بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ ۗ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.[1]
درس رباني لإتباع الخط الإلهي من خلال الامتحان بالثبات والالتزام بأمره تعالى.
فعندما آمن بنو إسرائيل بقيادة طالوت بعد أن جاءتهم المبيّنات السابقة [التابوت وما فيه] وأخذ طالوت في الاستعداد للحرب فأعاد تنظيم بني إسرائيل وتدريبهم وتجهيزهم ثم خرج بهم لقتال عدوهم.
لم يخرج من بلده حتى أراد أن يمتحنهم بما يعرف به إيمانهم وصبرهم وجدّهم في هذا الأمر. إنه امتحان إلهي يريد من خلاله تمحيص الفئة المؤمنة بطالوت وأهدافه من الفئة التي يأخذها الهياج العام أو الفئات الأخرى المنتفعة والمستغلة للظروف، ولذا قال لهم: ﴿إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ﴾، إن الله سيمتحنكم بنهر تجري فيه الماء وكيف يكون الابتلاء هل بالعبور عنه أو غير ذلك!
إنه الابتلاء بالشرب منه وعدم الشرب.
﴿فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي﴾، إن هذا النهر في مائه الابتلاء والامتحان، من تناول من مائه شيئا وشربه فليس من جندي وليس هدفه من هدفي ولا يمكن أن يكون من أتباعي في هذا الطريق الصعب.
﴿وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾، أما من لم يرتو منه إلا بغرفة يغترفها بيده يبلل بها أحشاءه ويطفئ ظمأه فهذا مني ومن جندي وفي نفس الخط الذي أنا فيه وعلى نفس الهدف الذي أتحرك من أجله.
إنه امتحان صعب، فالقلوب تحترق إلى قطرة ماء ويمنع على من يمر بنهر ماء أن يتناول منه إلا غرفة من الماء.
إنها معاناة قاسية تحتاج إلى إيمان بالقيادة وبأهدافها وبما تتطلع إليه من رضا الله.
كيف واجه بنو إسرائيل هذا الامتحان؟!وهل انتصروا فيه واجتازوه بنجاح أم سقطوا أمامه؟!
يقول تعالى: ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ﴾، إنه سقوط مريع لأمة تريد تحرير نفسها من ظلم أعدائها.
فَشَرِبُوا مِنْهُ عصوا أمر القيادة وأخذوا يشربون حتى ارتوت الأكثرية من الماء ولم يبق ضمن الأمر الصادر من طالوت إلا قلة.
إنها قلة ولكنها إن صمدت واستمرت في خط الطاعة ستنتصر وتحقّق عزتها وتستعيد كرامتها.
وهو أول امتحان لغربلة الصادقين من الكاذبين والمؤمنين من غير المؤمنين.
إنه الامتحان الأول ولكنه لن يكون الأخير.
فلحقه امتحان آخر لا يقل عنه شدة أو صعوبة عبّر عنه سبحانه بقوله تعالى:
﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾، اجتاز طالوت وجنوده الذين آمنوا معه النهر وتخلّف أولئك الذين شربوا من النهر وارتووا منه ولما أصبح طالوت وجنوده في مواجهة الأعداء هالهم المنظر وأفزعتهم الرؤية.
إنهم قلة قليلة في مواجهة كثرة كثيرة، لقد أرعبهم هذا المشهد وانطلقت كلمات الرعب من قلوبهم الضعيفة.
لقد صرخ الضعفاء منهم: ﴿قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾، إن جالوت عدو يحشد أعدادا ضخمة لا يمكننا في وقتنا هذا مواجهتها أو الصمود في وجهها.
إنهم انهزموا من داخلهم وتحرك الرعب في مفاصلهم فانطلقت هذه الكلمات لتعبّر عن ذلك كله.
ولكن إذا انهزمت بعض النفوس لضعف فيها نتيجة عدم الإيمان أو لسوء التربية أو لإساءة الظن أو لحسابات بشرية ضيقة فهناك من يملك رؤية إيمانية تسقط أمامها كل الأرقام والأعداد الكبيرة من الحشود العسكرية والجند المنظم.
صاحت الفئة المؤمنة من جيش طالوت بشعار ترد فيه على المنهزمين وتصحّح فيه تصورهم ورؤيتهم لأسباب النصر والهزيمة.
إنها صرخة إيمانية تعيد الثقة بالنفس وتبعث الحركة حية في ذلك الجمع صوّر سبحانه تلك الصيحة بقوله تعالى: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ ۗ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
[1] سورة القرة، الآية: 249.
تعليق