بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾.[1]
عندمّا أمر الله تعالى المسلمين بالقتال، ذكر قصّة مخالفة بني إسرائيل، وغلبة فئة قليلة منهم فئة كثيرة، ليعلم المؤمنون قبح مخالفة أمر الجهاد، وليتّكلوا في النّصرة على الله لا على الكثرة والعدد والعدّة. ولعلّه لإظهار إحاطة قلب النبيّ صلّى الله عليه وآله - في عالم الأشباح - بجميع وقائع العالم من بدء الخلقة، قال مخاطبا له: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾، إِلَى حال ﴿الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، وأشرافهم؟ وهذا الاستفهام لتقرير من بلغ إليهم القصّة بالتواتر، أو العجب من شأن الملأ وهم كانوا مِنْ بَعْدِ وفاة موسى بن عمران ﴿إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ﴾، قيل: هو يوشع بن نون وصيّ موسى، وهو من ولد يوسف. وقيل: شمعون من ولد لاوي بن يعقوب. وقيل: إشمويل من بني هارون.
فنقل أنّه لمّا ادّعى النبوّة كذّبه بنو إسرائيل، وقالوا له: إن كنت صادقا فأتنا بآية. ولمّا كان قوام بني إسرائيل بالاجتماع على الملوك، وطاعة الملوك لأنبيائهم، وكان الملك يسيّر الجموع، والنبيّ يقيم أمره، ويشير عليه، قالوا له: إن كنت نبيّا اِبْعَثْ وانهض لَنٰا مَلِكاً وأميرا نصدر عن رأيه وتدبيره في قتال كفّار العمالقة، حتى نقاتل معه فِي سَبِيلِ اَللهِ ونصرة دينه.
وورد عَنْ مُحَمَّدٍ اَلْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قال: ((وَكَانَ اَلْمَلِكُ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ هُوَ اَلَّذِي يَسِيرُ بِالْجُنُودِ وَاَلنَّبِيُّ يُقِيمُ لَهُ أَمْرَهُ وَيُنْبِئُهُ بِالْخَبَرِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ)).[2]
وكان قد تملك جالوت رأس العمالقة على بني إسرائيل بعصيانهم وتغييرهم دين الله وعتوّهم عن أوامره.
وورد بهذا الخصوص أنّ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى اَلْحَلَبِيِّ عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) : ((أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) عَمِلُوا بِالْمَعَاصِي، وَغَيَّرُوا دِينَ اَللهِ، وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَكَانَ فِيهِمْ نَبِيٌّ يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ فَلَمْ يُطِيعُوهُ، وَرُوِيَ أَنَّهُ ارميا اَلنَّبِيُّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، فَسَلَّطَ اَللهُ عَلَيْهِمْ جَالُوتَ، وَهُوَ مِنَ اَلْقِبْطِ، فَأَذَلَّهُمْ، وَقَتَلَ رِجَالَهُمْ، وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَاِسْتَعْبَدَ نِسَاءَهُمْ، فَفَزِعُوا إِلَى نَبِيِّهِمْ، وَقَالُوا: سَلِ اَللهَ أَنْ يَبْعَثَ لَنَا مَلِكاً، نُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اَللهِ)).[3]
قال النّبيّ: هَلْ عَسَيْتُمْ وقاربتم إِنْ كُتِبَ ووجب عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا جبنا وخوفا، فإنّي أظنّ وأتوقّع جبنكم عن القتال.
قالوا وما العذر لَنا وأيّ داع يتصوّر في أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وأن نترك نصرة دينه والحال أنّا قَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وطردنا من أوطاننا، واغتربنا من أهلنا وَأَبْنَائِنَا وكلّ من هذه المصائب والبليّات أقوى المهيّجات إلى القتال.
وقيل: إنّ جالوت كان رأس العمالقة وملكهم، وهو من أولاد عمليق بن عاد، وكان هو والعمالقة يسكنون ساحل بحر الرّوم بين مصر وفلسطين، وظهروا على بني إسرائيل، وأخذوا ديارهم، وسبوا أولادهم، وأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين نفسا وضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم.
فَلَمَّا كُتِبَ وفرض عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ بعد دعاء النبيّ وبعث الملك وهو طالوت، آل أمرهم إلى أن تَوَلَّوْا وتخلّفوا عن القتال. قيل: لأنّهم علّلوا قتالهم بحظوظ النّفس، فخذلوا وظلموا عند الامتحان إلا قَلِيلاً مِنْهُمْ وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر، بعدد أصحاب بدر، وأصحاب القائم عليه السّلام ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾، على أنفسهم بالتّقاعد عن الجهاد.
[1] سورة القرة، الآية: 246.
[2] تفسير العياشي، ج 1، ص 132.
[3] تفسير البرهان، ج 1، ص 505.
تعليق