسِّلْمِ كَافَّةً. قَالَ: ((هِيَ وَلاَيَتُنَا)).[4]
[1] سورة البقرة، الآية: 207.
[2] سورة يوسف، الآية: 106
[3] سورة البقرة، الآية: 128.
[4] تفسير البرهان، ج 1، ص 446.