بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان التابعي الجليل الموالي لأهل البيت (ع) ،سعيد بن جبير الأسدي ، رضوان الله عليه "46 - 95 هجرية "، من أشد المعارضين للحكم الأموي الجائر الفاسد.
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان التابعي الجليل الموالي لأهل البيت (ع) ،سعيد بن جبير الأسدي ، رضوان الله عليه "46 - 95 هجرية "، من أشد المعارضين للحكم الأموي الجائر الفاسد.
وكان تقيا وعالما بالدين، سكن الكوفة ونشر العلم فيها وكان من العلماء التابعين، فأصبح إماما ومعلما لأهلها.
سبب خروجه مع عبد الرحمن بن الأشعث في ثورته على بني أمية،ذريعة لملاحقته من قبل والي بني أمية في العراق الحجاج بن يوسف الثقفي.
وهذا الوالي حقيقة من أخبث ولاة بني أمية، ويتصف أيضا انه"حقود، حسود، كنود"، اضافة لمؤهلاته الاخرى التي تميز بها خلال فترة حكمه كوالي من"ظلم وبطش وتصفية وبغض وملاحقه".
بعد ان أفلح جلاوزة الحجاج في ملاحقته والقبض عليه البسوه القيود والحديد وساروا به ناحية واسط.,
ولما مثل بين يدي الحجاج، دار بينهما هذا الحوار:
الحجاج: ما اسمك؟
سعيد: سعيد بن جبير.
الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.
سعيد: بل أمي كانت أعلم باسمي منك.
الحجاج: شقيتَ أنت، وشقيتْ أمك.
سعيد: الغيب يعلمه غيرك.
الحجاج: لأبدلنَّك بالدنيا نارًا تلظى.
سعيد: لو علمتُ أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهًا.
الحجاج: فما قولك في محمد.
سعيد: نبي الرحمة، وإمام الهدى، "صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين".
الحجاج: فما قولك في على بن أبي طالب، أهو في الجنة أم في النار؟
سعيد: لو دخلتها؛ فرأيت أهلها لعرفت.
الحجاج: فما قولك في الخلفاء؟
سعيد: لست عليهم بوكيل.
الحجاج: فأيهم أعجب إليك؟
سعيد: أرضاهم لخالقي.
الحجاج: فأيهم أرضى للخالق؟
سعيد: علم ذلك عنده.
الحجاج: أبيتَ أن تَصْدُقَنِي.
سعيد: إني لم أحب أن أكذبك.
الحجاج: فما بالك لم تضحك؟
سعيد: لم تستوِ القلوب وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار.
ثم أن الحجاج اتبع اسلوبا آخرمع سعيد بن جبير طريقًا آخر، لعله يزحزحه عن الحق، فأغراه بالمال والدنيا، اذ وضع بين يديه أموالا كثيرة، فما كان من هذا الإمام الجليل إلا أن أعطى الحجاج درسًا قاسيًا.
فقال: إن كنت يا حجاج قد جمعت هذا المال لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
لقد أفهمه سعيدأن المال هو أعظم وسيلة لإصلاح الأعمال وصلاح الآخرة، إن جمعه صاحبه بطريق الحلال لاتـِّقاء فزع يوم القيامة..{يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}.[الشعراء:88-89].
ومرة أخرى تفشل محاولات الحجاج لإغراء سعيد، فهو ليس من عباد الدنيا ولا ممن يبيعون دينهم بدنياهم.
وبدأ الحجاج يهدد سعيدًا بالقضاء عليه، ودار هذا المشهد بينهما:
الحجاج : ويلك يا سعيد!
سعيد : الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار.
الحجاج : أي قتلة تريد أن أقتلك؟
سعيد : اختر لنفسك يا حجاج، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة.
الحجاج : أتريد أن أعفو عنك؟
سعيد : إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عُذر.
الحجاج : اذهبوا به فاقتلوه.
فلما خرجوا ليقتلوه، بكي ابنه لما رآه في هذا الموقف، فنظر إليه سعيد وقال له :
ما يبكيك؟ مابقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة؟
وبكي أيضًا صديق له، فقال له سعيد :
ما يبكيك؟
الرجل : لما أصابك.
سعيد : فلا تبك، كان في علم الله أن يكون هذا، ثم تلا :
{ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها}. [الحديد:22]
ثم ضحك سعيد، فتعجب الناس وأخبروا الحجاج، فأمر بردِّه.
فسأله الحجاج:
ما أضحكك؟
سعيد : عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك.
الحجاج : اقتلوه.
سعيد : {وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين}. [الأنعام: 79].
الحجاج : وجهوه لغير القبلة.
سعيد : {فأينما تولوا فثم وجه الله}.[البقرة: 115]
الحجاج : كبوه على وجهه.
سعيد : {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى}.[طه: 55]
الحجاج : اذبحوه.
سعيد : أما أنا فأشهد أن لاإله إلا الله نجد لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، خذها مني يا حجاج حتى تلقاني بها يوم القيامة، ثم دعا سعيد ربه فقال : اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.
راح الحجّاج ينظر إلى تدفّق الدماء بلا انقطاع فتعجّب من كثرة الدم.
التفت إلى الطبيب تياذوق، وسأله عن السرّ في ذلك.
فقال الطبيب: ان كل الذين قتلتهم كانوا خائفين ، وكان الدم يتجمّد في عروقهم ، فلا ينزف منه إلاّ القيل.
امّا سعيد بن جبير ، فلم يكن خائفاً ، و ظلّ قلبه ينبض بشكل طبيعي .
لقد كان قلب سعيد مملوءاً بالايمان ، و لهذا لم يخف من الموت ، فرحل إلى الله شهيداً و كان سعيداً كما سمّاه أبواه .
مات سعيد شهيدًا في العام 95 هـ الموافق لسنة 714 م، وله من العمر تسع وخمسون سنة، مات ولسانه رطب بذكر الله.
يوجد مرقد سعيد بن جبير بواسط في العراق شرق مدينة الحي، ويزار من قبل الناس.
ووُلِدَ في زمن خلافة الإمام على بن أبي طالب (ع).
أما الحجاج فكان مصيره بعد هذه الجريمة أن اختلّ عقله ،فكان يرى كوابيس مخيفة في نومه فكان يهبّ من نومه مرعوباً ويصيح :
مالي و لسعيد بن جبير.
ثم لم يعيش الحجاج بعد هذه الجريمة الا سوى خمسة عشر يوماً ثم مات.
لقد استجاب الله دعا ذلك الشهيد، فكان آخر من قتله الحجاج في حياته السوداء الحافلة بالجرائم و الظلم .
وعندما فتحت أبواب السجون وجدوا فيها خمسين ألف رجل و ثلاثين ألف امرأة وطفل .
لقد مات الجلاّد و الضحية في نفس العام ، وأضحت قصّتهما عبرة للأجيال.
-------------------------
علي الحاج
تعليق