بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال مجمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾1.اللهم صل على محمد وال مجمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تمهيد
إنَّ أهمّ قدوة للإنسانية الأنبياء الكرام عليه السلام ، قال سبحانه: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾2.
ويقول سبحانه في خصوص نبيّنا الأعظم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾3.
وقد تعرّضت القدوة الحسنة من أعداء الإنسانيّة على مرّ التاريخ إلى الإساءة وحملات التشويه، ولم يستطيعوا ولن يستطيعوا حجب الشمس مهما حاولوا جاهدين.
فنور الأنبياء عليهم السلام ونور خاتمهم النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم لم ولن ينطفىء. ونحن ذاكرون شيئاً من قبس نوره الّذي أضاء ظلمات عصره ولا يزال يُضيء عصرنا وإن تجاهله المتجاهلون والمتعصّبون وقصّر المقصّرون.
بعض مكارم أخلاق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
سلوكه الشخصي
أ-زهده صلى الله عليه وآله وسلم:
إذا أردنا أن نكوِّن فكرة واضحة عن زهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علينا أن نعرف طعامه، ولباسه ومسكنه ومدّخراته.
أمّا طعامه: فقد كان خبز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبز الشعير في أكثر أحيانه، وما أكل خبز طحين منخول حتّى قبض بل ما شبع من خبز الشعير قطّ.
فعن العيص بن قاسم قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد عليه السلام: حديث يروى عن أبيك عليه السلام أنّه قال: "ما شبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خبز برّ قط"، أهو صحيح؟ فقال: "لا، ما أكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خبز برّ قط، ولا شبع من خبز شعير قط"4.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "ذُكر اللحم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما ذقته منذ كذا"5.
ولشدّة زهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالدنيا تروي إحدى زوجاته فتقول: "ما زالت الدنيا علينا عسرة كدرة حتّى قُبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما قُبض صُبّت الدنيا علينا صبّاً"6.
وقالت: "والذي بعث محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم بالحقّ ما كان لنا منخل ولا أكل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم خبزاً منخولاً منذ بعثه الله إلى أن قُبض"7.
وأمّا لباسه: فيكفينا أن نعلم أنّه صلى الله عليه وآله وسلم كما تقول إحدى زوجاته: "ما اتّخذ من شيء زوجين، لا قميصين ولا رداءين ولا إزارين، ولا من النعال، وكثيراً ما كان يلبس المرقّع من الثياب"8.
وأما مسكنه
يروي أمير المؤمنين عليه السلام فيقول: "كان فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عباءة وكانت مرفقته أدم حشوها ليف.. وكان كثيراً ما يتوسّد وسادة له من أدم حشوها ليف، ويجلس عليها، وكانت له قطيفة فدكيّة يلبسها يتخشّع بها، وكانت له قطيفة مصرية قصيرة الخمل، وكان له بساط من شعر يجلس عليه"9.
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ رجلاً من الأنصار أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاعاً من رطب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للخادمة الّتي جاءت به: أُدخلي فانظري هل تجدين في البيت قصعة أو طبقاً فتأتيني به؟ فدخلت ثمّ خرجت إليه فقالت: ما أصبت قصعة ولا طبقاً، فكنس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثوبه مكاناً من الأرض ثمّ قال لها: ضعيه ها هنا على الحضيض! ثمّ قال: والّذي نفسي بيده لو كانت الدنيا تعدل عند الله مثقال جناح بعوضة ما أعطى كافراً ولا منافقاً منها شيئاً"10.
وأمّا مدّخراته: فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يدّخر شيئاً من المال ولا من الأشياء.
قال أنس بن مالك: "كان رسول الله لا يدخر شيئاً لغد"11.
ويكفي أن نعلم أنّه صلى الله عليه وآله وسلم لمّا توفّي ما ترك إلّا سلاحه وبغلته ودرعاً مرهونة.
فعن ابن عباس قال: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفّي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعاً من شعير أخذها رزقاً لعياله"12.
ب- منطقه صلى الله عليه وآله وسلم
لقد اتّفق جميع الّذين وصفوا منطق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان أحسن الناس منطقاً.
وإذا أردنا أن نبحث عن مكوّنات حلاوة منطقه صلى الله عليه وآله وسلم وحسنه لحصلنا من ذلك على العناصر التالية: ترك الفاحش من القول: فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبّاباً ولا فحّاشاً. فقد روي أنّه قيل له: يا رسول الله أدع على المشركين! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إنّي لم أُبعث لعّاناً وإنّما بُعثت رحمة13.
وعن أنس بن مالك قال: "خدمت النبيّ تسع سنين فما قال لشيء صنعت أسأتَ، ولا بئس ما صنعْتَ"14.
تبسّمه أثناء التكلّم: قال أبو الدرداء: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا حدّث بحديث تبسّم في حديثه15.
تكليمه للناس على قدر عقولهم: وإلى هذا أشار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "إنَّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نُكلّم الناس على قدر عقولهم"16.
-------------------------------------------------
* كتاب إلا رحمة للعالمين، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة الأحزاب، الآية: 21.
2- سورة الأنعام، الآية: 90.
3- سورة الأحزاب، الآية: 21.
4- الأمالي،الشيخ الصدوق ص 398.
5- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 18، ص30.
6- م.ن، ج 16، ص 244.
7- سنن النبيّ، السيد الطباطبائي، ص 226.
8- امتاع الاسماع، المقريزي، ج2،ص 289.
9- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج16، ص 252.
10- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج16، ص 284.
11- الشفا بتعريف حقوق المصطفى، عياض الاندلسي، ج 1، ص 94.
12- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج16، ص 239.
13- الدر المنثور، جلال الدين السيوطي، ج4، ص 342.
14- البداية والنهاية، ابن كثير، ج6، ص 26.
15- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج16، ص 298.
16- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص 23.
تعليق