بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾.[1]
﴿تِلْكَ﴾، إشارة إلى الجماعة الّذين من جملتهم النبيّ صلّى الله عليه وآله واللام للاستغراق في «اَلرُّسُلُ» ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾، بأن خصّصناه بمنقبة ليست لغيره والأنبياء كلّهم متساوون في النبوّة؛ لأنّ النبوّة شيء واحد والتفاضل باعتبار الدرجات بلغ بعضهم درجة الخلّة كإبراهيم ولم يحصل ذلك لغيره وجمع لداود الملك والنبوّة وطيب النعمة ولم يحصل هذا لغيره وسخّر لسليمان الجنّ والإنس والطير والريح ولم يحصل هذا لأبيه داود على نبيّنا وآله وعليه السّلام وخصّ محمّدا صلّى الله عليه وآله بكونه مبعوثا إلى الكلّ من الجنّ والإنس ويكون شرعه ناسخا لجميع الشرائع.
﴿مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ﴾، أي كلّمه الله من غير واسطة مثل موسى فهو مكالمة وقالت الأشاعرة: إنّ الكلام الّذي سمعه موسى وغيره هو الكلام القديم الأزليّ. وقال غيرهم: سماع ذلك الكلام محال وإنّما المسموع هو الحروف والأصوات وهو الحقّ.
﴿وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾، أي على درجات؛ أراد به محمّدا صلّى الله عليه وآله فإنّه تعالى فضّله على جميع الأنبياء وأعطاه جميع الآيات الّتي أعطاها من قبله من الأنبياء وبأن خصّه بالقرآن الّذي لم يعطه غيره وهو المعجزة القائمة إلى يوم القيامة.
﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ﴾، كإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى والإخبار بما يأكلونه ويدّخرونه في بيوتهم وخلق الطير من الطين والإنجيل.
﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾، أي الروح المطهّرة الّتي نفخها الله فيه فالقدس بمعنى «المقدّس» من قبيل رجل صدق لأنّه لم يخلق من اجتماع نطفتي الذكر والأنثى ولم تضمّه أصلاب الفحول وأرحام الطوامث أو القدس «هو الله» وروحه «جبرئيل» والإضافة للتشريف مثل «بيت الله» وقد أعانه جبرئيل في أوّل أمره بنفخه الروح في كمّ امّه وفي وسط أمره بتعليمه العلوم وحفظه من الأعداء وفي آخر أمره حين أرادت اليهود قتله أعانه ورفعه إلى السماء.
﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ﴾، الرسل بأن جعلهم متّفقين على اتّباع الرسل بحيث لم يتمكّنوا من المخالفة ويلجئهم إلى الموافقة ويمنعهم عن الكفر إلّا أنّه سبحانه لم يلجئهم إلى ذلك لأنّ التكليف لا يحسن مع الضرورة والجزاء لا يحسن إلّا مع التخلية والاختيار. ﴿وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ﴾، بحسن اختياره ﴿وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ﴾، بسوء اختياره.
﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ﴾، عدم اقتتالهم بعد هذه المرّة مع هذا الاختلاف والشقاق اللازم للاقتتال بحسب العادة ﴿مَا اقْتَتَلُوا﴾، وما نبض منهم عرق التطاول والتعاون ومنع وسلب عنهم قدرة القتال لما أنّ الكل تحت ملكوته.
﴿وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾، ما تقتضيه المصلحة.
واستشهد أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الآية على قتال القوم في يوم الجمل فقد ورد عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: ((كُنْتُ وَاقِفاً مَعَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَوْمَ اَلْجَمَلِ. فَجَاءَ رَجُلٌ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ كَبَّرَ اَلْقَوْمُ وَكَبَّرْنَا وَهَلَّلَ اَلْقَوْمُ وَهَلَّلْنَا وَصَلَّى اَلْقَوْمُ وَصَلَّيْنَا فَعَلاَمَ نُقَاتِلُهُمْ فَقَالَ: عَلَى هَذِهِ اَلْآيَةِ ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم﴾ فَنَحْنُ اَلَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ﴿مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ فَنَحْنُ اَلَّذِينَ آمَنَّا وَهُمُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا، فَقَالَ اَلرَّجُلُ: كَفَرَ اَلْقَوْمُ وَرَبِّ اَلْكَعْبَةِ ثُمَّ حَمَلَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ رَحِمَهُ اَللهُ)).[2]
[1] سورة القرة، الآية: 253.
[2] تفسير العياشي، ج 1، ص 136.
تعليق