بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾.[1]
﴿أَلَمْ تَرَ﴾، تقريرا لمن سمع بهذه القصّة لأهل الكتاب، وتعجيبا من شأنها. ويجوز أن يخاطب به من لم ير ولم يسمع، لأنّ هذا يجري مجرى المثل في معنى التعجيب.
والمنظور بالرؤية هنا هي الرؤية البصرية للفاصلة السحيقة بين زمن المخاطبين وزمن الواقعة ولكن المنظور ما هو بالنتيجة مثل الرؤية وهو العلم بمعنى ألم يصل إليك علم هذه الواقعة الشهيرة وشهرتها جاءت عن اهل الكتاب فإنهم كانوا يتحدثون بها للناس واختلف في سبب خروجهم من ديارهم فقيل فرارا من طاعون حصل عندهم ففرّوا بأنفسهم طلبا للحياة وقيل انهم دعوا للجهاد ففرّوا ممّن دعاهم تخلصا من الموت.
﴿وَهُمْ أُلُوفٌ﴾، أي كثيرون في العدد وحَذَرَ اَلْمَوْتِ مفعول لأجله علّل به خروجهم من ديارهم فأراد الله سبحانه ان يبيّن لهم ان تأخر الآجال هو الحارس للإنسان عن الموت لا الفرار من الموت فأماتهم لهذا الداعي ﴿فَقَالَ لَهُمُ﴾، قول تكوين ﴿مُوتُوا﴾، فماتوا ﴿ثُمَّ﴾، بعد فاصلة متأخرة عن موتهم قيل هي ثمانية أيام وقيل أتت على ذلك مدة حتى بليت أجسادهم وعريت عظامهم وتقطعت اوصالهم ﴿أَحْيَاهُمْ﴾، الله تبيينا لهم وعبرة لغيرهم فعاشوا بعد الأحياء زمانا ومكثوا ما شاء الله ثم ماتوا بآجالهم.
وروى اَلطَّبْرِسِيُّ فِي حَدِيثِ اَلزِّنْدِيقِ اَلَّذِي سَأَلَ اَلصَّادِقَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ مَسَائِلَ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ : ((أحيا الله قوما خرجوا من أوطانهم هاربين من الطاعون، لا يحصى عددهم، فأماتهم الله دهرا طويلا حتى بليت عظامهم، وتقطعت أوصالهم، وصاروا ترابا، فبعث الله في وقت أحب أن يرى خلقه نبيا يقال له: حزقيل، فدعاهم فاجتمعت أبدانهم، ورجعت فيها أرواحهم، وقاموا كهيئة يوم ماتوا، لا يفتقدون في أعدادهم رجلا - فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا)).[2]
فالقصة من عجائب اقتفاء آثار الأقوام السابقين وهي: أن أهل مدينة من مدائن الشام كانوا سبعين ألف بيت هربوا من الطاعون فمروا بمدينة خربة قد جلا أهلها عنها وأفناهم الطاعون فنزلوا بها فأماتهم الله من ساعتهم جميعا وصاروا رميما يلوح، فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له «حزقيل» فبكى واستعبر وقال عليه السلام: يا رب لو شئت لأحييتهم الساعة كما أمتهم، فعمروا بلادك وولدوا عبادك وعبدوك مع من يعبدك، فأوحى الله إليه أن يقول الاسم الأعظم فقاله عليهم فعادوا أحياء ينظر بعضهم إلى بعض يسبحون الله ويكبرونه ويهللونه.
وقيل: (هم أهل داو ردان قرية قبل واسط، وقع فيهم طاعون، فخرجوا هاربين، فأماتهم الله تعالى، ثمّ أحياهم ليعتبروا ويعلموا أنّه لا مفرّ من حكم الله وقضاءه.
﴿وَهُمْ أُلُوفٌ﴾، أي: ألوف كثيرة. قيل: عشرة آلاف. وقيل: ثلاثون. وقيل: سبعون. ومن بدع التفاسير معنى ألوف متألّفون، جمع آلف أو إلف، كقاعد وقعود).[3]
وذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (رحمه الله) في موضوع هذه القصة بعنوان درس للعبرة: (هدف الآية في الواقع كما ورد في سبب النزول هو إشارة إلى جماعة من بني إسرائيل الّذين كانوا يتذرّعون تهرّبا من الجهاد بمختلف المعاذير، فابتلاهم الله بمرض الطّاعون حيث فتك بهم سريعا وأفناهم و أبادهم إلى درجة أنّه لا يستطيع أي عدوّ شرس أن يصنع ذلك في ميدان القتال، فبهذا تقول الآية لهم أنّه لا تتصوّروا أنّ التهرّب من المسئوليّة والتوسّل بالأعذار الواهية يجعلكم في مأمن من الخطر، فأنتم أعجز من أن تقفوا أمام قدرة الله تعالى، فإنّه تعالى قادر على أن يبتليكم بعدوّ صغير لا يرى بالعين وهو مكروب الطّاعون أو الوباء وأمثال ذلك فيختطف أرواحكم فيذركم كعصف مأكول).[4]
[1] سورة القرة، الآية: 239.
[2] الاحتجاج، ج 2، ص 336.
[3] تفسير الكشاف للزمخشري، ج 1، ص 290.
[4] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 2، ص 207.
تعليق