بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.[1]
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ﴾، حاصل هذا الحوار بين الحق المتمثل بنبي الله تعالى إبراهيم الخليل وبين الباطل المتمثل بالطاغية المتجبر النمرود بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح، وبمختصر مفيد أنّ إبراهيم لمّا خرج من النّار أدخلوه على الملك ولم يكن قبل ذلك دخل عليه فكلمه الملك وقال له من ربّك قال: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ﴾، نمرود و ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾، استحيي من أردت قتله فيكون ذلك منّي إحياء له وأقتل أخر فيكون ذلك منّي إماتة، وقيل: دعي برجلين فقتل أحدهما وترك الآخر ثمّ قال: أحييت الأوّل وأفنيت الثّاني فقال له إبراهيم عليه السلام: أنّ ربي يأتي بالشّمس من مشرقها فأت بها أن كنت صادقا من مغربها ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾، وهو نمرود يعني انقطع وبطلت حجّته قال الله تعالى: ﴿وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، أي لا يوفقهم على التّوبة ما داموا على ظلمهم باقين لا أنّ الله لا يهديهم أي لا يرشدهم الى الحقّ وذلك لأنّ الله تعالى بعث إبراهيم عليه السّلام وهكذا كلّ نبيّ في زمانه لإرشاد الخلق ونمرود أيضا كان من النّاس ولكنّه أبى واستكبر فلا جرم كان من المعاندين.
وقد ورد عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اَللهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((إِنَّ أَشَدَّ اَلنَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ سَبْعَةُ نَفَرٍ: أَوَّلُهُمُ اِبْنُ آدَمَ اَلَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ، وَنُمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ اَلَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ)).[2]
ومن جهة أخرى اعلم انه يلزم على الواسطة اظهار الحق بالبرهان الشافي ولو لأجل انه يصل يدا بيد فيدركه من يفهم الحق والمطالب العالية، واذا لم يفهم المخاطب يعلمه ويتكلم معه على قدر عقله، فالخليل عليه السّلام افاد أولا ان الحياة وهي افاضة الروح والوجود لا يكون الا من الواجب، اذ لا مؤثر في الوجود الا الله، فان غير الله له حد ونقص وهو لازم المجعولية والمجعول يفتقر الى الجاعل فيرجع الى الله، فلا موجد الا الله لان النسبة في الحقيقة الى علة العلل والباقي بالعرض والمجاز، واذا كان هو مفيض الوجود فهو القابض له أيضا وناقله من دار الى أخرى او إعدامه بالمرة فلا دخل لغيره؛ ولما انه أي نمرود لم يدرك ذلك او تجاهل فقال انا أيضا احيى واميت اذ بالوقاع يوجد الأولاد فهو إعطاء الحياة وبالقتل يحصل الإعدام، ولم يدر ان القوة على الجماع وإيجاد الالة والفرج والرحم وخلق المني وانتقاله لم يكن منه ابدا، وكذلك الحب والادراك، ثم بعد الانتقال لا دخل للاب في البقاء في الرحم، وكذلك إعطاء الصورة والنشوء وكذلك في جانب الاماتة، اذ آلة الفري وقبول الاوداج له وقوة اليد وادراك القتل وارادته كلا وطرا بيد الله وليس للإنسان إيجاد الفلز ولا تعيين الاوداج، وهكذا فانتقل عليه السّلام بشيء لو ادعى نمرود انه منه يضحك عليه كل احد، فان وجود الشمس وطلوعه من المشرق كان ولم يكن نمرود متولدا؛ فلو قال انى مع عدم وجودي جعلت الشمس كذلك يضحكون عليه، فقال عليه السّلام هذا لا يكون من فعلك لكونه قبل وجودك فلا بد ان يكون من الله، ولو اردت ان تساوى الله فبدّل الحركة واجعل الامر على خلاف ما كان سابقا، وبدل المغرب السابق مشرقا حاليا فلما تكلم معه عليه السلام على قدر عقله تكون النتيجة ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾.
[1] سورة البقرة، الآية: 258.
[2] تفسير البرهان، ج 1، ص 528.
تعليق