إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يقظة الجمعة.

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يقظة الجمعة.


    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صلِ على محمد و آل محمد

    إن هنالكَ اصطلاحاً مهماً في كتب الأخلاق، يسمونهُ “مرحلة اليقظة”.. فرب العالمين بينَ وقتٍ وآخر يهب عبدهُ شيئاً من اليقظةِ والبصيرة وليوم الجمعة ميزة في ذلك، ومثل ذلك كمثل إنسان مغمى عليه، وبينَ وقتٍ وآخر يفيقُ من إغماءته.. فإذا استفاقَ من إغماءتهِ، ورأى نفسهُ في مكانٍ لا يليقُ به؛ فإنه من المؤكد سينتقل إلى مكان أفضل قبلَ أن يغمى عليهِ ثانيةً!.. والمؤمن كذلك تأتيه نفحات، هذهِ النفحات إذا استغلها حق الاستغلال تكون مُقدمة للطفرة.. فالطفرة في عالم المادة غير مقبولة، ولكن في عالم الأرواح الطفرة ممكنة.. والإنسان كثيراً ما يصل إلى مقامات عالية في ليلةٍ وضُحاها وخاصة إذا ما توجه إلى الله تعالى في يوم الجمعة.

    {اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}.. إنَ السبيل قد يكونُ متعدداً، ولكن كُل السُبل تصبُ في اتجاهٍ واحد، عن النبي (ص): (الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها)، ويقال أيضاً: (إنّ الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق)، فلكل إنسان من الخلق طرق إلى الله -سبحانه وتعالى- بعدد أنفاس كل الخلائق.

    إن هنالكَ آية في القرآن الكريم على لسان نبي اللهِ سليمان (ع): {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ}.. هذهِ الكلمات فيها دلالات كبيرة: أي قد يكون هناك عملٌ صالح ولكنهُ غير مرضي، مثلاً: هناك إنسان عازم على العُمرة أو الحج المستحب، وإذا بوالدهِ أو والدتهِ أو زوجتهِ أو من يعنيه أمرهُ؛ يصاب بمرض يحتاج إلى متابعة، فيُقدّم البقاءَ على السفر.. هذا عملٌ صالح، والعمرةُ عَملٌ صالح؛ ولكنَ اللهَ -عزَ وجل- لا يرضى هذا العمل.. ولكن ليسَ عدم الرضا بعنوان الحرام دائماً، إنما هنا بعنوان المرجوحية.. فالحلالُ بيّن والحرامُ بيّن، ولكن المؤمن عينهُ على المستحبات المتعارضة: فهذا مستحب وهذا مستحب؛ ولكن هذا المستحب يزاحم هذا المستحب.. لذا فإن المؤمن يحتاجُ إلى بصيرةٍ إلهية؛ ليميز ما هو تكليفه!..

    وبعبارة أخرى: المؤمن لا يقدم خطوةً ولا يؤخر أخرى، إلا وينظر: هل لله -عز وجل- فيهِ رضا أم لا؟.. فالذي يبحث عن رضا ربه في الجزئيات وفي الكليات؛ فإن رب العالمين سيأخذ بيده؛ كما ورد: (استفهم الله يفهمك)!.. وإن كانَ العبدُ حقيقة في مقام: الاستفهام، والاستلهام، والاسترشاد؛ فرب العالمين يُسددهَ فيما يقول.. والاستفهام يكون من خلال الاستخارة بالسبحة، أو بالقرآن، أو أن يُصلي ركعتين مثلاً، ويقول: يا رب، أنا متوجهٌ لهذا العمل، فسددني في عملي إن كانَ يُرضيك، وإن كانَ لا يرضيك فلا تكمله؛ فأنتَ أعلم بمصالح الأمور!.. (وَلَعَلَّ الَّذي اَبْطأَ عَنّي هُوَ خَيْرٌ لي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الاُْمُورِ).. فهو يعلم العواقب، فنعتمد عليه فيما يقدر.. فإذن، {اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ينطبق أيضاً على {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ}، فبعض الناس عندهُ مال بسيط، ولكن رب العالمين يبارك في مالهِ.

    {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}.. إن الناس على فرق ثلاث لا رابع لهم:

    الفرقة الأولى: المنعم عليهم.. إن هناك قوماً أنعمَ اللهُ -عز وجل- عليهم، يقول تعالى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}، ويقول في آية أخرى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا}؛ فالقضية مخيفة جداً!.. والأمر أشبه بالخلايا البيضاء في البدن، لو تم سحب الخلايا البيضاء من البدنِ يوماً واحداً؛ لسقطَ الإنسان ميتاً بتأثير الجراثيم والأوبئة.. وكذلك الشياطين هي بمثابة الجراثيم، والكريات البيضاء هي النعمة الإلهية التي تحمي الإنسان.. فالإنسان إذا لم تكن لهُ حماية من الله -عز وجل- كحماية هذهِ الخلايا؛ فإنه يسقط.. من هنا ترى البعض يكون حمامة المسجد، لمدة عشرين أو ثلاثين سنة، وإذا بموقف واحد يرده أسفل سافلين!.. وما ذلك إلا لأنهُ رُفعت عنهُ الحماية، فأخذَ يتصرف كالمجانين، لأنَ اللهَ -عزَ وجل- ستار العيوب، وهو الذي قد مسكَ قلبهُ في الفترة السابقة.. إن هؤلاء أنعمَ اللهُ عليهم بالتسديد، ولكن لابد أن نلتفت إلى أن هناك نوعين من التسديد:

    أولاً: تسديدٌ مع التفات: كتسديد الأنبياء، حيث يأتي الوحي للإنسان فيسدده.
    ثانياً: تسديدٌ من دونِ التفات: كأن يمشي الإنسان في الحياة على رسله، وقد لا يفوّض أمره إلى ربه!.. فتفتح لهُ أبواب، وتغلق لهُ أبواب.. ولكن بعد عشرات السنين، يعلم أن الباب الذي فُتح كان خيراً له، والذي أُغلق كانَ شراً له.. وهذا يحدث كثيراً، مثلاً: شاب حاز على منحة دراسية، وكل أموره مهيأة للسفر، ولكن فجأة يرى نفسه أنه يمشي في نفق مظلم؛ فيعدل عن السفر!.. وقد قال (ع): (عرفت الله بنقض العزائم، وفسخ الهمم).

    فإذن، هذهِ تصرفات رب العالمين في عالم التحقق، وقد يلتفت الإنسان وقد لا يلتفت؛ ولكن المهم أن يكون الإنسان مُتبنى.. عندما يدعو أحدكم لأخوانه المؤمنين، فليقل: اللهم!.. كفلّهُ وليك الحجة -صلوات الله وسلامه عليه- كما كفلتَ مريم زكريا.. هذهِ سنة الله -عز وجل- في الحياة، زكريا رجل ليس بمحرم، ولكنَ الله -عزَ وجل- شاءَ أن يكفلَ امرأةً كمريم رَجُلاً كزكريا.. ما المانع أنَ رب العالمين يجعل وليهُ كفيلاً لك أو لمن تدعو له؟!.. هنيئاً لمن كانَ تحتَ كفالةِ حجة الله في أرضه!..

    الفرقة الثانية: المغضوب عليهم.. إن الغضب الإلهي كالسحاب، يتراكم سحابة سحابة، ثم فجأة ينزل الغضب، يقول تعالى: {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}؛ أي سقط.. ورب العالمين لا يعجل، (إنما يعجل من يخاف الفوت، وإنما يحتاج إلي الظلم الضعيف).. رب العالمين يصبر ويصبر، وإذا بمجرد ذنب بسيط يحل الغضب، كما يقال في المثل العربي: “القشة التي قسمت ظهر البعير”.. لنحذر هذا الغضب الإلهي المتراكم!.. والطريق إلى ذلك الاستغفار الدائم، فالاستغفار يُذيب هذهِ السُحب المتراكمة، وإلا صرنا من المغضوب عليهم.

    الفرقة الثالثة: الضالون.. قد يكون الإنسان تائهاً ضالاً، ولكنهُ غير مغضوبٍ عليه؛ لأنهُ قاصر لا يعرف الطريق الصحيح؟.. إن حساب يوم القيامة حساب عجيب غريب!.. قد يؤتى بإنسان غير مسلم على النصرانية مثلاً، لم يسمع عن الإسلام، ولا يعلم ديناً غيرَ هذا الدين الذي يتبعه، ولكنهُ مستقيم في سلوكه وفي حياته.. هذا ضالّ ولكنهُ غير مغضوب عليه، إنه إنسان يعيش على الفطرة والبساطة.. ليس حتماً يدخل الجنة، ولكنّ أمرهُ إلى الله -عز وجل- منَ الممكن أن يدخلهُ الله برحمتهِ الجنة.

    إن الإنسان إذا صارَ من الذينَ أنعمَ اللهُ عليهم؛ النتيجة هيَّ أنه يكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، يقول تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا}.. في الجنة هناك أربع ضواحٍ: الأنبياء في جهة، والصدّيقون في جهة، والشهداء في جهة، والصالحون في جهة.. والفرق بينَ الشهداء والصديقين: أن الصدّيقين رأوا حقائق الأشياء، والشهداء رأوا الأعمال.. فالحقائق للصديقين، والأعمال للشهداء.. هنيئاًً لإنسان يعيش أبد الآبدين في هذهِ المنطقة!.. مثلاً: إنسان يشتهي أن يرى إبراهيم الخليل (ع)، فيطرق بابهُ، نعم إبراهيم (ع) خليل الله عز وجل، والمؤمن الذي في الجنة خليلُ إبراهيم (ع).. البعض في الجنة هكذا، والبعض يكون ضيفاً على أهل الجنة، قال الصادق (ع): (من لم يأت قبر الحسين (ع) وهو يزعم أنه لنا شيعة حتى يموت، فليس هو لنا بشيعة.. وإن كان من أهل الجنة؛ فهو من ضيفان أهل الجنة).. من المؤكد أن {مَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}؛ ولكنّ هناك فرقاً بينَ رفقاء الأنبياء، وبين ضيفان أهل الجنة!..​

  • #2
    العبدُ حقيقة في مقام: الاستفهام، والاستلهام، والاسترشاد
    قال (ع): (عرفت الله بنقض العزائم، وفسخ الهمم)

    جميل جدا

    والاجمل هذا العطاء ذو الابعاد العميقه
    التعديل الأخير تم بواسطة عاشقة الشهاده; الساعة 11-09-2024, 10:57 PM.

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X