بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.[1]
﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ﴾، أي ألم تر إلى مثل الذي مَرَّ من المرور بمعنى العبور ﴿على قَرْيَةٍ﴾، وهو ارميا النبي أو عزير النبي عليه السّلام ﴿وَهِيَ﴾، أي القرية ﴿خٰاوِيَةٌ﴾، ساقطة ﴿عَلىٰ عُرُوشِهٰا﴾، بأن سقطت سقوف بنائها وسقطت الحيطان على السقوف وهذا التعبير لإفادة التدمير الكامل، إذ الحيطان تسقط بعد مدة من سقوط السقوف ﴿قٰالَ﴾، النبي في نفسه ﴿أَنّٰى﴾، أي متى وكيف ﴿يُحْيِي هٰذِهِ﴾، القرية، والمراد أهلها اَللهُ ﴿بَعْدَ مَوْتِهٰا﴾، قال ذلك على طريق التعجب، حيث رأى أن السباع والحيوانات تأكل الجيف ﴿فَأَمٰاتَهُ اَللهُ مِائَةَ عٰامٍ﴾، وذلك لأن يعرف كيف يموت الإنسان وكيف يحيى، معرفة عملية بعد أن كانت له معرفة علمية ثُمَّ بَعَثَهُ أحياه ﴿قٰالَ﴾، له قائل بعد أن حيي ﴿كَمْ لَبِثْتَ﴾، مكثت في حالة الموت ﴿قٰالَ﴾، عزيز ﴿لَبِثْتَ﴾، في حال الموت يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ أي قسما من اليوم ﴿قٰالَ﴾، القائل له، من قبل الله تعالى بَلْ ﴿لَبِثْتَ مِائَةَ عٰامٍ فَانْظُرْ﴾، لترى قدرة الله تعالى ﴿إِلىٰ﴾، ما كان معك من تين ولبن وحمار.
قوله تعالى: ﴿فَانْظُرْ إِلىٰ طَعٰامِكَ وشَرٰابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ واُنْظُرْ إِلىٰ حِمٰارِكَ﴾، العطف بالفاء دليل ارتباط هذه الجملة بما قبلها، وهذه دليل طول اللبث والشاهد عليه، فإن التسنّه بمعنى التغيّر، وبديهيّ أنّ عدم تغيّر الشراب والطعام لا يكون آية لذلك، إلاّ بعد ضمّ آية أخرى فأتى بقوله: ﴿واُنْظُرْ إِلىٰ حِمٰارِكَ﴾، والعناية في ﴿اُنْظُرْ﴾، ثانيا غير العناية فيه أوّلا، فالأوّل لعدم تغيّر الشراب والطعام، وبقاؤهما طريّين. وفي الثاني هو موت الحمار وتفتّت أعضائه وتفرّق أجزائه، فلو كانت العناية في الثاني عين الأوّل يكون الحمار أيضا باقيا سالما إلى الحين، ولما يحتاج إليه ثانيا، على أنّه لا يكون دليلا وشاهدا على طول مدة اللبث بل يدلّ على عكسه.
قوله تعالى: ﴿ولِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّٰاسِ﴾، فإنّ إحياءه بعد موته حجّة وآية للناس في عصره وفي القرون الآتية، وآية لنفس هذا المبعوث أيضا. قوله تعالى: ﴿واُنْظُرْ إِلَى اَلْعِظٰامِ كَيْفَ نُنْشِزُهٰا ثُمَّ نَكْسُوهٰا لَحْماً﴾، الظاهر أنّ العظام عظام المبعوث لا عظام حماره، فإنّه لا كلام في موت الحمار وإحيائه، إلاّ أنّ المناسب للقرآن، وأدبه البارع، ومقامه الشامخ، أنّ ذكر موت الحمار وإحيائه إنّما هو من حيث الدلالة على طول اللّبث له، لا لكونه آية للناس، والآية للناس هو نفس هذا المبعوث. والعناية في إنشاز العظام هي مشاهدة هذا المبعوث عظام نفسه كيف ينشزها الله - سبحانه - ويكسوها لحما حتّى قام حيّا وقام حماره أيضا.
فإن قيل: إنّ مشاهدة هذا المبعوث إنشاز عظامه متوقّف على بعثه وإحيائه، وإحياؤه متوقف على إنشاز عظامه، فلا محالة لا يكون المراد من العظام عظام نفسه، بل عظام حماره أو موتى أهل القرية.
قلت: كلاّ فإنّ مشاهدة الإنسان كيفيّة إنشاز عظامه ليس ممّا يستغرب ويستشكل. ولعلّ عدم تعرّض الآية لهذا الحيث من جهة خروجه عن غرض الآية. ففي رواية العيّاشي وعليّ بن إبراهيم أنّ أوّل ما أحياه الله - تعالى - من هذا المبعوث هو عيناه، ولا بأس بالالتزام بذلك.[2]
قوله تعالى: ﴿فَلَمّٰا تَبَيَّنَ لَهُ قٰالَ أَعْلَمُ أَنَّ اَللهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، أي بعد ما أقام الله له الحجج القيّمة والبراهين الساطعة، وأراه إحياء نفسه وإحياء حماره عيانا، علم وتيقّن بصحّة إحياء الموتى.
[1] سورة البقرة، الآية: 259.
[2] انظر في تفسير العياشي، ج 1، ص 90.
تعليق