أثر نهج البلاغة في اللغة والادب
من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((تَفَرَّقَ)) في قوله عليه السلام: «وَتَفَرَّقَ عَنْهُ عَدَدُهُ»
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:
قوله عليه السلام: «طَمَحَ بِنَظَرِهِ». تَفَرَّقَ
تدلُّ مادَّة (تفرق) في اللُّغة على المباينة. جاء في (العين): «الفَرق: تفريقٌ بين شيئين فرقاً حتَّى يفترقا ويتفرَّقا. وتفارَقَ القومُ وافترقوا، أَيْ: فارق بعضهم بعضاً... والفُرْقة مصدر الافتراق... والفُرقان: كلُّ كتاب أُنزل، به فرق الله بين الحق والباطل... ويوم الفرقان يوم بدر وأُحد، فرق الله بين الحق والباطل» ([1]).
والفرق: كلُّ شيئين فصلت بينهما، قد فرقتهما فرقاً، وكلُّ ناحية منهما فَرْق وفريق ([2]).
وجاء في (معجم مقاييس اللُّغة): «الفاء والرَّاء والقاف أُصَيْل واحد صحيح يدلُّ على تمييز وتزييل بين شيئين. ومن ذلك الفرق: فرق الشَّعْر. يُقال: فرقته فَرَقاً» ([3]).
وقال الجوهريّ: «فَرَقْتُ بين الشَّيئينِ أَفْرُقُ فَرْقاً وفُرْقاناً. وفَرَّقت الشَّيء تَفْرِيقاً وتَفْرِقَةً، فانفرق وافترق وتفرَّق... والفُرقان: القرآن، وكلُّ ما فُرِّق به بين الحق والباطل، فهو فُرْقان... والمَفْرَق والمَفْرِقُ: وسط الرأْس، وهو الَّذي يُفْرَقُ فيه الشَّعر، وكذلك مَفْرِقُ الطَّريق ومَفْرَقُهُ، للموضع الَّذي يتشعَّب منه طريقٌ آخر»([4]).
وفارق الشَّيء مُفارقةً، وفراقاً: بَايَنَهُ. والاسم: الفُرقة. وتفارق القوم: فارق بعضهم بعضاً، وفارق فلان امرأَته مفارقةً وفِراقاً: بَايَنَها. والفرق: الفصل بين الشَّيئين، وجمعه: فروق([5]).
وبمعنى (المباينة) أَورد أَمير المؤمنين (عليه السلام) هذا الفعل (تفرق) مرَّةً واحدة في الخطبة؛ إذ قال (عليه السلام): «وَتَفَرَّقَ عَنْهُ عَدَدُهُ»؛ كناية عن ذهاب جاه الإنسان الميِّت (ومن جذبت نفسه)، فبموته يذهب جميع مَنْ كان مجتمعاً حوله، سواء في ذلك مَنْ يُظْهِرُ الحُبَّ له صِدْقاً، أَو تَمَلُّقاً؛ فكلُّ شيء انتهى بموت ذلك الإنسان، وَتُرِكَ لما هو أَهمُّ منه، وهو ما جمعه ذلك الإنسان الميِّت، وقد ذكره أَمير المؤمنين (عليه السلام) بعد هذا الفعل مباشرة، فقال (عليه السلام): «وقُسِّمَ جَمْعُهُ»، وسيأْتي الحديث عنه ــ إنْ شاء الله تعالى ــ.
و(تفرق) فعل ماضٍ مبنيٌّ على الفتح، و(عنه) عن: حرف جرٍّ، والهاء: ضمير متَّصل مبنيٌّ على الضَّمِّ في محلِّ جرًّ بحرف الجرِّ، عائد إلى مَنْ (جذبت نفسه)، والجارُّ والمجرور متعلِّقان بالفعل (تفرق)، و (عدده) فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضَّمَّة الظَّاهرة على آخره، وهو مضاف، والهاء ضمير متَّصل مبنيٌّ على الضَّمِّ في محلِّ جرٍّ بالإضافة، عائد إلى مَنْ (جذبت نفسه). وجملة (تفرق عنه عدده) معطوفة على جملة (ويتم ولده))([6]). الهوامش:
([1]) العين: 1/396. وينظر: المحيط في اللغة: 1/473.
([2]) ينظر: جمهرة اللغة: 1/434.
([3]) معجم مقاييس اللغة: 4/392.
([4]) الصحاح في اللغة: 2/41. وينظر: تهذيب اللغة: 3/211، ولسان العرب: 1/299، والمصباح المنير: 7، 176، والقاموس المحيط: 1، 1183، وتاج العروس: 1/6539و 6540.
([5]) ينظر: المحكم والمحيط الأعظم:3/47.
([6]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص191-193.
تعليق