بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.[1]
هناك علاقة وطيدة بين الأمان وبين استقرار النظام الإسلامي واستمرار حياة الفرد المسلم في ظل دولة الإسلام، لأنهما مرتبطان بالأمان عن المؤامرات والدسائس التي تحاك لإسقاط هذا النظام ودولة الحق، وعليه تكون دعوة الأنبياء والأوصياء للدفاع والقتال لأجل الحفاظ عليهما.
وذلك قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾، أي قرّر وقنّن وفرض والمراد ب ﴿الْقِتَالُ﴾، هنا ما كان لأحد أمرين امّا الدفاع عن الحيثية ومصونية الكرامة وحفظ الأموال والأعراض والدماء والأوطان وامّا الجهاد لأجل تثبيت كلمة الحق وإقامة النظام العادل بين الناس وطرد الموبقات والخرافات والفساد عن ساحة عزّ البشرية، ولا شكّ ان كل واحد منهما اصل أصيل لا تطلع الحياة بدونه الاّ شوهاء الطلعة ساقطة الكرامة، ولا تكون الاّ كحياة الحيوان الهامل الذي يعدو وينزو بالميل البعيد عن المنطق المترهل في كل اشيائه، والإنسان بطبيعته يحبّ الحياة حبّا لا يقاس بمقياس وهو معذور في ذلك لو كانت حياته جامعة لأطراف المحاسن من كل جهة، امّا حبّه للحياة الفاقدة للكرامة المعوزة من الاحترام البعيدة عمّا تحاوله الروح فهو حب ساقط لا قيمة له، ومنشؤه السقوط والامتهان والرضا حتى بالمرذول من المعيشة، والإنسان العاقل الحرّ المؤمن بمبادئه الصادقة لا يكره القتال لتثبيت وجوده وعقيدته، وانّما يكره ذلك الغثاء من الناس ومن لا تصميم عنده والإشارة بالآية الى هذا الفريق لأنه يختار لنفسه الأدنى وهو جرّ الأنفاس بالفعل على ما هو خير وحياة فضلى، فالإنسان الفاقد للشهامة يحب الحياة ولو مع الذل ولا شكّ ان ذلك شرّ له ويبغض المبارزة واضطرار الطرف الى احرج المضائق حتى يردّه الى الاستسلام او السلام و هي خير.
والله الحكيم يعلم كل تيك الفضائل وهذه الرذائل والإنسان قد يعلمها كما يعلمها الله ولكن يلوى عنها صفحا؛ ولذلك ينزّل منزلة الجاهل ويخاطب خطابه.
وفي الخلاصة يقال ان القتال قد يكون كناية عن كل مكروه للنفس غير محبوب لها لتكون دائرة الجهاد والدفاع أوسع من القتال الذي هو خروج الى ساحة الميدان ومصارعة الأقران، ولا شكّ ان الإنسان الكسول يخلد الى كل شيء قذر لا حبا بالقذارة ولكن بناء منه على ان الأمور تصلح له بعد حين عفوا من غير تعب، وهذا امر من مستحيلات العادات امّا الشهم فهو من بدء امره لا يدع على نفسه طريقا للذلة والهوان والقذارة، ولا شك ان الشهم إذا تكثر افراده في المجتمع نجح وكلّما قلّ افراده سقط ويتسفّل به السقوط حتى يعود اذلّ من كل شيء وأحقر، وهذا المعنى ممّا يكرهه كل احد وإن أصاخ له مرغما.
وعبر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ( رحمه الله) في تفسيره بهذا التعبير الرائع: (وفي مورد الجهاد نجد أنّ الأشخاص السطحيّين لا يرون فيه سوى الضرب والجرح والمصائب، ولهذا قد يكون مكروها لديهم وأمّا بالنسبة إلى الأفراد الّذين ينظرون إلى أبعد من هذا المدى المحدود فإنهم يعلمون أنّ شرف الإنسان وعظمته وافتخاره وحريّته تكمن في الإيثار والجهاد، وبذلك يرحبون بالجهاد ويستقبلوه بفرح وشوق، كما هو الحال في الأشخاص الّذين لا يعرفون آثار الأدوية المرّة والمنفرة، فهم في أوّل الأمر يظهرون عدم رغبتهم فيها، إلا أنّهم بعد أن يروا تأثيرها الإيجابي في سلامتهم ونجاتهم من المرض، فحين ذاك يتقبّلوا الدّواء برحابة صدر).[2]
[1] سورة البقرة، الآية: 216.
[2] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 2، ص 103.