بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.[1]
إرادة إلهية عظيمة بربط الأحداث الحاضرة بما مضى من خلال سيرة الأنبياء وما جرى عليهم، باقتفاء أثرهم والالتزام بخطهم ونهجهم وعدم تكرار أخطاء القوم الذين عاصروهم وتخلفوا عن اوامرهم وركبهم فكانت الخسارة الكبرى والضياع وبيع الآخرة بالدنيا الدنية، وخير مثال على ذلك ما جرى على بني إسرائيل عندما خالفوا موسى فأصابهم التيه في الأرض لأربعين سنة لقوله تعالى: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾[2]، بعد ذلك يأتي نفس الاختبار على بني إسرائيل في عهد النبي اشمويل ومن بعده النبي داوود عليهما السلام.
لذلك قال تعالى في الكتاب المجيد: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ﴾، بعد أن أقام الحجّة على أحقّية طالوت بالملك ﴿أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ﴾، أي: الصندوق. فعلوت من التوب، وهو الرجوع، لأنّه ظرف توضع فيه الأشياء وتودعه، فلا يزال يرجع إليه ما يخرج منه.
ويراد به صندوق التوراة، وكان من خشب الشمشاد الّذي يتّخذ منه المشط، ومموّها بالذهب نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين.
وقد روي عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ((وَكَانَ اَلتَّابُوتُ اَلَّذِي أَنْزَلَهُ اَللهُ عَلَى مُوسَى فَوَضَعَتْهُ فِيهِ أُمُّهُ وَأَلْقَتْهُ فِي اَلْيَمِّ فَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ فَلَمَّا حَضَرَ مُوسَى اَلْوَفَاةُ وَضَعَ فِيهِ اَلْأَلْوَاحَ وَدِرْعَهُ وَمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ آيَاتِ اَلنُّبُوَّةِ وَأَوْدَعَهُ يُوشَعَ وَصِيَّهُ فَلَمْ يَزَلِ اَلتَّابُوتُ بَيْنَهُمْ حَتَّى اِسْتَخَفُّوا بِهِ وَكَانَ اَلصِّبْيَانُ يَلْعَبُونَ بِهِ فِي اَلطُّرُقَاتِ فَلَمْ يَزَلْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي عِزٍّ وَشَرَفٍ مَا دَامَ اَلتَّابُوتُ عِنْدَهُمْ فَلَمَّا عَمِلُوا بِالْمَعَاصِي وَاِسْتَخَفُّوا بِالتَّابُوتِ رَفَعَهُ اَللهُ عَنْهُمْ فَلَمَّا سَأَلُوا اَلنَّبِيَّ وَبَعَثَ اَللهُ إِلَيْهِمْ طَالُوتَ مَلِكاً يُقَاتِلُ مَعَهُمْ رَدَّ اَللهُ عَلَيْهِمُ اَلتَّابُوتَ كَمَا قَالَ اَللهُ: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ اَلتّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الملائكة قَالَ: اَلْبَقِيَّةُ ذُرِّيَّةُ اَلْأَنْبِيَاءِ وَقَوْلُهُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَإِنَّ اَلتَّابُوتَ كَانَ يُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ اَلْعَدُوِّ وَبَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ فَتَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ طَيِّبَةٌ لَهَا وَجْهٌ كَوَجْهِ اَلْإِنْسَانِ)).[3]
﴿فِيهِ﴾، في إتيانه ﴿سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾، سكون لكم وطمأنينة، أو في التابوت، أي: مودع فيه ما تسكنون إليه، وهو التوراة. وكان موسى عليه السّلام إذا قاتل قدّمه، فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرّون. وقيل: هي صورة كانت فيه من زبرجد أو ياقوت، لها جناحان ورأس كرأس الهرّ وذنب كذنبه، فتئنّ فيزفّ التابوت نحو العدوّ وهم يمضون معه، فإذا استقرّ ثبتوا وسكنوا ونزل النصر. وقيل: صور الأنبياء من آدم إلى محمد صلّى الله عليه وآله.
وَعَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ((كَانَتْ فِيهِ رِيحٌ هَفَّافَةٌ مِنَ اَلْجَنَّةِ لَهَا وَجْهٌ كَوَجْهِ اَلْإِنْسَانِ وَعِنْدَ أَهْلِ اَلْكِتَابِ أَنَّ اَلتَّابُوتَ حُمِلَ إِلَى نَاحِيَةِ كِرْزِيمِ مِنْ نَاحِيَةِ طُورِ سَيْنَاءَ فَكَانَتْ تُظِلُّهُ بِالنَّهَارِ غَمَامَةٌ ويُشْرِقُ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ عَمُودٌ مِنْ نَارٍ وكَانَ يَدُلُّهُمْ عَلَى اَلطَّرِيقِ لَيْلاً)).[4]
﴿وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾، رضاض الألواح، وعصا موسى، وثيابه، وعمامة هارون. وآلهما: أبناؤهما أو أنفسهما. وإقحام الآل لتفخيم شأنهما أو أنبياء بني إسرائيل، لأنّهم أبناء عمّهما، وهو عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، فكان أولاد يعقوب آلهما.
﴿تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ﴾، روي أنّه سبحانه رفعه بعد موسى، فنزلت به الملائكة وهم ينظرون إليه، وكان ذلك آية لاصطفاء الله طالوت.
وقيل: كان بعد موسى مع أنبيائهم يستفتحون به، حتى أفسدوا فغلبهم الكفّار عليه، وكان في أرض جالوت إلى أن ملّك الله طالوت، فأصابهم بلاء حتى هلكت خمس مدائن، فتشاءموا بالتابوت، فوضعوه على ثورين أخرجوهما من بلادهم، فساقتهما الملائكة إلى طالوت.
[1] سورة القرة، الآية: 248.
[2] سورة المائدة، الآية: 26.
[3] بحار الأنوار، ج 13، ص 438.
[4] البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص 512.
تعليق