بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
دوي المدافع يكاد يصمم آذانهم، وأزيز الطائرات يروع قلوبهم، ومشاهد القتل والدمار شريط يتجدد أمام أعينهم كل يوم، هذا ما يعيشه أطفالنا في فلسطين والعراق وسوريا – واليمن أيضًا – وغيرها من بلاد المسلمين، أما إخوانهم من الأطفال فيشاهدون مشدوهين على شاشات التلفاز نقلاً حيًّا لفصول الحرب والدمار.
وما بين من يعيش الحرب ومن يشاهدها من أطفالنا تضيع طفولتهم وتزداد معاناتهم، فماذا فعلت الحروب في أطفالنا ؟ وماذا نفعل لهم ؟
تقول إحصاءات اليونيسيف إن حروب العالم قتلت مليون طفل ويتمت مثلهم، وأصابت 4.5 مليون بالإعاقة، وشردت 12 مليون وعرَّضت 10 ملايين للاكتئاب والصدمات النفسية، الجزء الأكبر من هذه الأرقام يقع في بلدان العرب والمسلمين.
يركز علماء النفس والتربويون على الصدمة كأكثر الآثار السلبية للحروب انتشارًا بين الأطفال، فغالبًا ما يصاحب الصدمة خوف مزمن (فوبيا) من الأحداث والأشخاص والأشياء التي ترافق وجودها مع الحرب مثل صفارات الإنذار.. وصوت الطائرات .. الجنود.. إلخ؛ يقابلها الطفل بالبكاء أو العنف أو الغضب أو الاكتئاب الشديد.
أما إذا كانت الصدمة ناجمة عن مشاهدة الطفل لحالات وفاة مروعة أو جثث مشوهة لأقارب له فإنها يمكن أن تؤثر على قدراته العقلية. وتتسبب الصدمة في معاناة الأطفال من مشكلات عصبية ونفسية ممتدة مثل الحركات اللاإرادية، وقلة الشهية للطعام، والابتعاد عن الناس، والميل للتشاؤم واليأس، وسرعة ضربات القلب في بعض المواقف.
وتفجر الحروب لدى الأطفال – لاسيما الصغار منهم – أزمة هوية حادة، فالطفل لا يعرف لمن ينتمي ولماذا يتعرض لهذه الآلام، أما الأطفال الأكبر – الفتيان – فيجدون أنفسهم وقد أصبحوا في موقف الجندية عليهم الدفاع عن أنفسهم وذويهم ولو عرضهم ذلك للخطر، وحتى إذا لم يفعل الأطفال ذلك فإنهم يجدون أنفسهم في حالة من التشرد والفقر تفوق قدرتهم على الاستيعاب خصوصًا على التعبير الجيد عن المشاعر والرغبات مما يغذي مشاعر دفينة تظهر في مراحل متقدمة من أعمارهم في صور عصبية وانطواء وتخلف دراسي وغيرها من الأعراض.
إن أخطر آثار الحروب على الأطفال ليس ما يظهر منهم وقت الحرب، بل ما يظهر لاحقًا في جيل كامل ممن نجوا من الحرب وقد حملوا معهم مشكلات نفسية لا حصر لها تتوقف خطورتها على قدرة الأهل على مساعدة أطفالهم في تجاوز مشاهد الحرب.
معاناة ممتدة:
معاناة الأطفال من الحروب لا تتوقف بتوقف المدافع، بل تصاحبهم إلى مراحل متقدمة من أعمارهم.
مذبحة قانا التي مر عليها حوالي عشر سنوات لا يزال الأطفال الذين عايشوها يعانون من اضطرابات نفسية، .
فالآثار السلبية لتلك المشاهد لا تنتهي بنهاية مرحلة الطفولة، بل تشكل منظارًا يرى الطفل العالم من خلاله، ولأن الأطفال لا يفهمون مبررات الحرب كما يفعل الكبار، فإنه لا سبيل أمامهم للتعبير عن تأثرهم بما يعانون ويعايشون ويرون من تلك الحرب إلا الانطواء والتوجس أو التبلد أو العدوانية.
جيل أكثر قوة :
التأثير السلبي لأجواء الحروب على الأطفال يكاد يكون أمرًا مسلمًا به، لكن على الجانب الآخر هناك من يرى في تلك الأجواء شيئًا من الإيجابية، إذ يشير بعض التربويين إلى أن الجيل الذي يعيش تلك الأجواء سيكون أكثر قوة وقدرة على التحمل شرط أن يكون وراء هؤلاء الصغار أسر واعية تشرح لهم ما وراء مشاهد الحرب التي يعايشونها أو يشاهدونها، ولذلك من المهم ألا يجلس الطفل بمفرده أمام نشرات الأخبار في التلفاز، بل لابد من وجود بالغ بجواره يشرح له دلالة الأحداث وما وراءها.
المعايشة أصعب من الحديث:
قد يسهل الحديث عن الآثار التي تصيب الأطفال من الحروب سواء عايشوا أو شاهدوها، لكن تجارب الآباء والأمهات مع هؤلاء الأطفال هي التحدي الذي يواجه كل أسرة، فربما يكون من السهل أن نقول للآباء والأمهات: لا تدعوا أطفالكم يرون مشاهد القتل والدمار في نشرات الأخبار، لكن ماذا نقول لمن يعيشون التجربة حية ؟ ماذا تقول الأم لطفلها عندما يرتج بيتها من القصف، وينهار البيت المجاور ويموت زملاء وأصدقاء أطفالها الذين يسألون عنهم.. يبدو أن واقعنا المعيش أكثر تعقيدًا من كل نظريات التحليل والتنظير.
في مثل هذه الأجواء لا يصبح هم الآباء والأمهات حماية الأطفال من مشاهد العنف والموت، بل حمايتهم من الموت نفسه
ماذا نفعل ؟
يواجه الأهل تحديات جمة في التعامل مع أطفالهم أثناء الحروب ليس في البلدان التي تدور فيها الحرب فحسب بل في البلدان التي تتابعها على شاشات التلفاز، ففي كل الأحوال يحتاج الأطفال إلى معاملة خاصة من ذويهم سواء كانوا ضحايا للحرب أو مجرد متابعين لها. بعض البلدان أدركت خطورة هذه المسألة فعمدت إلى مساعدة الآباء والأمهات من خلال حصص دراسية في المدارس تهيّئ الأطفال للتفاعل مع الحرب دون صدمات.
أول ما يجب أن يفعله الآباء والأمهات عند تعرض الطفل لظروف مروعة في الحروب هو أن يحيطوه بالاطمئنان ولا يتركوه دون دعم نفسي وأن يطمئنوه بأن كل شيء سيكون على ما يرام مع تشتيت فكره عن الحدث المروع.
أما الأطفال الأكبر سنًّا فيمكن مناقشة ما يجري معهم وإقناعهم بأنهم في مكان آمن وأن القصف لن يطالهم مع عدم منعهم من البكاء أو السؤال عما يجري. ويمكن لرب الأسرة في مناطق الحروب أن يجمع أسرته صغارًا وكبارًا من أجل قراءة القرآن والدعاء مع زرع الإحساس بداخل الطفل بأن القدرة الإلهية قادرة على كل شيء، وأن قوة الله فوق كل قوة، وكيف أنه سبحانه نجى إبراهيم من النار وموسى من الغرق